غسيل متسخ لمسؤولين على حبال صحافيين استقصائيين في الأردن

2013/09/19
التاريخ : 19/09/2013

بقلم داود كتاب*

مصعب الشوابكة، الشاب الإعلامي النحيل الذي يمارس الصحافة الاستقصائية مذ كان في السنة الثانية بالجامعة، جاء مسرعا إلى مكتبي هذا الأسبوع. كان مصعب قد أكتشف أمرا حول مجموعة شركات “موارد” المملوكة للقوات المسلحة الأردنية.

خلال عمله في تحقيق حول النزاهة المالية لعدد من كبار المسؤولين الأردنيين، كان يسعى هذا الصحافي للحصول على معلومات حول ملكية شركات خارج الأردن.الشوابكة تعاون  مع مركز الصحافة الاستقصائية في العاصمة البوسنية سراييفو، ليكشف  أن مجموعة “موارد” لديها شركة مسجلة في لوكسمبورغ، أحد الملاذات الضريبية في أوروبا، وأن هذه الشركة لديها فروع في جزر العذراء، دبي والمغرب.

الشوابكة الصحافي الاستقصائي في راديو البلد، إذاعة مجتمعية أردنية، كان تلقى تدريبا في شبكة أريج –  إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية. ويعمل الآن على تحقيق حول نزاهة المسؤولين الأردنيين، أثار قلقا واهتماما حتى قبل نشر أي كلمة منه.

فعندما تخلف رئيس لجنة الشؤون القانونية في البرلمان الأردني عن حضور مقابلة حول ما كشفه الشوابكة من معلومات عن “موارد”، قام الأخير بتصوير مكتبه فارغا ليفهم العاملون فيه بأن هذا ما ستظهر عليه إجابة النائب في التحقيق الاستقصائي. وبعد دقائق من عودة مصعب الشوابكة إلى المكتب، اتصل به النائب معتذرا، ووافق على الظهور في مقابلة مسجلة.

لم تأت هذه الشجاعة بسهولة. فالاستقصاء يعد  فنا صحفيا حديثا نسبيا في العالم العربي. كان لي شخصيا شرف العمل في زراعة بذور هذه الأداة المهمة في العمل الصحافي، بمساعدة “مركز دعم  الإعلامي الدولي” IMS)) في الدنمارك. ورغم وجود قوانين لضمان حق الحصول على المعلومات في الأردن، ومؤخرا في اليمن وتونس، إلا أن هذه النصوص القانونية لا تدعم عمل الصحافيين، ليجد هؤلاء أنفسهم مجبرين على تنفيذ تحقيقاتهم بطرق غير محبذة.

على سبيل المثال، حين كان مصعب الشوابكة يحقق في الانتهاكات المتزايدة بقطاع السياحة العلاجية في الأردن، اضطر لتقمص شخصية سائق سيارة أجرة  وزيارة عيادات محلية بكاميرا خفية، عارضا على أطبائها توصيل مرضى لهم. وكشف كم من المال يمكنه أن يجني لقاء عمولات من أولئك الأطباء (الذي يخالفون بعملهم هذا قوانين نقابة الأطباء في المملكة).

ولدى نشر تحقيقه ذاك، دعي الشوابكة إلى برنامج حواري على قناة محلية، وتعرض لهجوم حاد من رئيسي المجلس الطبي الأردني  وجمعية حماية المستهلك (وهو طبيب)، بذريعة أن تحقيقه “يضر بالسياحة العلاجية في البلاد”.

قبل عام من تحقيق مصعب، كانت زميلته حنان خندقجي هي الاخرى قد قد صدمت الأردنيين بكشفها عن انتهاكات في دور إيواء الأطفال المعاقين. التحقيق، الذي بثته قناة بي بي سي العربية، أغضب الملك الأردني عبدالله الثاني، الذي أمر بالإغلاق الفوري للمراكز المتورطة وبفتح تحقيق رسمي شامل لكشف الحقيقة.

تحقيقات أخرى أجرتها وحدة الصحافة الاستقصائية براديو البلد كشفت عن غش في امتحانات الثانوية العامة، بيع رسائل ماجستير ودكتوراه جاهزة، إهدار أموال المانحين الدوليين للأردن واستعمال مواد محظورة وبودرة الحليب في تصنيع منتجات الألبان في مخالفة للمواصفات الأردنية.

المؤتمرات السنوية التي تنظمها شبكة أريج وفرت للصحافيين الأدوات اللازمة للاستقصاء، كما ساعدتهم في التعرف على زملاء من دول مختلفة لتنفيذ تحقيقات عابرة للحدود. المؤتمر الأخير في العاصمة المصرية القاهرة في 2012  هو من أتاح فرصة  اللقاء بين صحافيين مثل مصعب الشوابكة مع البوسنية ميراندا باتروسك التي  ساعدت الشوابكة في  تتبع بعض الأثرياء الأردنيين الذين يلجؤون لتهريب أموالهم إلى ملاذات ضريبية خارج بلدهم ليتهربوا من الضريبة. يساعد عمل هذا المركز البوسني الصحفين من أنحاء العالم على حصر دائرة المتهربين من الضرائب الذين يفتحون حسابات بنكية في الخارج.

في العالم اليوم، تنتشر مجموعة من المنظمات الاستقصائية الإقليمية، التي باتت أداة مهمة في كشف محاولات السياسيين الفاسدين التهرب من المحاسبة عبر شراء عقارات خارج بلدانهم أو نقل أموال إلى ما يعتقدون أنها ملاذات ضريبية آمنة.

*كاتب المقال هو مؤسس ومدير شبكة الإعلام المجتمعي في الأردن، ورئيس مجلس إدارة شبكة أريج – إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية. يمكن الاطلاع على مدونته على daoudkuttab.com.

أخبار ذات صله


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *