عندما تابع الصحفيان الاستقصائيان هشام علام وأحمد رجب من جريدة “المصري اليوم” اخباراً مقتضبة، عن أن السلطات المصرية فتحت أبواب السجون ما سمح بفرار مئات السجناء أثناء الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير الماضي، من سجن المرج الواقع شمال القاهرة، من أجل إثارة الفوضى، شعرا بأن هذا الموضوع يحمل في طياته أكثر من ذلك.
يسرد “علام” : من هنا جاءتنا فكرة إجراء تحقيق استقصائي استمرستة أسابيع لمعرفة حقيقة ما حدث على الأرض في ذلك اليوم. فقد أشارت معظم الشائعات المتداولة، الى مسؤولية الشرطة عن فتح أبواب معظم السجون، ولكن الاستقصاء كشف شيئاً مختلفا في سجن المرج، ألا وهو، أن السجناء حصلوا على مساعدة من خارج السجن للهروب. فبدأت العملية بإشعال حرائق مفتعلة، وإطلاق النار، وبالتالي إحداث حال من الفوضى، أدت الى فرار أغلب السجناء. وعندما فرغت اسلحة حراس السجن، غير المتمرسين، من الذخائر تم فتح ابواب السجن بعد ذلك بسهولة.
قابل الصحفيان صعوبة في بداية التحقيق، . في ظل عدم وجود قوانين تيتح حرية المعلومات في مصر، فقررا الاعتماد علي رصد شهادات تسرد ما حدث بتفاصيله الحيّة، ومن مصادر مختلف، يقول رجب معلقاً : “أطلق سراح أعضاء خلية حزب الله، وهي عناصر اعتادت العمل مع حزب الله، في أعمال تجارية من قاطني سيناء، وقد طلب منهم فقط، إطلاق نيران بكثافة على السجن […] وفي اللحظة عينها، تواجدت عناصر أخرى متعاونة مع حركة حماس، وأهالي مساجين عاديين قرروا تطبيق نموذج أبو زعبل، للإفراج عن ذويهم، وسط تراخي امني، وعناصر أمنية غير مدربة بشكل احترافي، فحدث الهروب، وتفرق أعضاء الخلية كل في اتجاه وبوسائله الخاصة”.
عمل علام ورجب، على تحقيقهما في ظروف مؤاتية لإجراء التحقيقات الصحفية، فمنذ قيام الثورة باتت المصادر اكثر استعداداً للتحدث الى الصحفيين. فاعتمدا في تحقيقها حسب “علام” علي جمع أكبر قدر من الشهادات من الأطراف المختلفة للقصة، وصياغتها في مشاهد، ثم القيام بحذف الشهادات التي تتبني وجهات نظر مختلفة، والاعتماد فقط علي المشاهد التي اجتمعت كل المصادر علي روايتها، سواء من المساجين الهاربين، او ضباط وزارة الداخلية الذين كانوا مكلفين بحراسة السجن، أو الأطراف الفرعية للقصة.
واجه كل من علام ورجب، تحديات هائلة، لأن بعض مصادرهم كانت متواجدة في مناطق خطرة. وقال الكحكي، أن علام ورجب واجها صعوبات “في الوصول الى المناخلي [حسن المناخلي، وهو المتهم الثامن في خلية حزب الله في مصر] ومحاولة إقناعه للمجيء الى مكاتب الجريدة لإجراء مقابلة معه. كما واجها أيضاً، تحدي التحقق من مصداقية ودقة المعلومات، وشهادات السجناء، ومسؤولي السجن الذين شهدوا الواقعة.
واعترف علام من جهته، بأن واحدة من أخطر المواقف التي تعرضا لها في التقرير، كان الوقوف في مواجهة مباشرة مع حركتي مقاومة يبجلهما و يحترمهما مثل “حزب الله” و “حماس”، تم سجن عناصر لهما من قبل النظام السابق بحجج واهية مشكوك في صحتها، ولكن وحسب هشام “كان التحقيق فقط عن هروب العناصر من السجن لا إعادة تقييم لقضيتهم”،وعلّق رجب من جهته أن الصعوبة برزت أيضاً “في صياغة التحقيق، لأن عدد الشهادات كان كبيراً جداً، وكانت مهمة للتأكد من تطابق الروايات […] والتحدي الثاني، كان اقناع أصحاب النفق [في سيناء] الذي هرب منه أيمن نوفل [الى غزة] بالموافقة على دخوله والتسجيل معه”.
أما ابرز ما كشفه التحقيق الاستقصائي، فهو أن وصول السجناء الفارين الى بلدانهم الأصلية، حصل بسرعة قياسية، كوصول القيادي في كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) أيمن نوفل الى غزة، بعد 4 ساعات فقط على هروبه. ووصول القيادي في حزب الله محمد يوسف منصور الملقب بـ”سامي شهاب” عبر طائرة مرت بالسودان ومنه الى لبنان، حيث اجرى حديثاً تلفزيونيا بعد 4 ايام على فراره من سجن المرج.
و حقق التحقيق رد فعل قوي داخل مصر، فالرواية التي تؤكد ضعف تدريب عناصر وزارة الداخلية المكلفين بحراسة السجن، استشهد بها وزير الداخلية المصري الجديد في أكثر من موضع، كما أعتمدت عليها لجنة تقصي الحقائق المشكلة في من مجلس رئاسة الوزراء في مصر، للكشف عن الحقائق في احداث الفوضي الامنية التي شهدتها مصر خلال الثورة.
Leave a Reply