معوقون بلا رحمة.

2012/05/16
التاريخ : 16/05/2012

بقلم اسامة البيطار -عمون

التقرير الذي شاهده أمس ملايين المشاهدين على شاشة “البي بي سي العربية” عن حال بعض مراكز التأهيل الخاصة بالمعوقين في الاردن يضعنا امام مسؤولياتنا الانسانية والاخلاقية و القانونية ، ولا ابالغ ان قلت ان من شاهد هذا التقرير ولم يذرف الدمع على طريقة التعامل اللانسانية للاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من قبل المشرفين غير المؤهلين و عديمي الاحساس بعظم الافعال التي يمارسونها بمواجهة من لا يملك الحول ولا القوة وكتب الله عليه ان يكون معوقا دون اي سبب منه فجاء من يعاقبه على “خلقته” وتخلفه بلا رحمة او انسانية لا يكون انساناً متوازناً او في قلبه رحمة و شفقة. في قراءة رسالة الملك القاسية و المعبرة للحكومة وتحديداً بتحويل كل متورط في الاساءة او الاهمال للقضاء فاننا نقول انه و رغم الاعلان الخاص بحقوق المعوقين و الذي وقع عليه الاردن و كذلك مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان و العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الانسان واعلان حقوق الطفل والاعلان الخاص بحقوق المتخلفين عقلياً والذي استلهم المشرع الاردني واصدر قانون رعاية المعوقين لسنة 1989 و قانو حقوق الاشخاص المعوقين لسنة 2007 ، الا ان القوانين العقابية ذات العلاقة ومنها قانون العقوبات الاردني لا تنسجم مطلقأ مع مضمون وغايات هذه المواثيق الدولية و القوانين المحلية و بحاجة للتعديل بما يتناسب حاجة و تطورات المجتمع الاردني ، حول ضرورة التعديل و التنصيص لسن نصوص وتشريعات خاصة للجرائم الجديدة لم يكن يعرفها المشرع سابقاً و طرأت نتيجة للظروف الاجتماعية و السياسية ، فالمتورطين بمثل هذه التجاوزات والتي ترقى لمستوى الجريمة للاعتداء الجسماني او النفسي على الاطفال المعوقين و في حال ثبوتها عليهم من الناحية القانونية قد يطبق عليهم نصوص في قانون العقوبات “وفي أضيق الحالات” المواد 289 و 290 من قانون العقوبات الاردني لسنة 1960و التي جاء فيها :- كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع او معقول ويؤدي الى تعريض حياته للخطر ، او على وجه يحتمل ان يسبب ضررا مستديماً لصحته يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة . ” وهذا وحده لا يكفي اذا نظرنا للامر من زوايا اثباتية عديدة لوجدنا قصراً في التشريع و عجزاًً في القانون. نحن في الاردن “بلشنا” بالسياسة وهمومها و بالحراك الشعبي و الربيع العربي ونسينا او تناسينا ما هو اعمق تأثيراً في حياتنا وهم اطفالنا و مستقبلهم وان كانوا مصنفين بدائرة الاعاقة الجسدية او العقلية ، واختار الجميع ان يتصدر مشهد الحراك السياسي و التنظير دون الالتفات الى ما هو اهم واكثر خطورة على مستقبلنا ومستقبل هذه الفئة المظلومة ، وها نحن الان في مرمى النار فلا سياحة علاجية باتت مصدر فخر لنا ولا مؤسسات تعليمية يعلم من يعلم حالها المتردي اليوم . ربيعنا الاردني يجب ان يتركز على اعادة هيكلة الدولة القانوني و التشريعي و اعادة النظر بمستوى الانحطاط ” التجاري ” الذي وصل بهذه المؤسسات التربوية الصحية التي تسيئ لانجازات الاردن . في الدول التي نحب ان نتباهى بها تستقيل الحكومة فوراً اذا نشر مثل هذا التقرير “المخزي” لسمعة بلدنا وتتحمل كامل المسؤلية الاخلاقية عن مثل هذا التقصير وتقوم الدنيا و لا تقعد عن سوء معاملة الاطفال خاصة المعوقين الا اننا مطالبين في ظل حكومات “شهرية ” ان نصبر على هذه الحكومة وان لا نطالبها بالاستقالة بل بأخذ اجراءات فورية و حاسمة . ولا بد للوزارة المعنية من تفعيل حقيقي وجاد لقانون رعاية المعوقين وقانون حقوق الاشخاص المعوقين ، و للمراكز ان تدرك انه في الاعلان الدولي الخاص بحقوق المعوقين أن للمعوق حق أصيل في أن تحترم كرامته الإنسانية وله ذات الحقوق الأساسية التي تكون لمواطنيه الذين هم في سنه، وان له الحق في العلاج الطبي والنفسي والوظيفي وفي التأهيل الطبي والاجتماعي، وفي التعليم، وفي التدريب والتأهيل المهنيين، وفي المساعدة، والمشورة، وفي خدمات التوظيف وغيرها من الخدمات التي تمكنه من إنماء قدراته ومهاراته إلي أقصي الحدود وتعجل بعملية إدماجه أو إعادة إدماجه في المجتمع وله الحق حسب قدرته في الحصول علي عمل والاحتفاظ به أو في مزاولة مهنة مفيدة وانه اذا حتمت الضرورة أن يبقي المعوق في مؤسسة متخصصة، يجب أن تكون بيئة هذه المؤسسة وظروف الحياة فيها علي أقرب ما يستطاع من بيئة وظروف الحياة العادية للأشخاص الذين هم في سنه. انني ادعو وزير التنمية الاجتماعية “الجديد القديم” باغلاق هذه المؤسسات فورا و تحويل او توزيع مرتاديها من ذوي الاحتياجات الخاصة على مراكز اخرى وعلى حساب الحكومة و بذات الوقت الاخذ برسالة جلالة الملك نصاً و هدياً بمراجعة التشريعات التي تحكم عمل هذه المؤسسات وتعديلها بما يتناسب و المعايير الدولية وان لا يتم توظيف الا المشرفين المتخصصين وفق معايير عالية في المهنية وان يتم وضع كاميرات واجهزة رقابة في الغرف الصفية تتم مراجعتها من قبل لجان متخصصة بالوزارة بالتوازي مع قيام الحكومة بتعديل التشريعات ذات العلاقة لتتناسب مع حاجات هذه الفئة المظلومة . واخيراً ، نقرأ في تاريخنا العربي أن الخليفة عمر بن عبد العزيز عمل على إحصاء عدد المعوقين في الدولة الإسلامية ، ووضع الإمام أبو حنيفة تشريعاً يقضي بأن بيت مال المسلمين مسئول عن النفقة على المعوقين وبنى الخليفة الوليد بن عبد الملك أول مستشفى للمجذومين عام 88 هـ وأعطى كل مقعد خادماً وكل أعمى قائداً ، و أنشأ المأمون مآوٍ للعميان والنساء العاجزات في بغداد والمدن الكبيرة ، وبنى السلطان قلاوون مستشفى خاص لرعاية المعوقين ، ونحن نرى فظائع اخواتنا المتجلببات باسوأ ما يوصف بالتعذيب و الاسى النفسي على اطفال معوقين ولا اعرف اذا كانوا يعرفون ان تاريخنا سبق الاعلانات الدولية لحقوق المعوقين.

للإطلاع على التحقيق كاملا

أخبار ذات صله