عام على زيارة الملك لمراكز المعاقين .. الانتهاكات مستمرة!

2013/04/12
التاريخ : 12/04/2013

عمان نت – حنان خندقجي

لم تكن أم زيد تمضي بطريقها نحو المطبخ، لإعداد وجبة عشاء لزوجها، حتى أوقفتها بعض مشاهد الضرب المبرح لأطفال معاقيين داخل مراكز خاصة تعرض على التلفاز.

للوهلة الأولى لم يتبادر لذهنها أن الولد الذي يضرب على الأرض “بالعصا” هو ابنها، فصور الأطفال مغطاة بشاشة سوداء، لكن صراخ ابنتها الكبرى وهي تقول “هذا زيد، هذا زيد”، كاد أن يوقف نبضات قلبها خوفا على ابنها.

لم يلاحظ هاني داود والد الطفل زيد “20″عاما، أن علامات الضرب المتفرقة على جسد ابنه أثناء زيارته له بالمركز سببها “عصا المشرفة”، يقول داود ” بعد مشاهدتي للفيلم الوثائقي عن الأطفال المعاقين داخل المراكز الخاصة، ورؤيتي لابني جالسا على الأرض يتعذب ويصرخ من آلام أقدامه قررت الذهاب إلى المركز للاطمئنان عليه.

عشر سنوات مضت على وجود زيد الذي يعاني من إعاقة شديدة، وعجز عن النطق، في مركز ابن خلدون، و كانت كاميراتنا قد رصدته قبل سنة أثناء عملنا داخل المركز بالتخفي، ملقى على الأرض ويصرخ من شدة آلام أقدامه، ومشرفة تقف عند رأسه وترغمه على ارتداء حذائه، وتعنفه بالقول والشتم والضرب “بالعصا”، إلى أن تدخلت متطوعتنا وقامت بمساعدته والكشف عن أقدامه لتجد أنها قد تعرضت للتعفن والالتهاب الشديد.

التقرير الطبي الذي حصل عليه داود من المركز الوطني للطب الشرعي يؤكد وجود “ضرب وارتضاض وانتفاخ بأقدام ابنه، وحاجته لعلاج مستمر لمدة شهركامل لعلاج التقرحات التي أصيب بها داخل المركز.

مراكز متخصصة بتعذيب المعاقين !

بعد مضي سنة كاملة على نشر تحقيق استقصائي لراديو البلد و موقع عمان حول” اعتداءات جسدية ولفظية بحق أشخاص من ذوي الإعاقة داخل دور رعاية خاصة، تدخل الملك بالتحقيق وأبدى استياءه من أوضاع المراكز، وطالب بتشكيل لجنة ملكية للكشف عن هذا التجاوزات، والتي خرجت بتوصيات لم تطبق لهذه اللحظة، بحسب عضو اللجنة الملكية راكان السعايدة.

السعايدة الذي اعتذر عن دعوة تكريمه من رئيس الوزراء الدكتور عبد الله نسور باعتباره عضوا في اللجنة، وذلك احتجاجا على عدم تطبيق التوصيات، أكد أن التكريم الحقيقي له يتمثل باستجابة الحكومة لتوصيات اللجنة التي عملت لأكثر من ستة أشهر ولم يطبق شي منها.

يقول السعايدة “لم يحط أعضاء اللجنة بأي إجراءات تمت على توصياتهم، من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، أو المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص ذوي الاعاقة، فانتهى عمل اللجنة بطريقة “غريبة”، ولم نلمس من مجمل المتابعة أي تغير حقيقي.

وكانت اللجنة قد أدانت أربع مؤسسات حكومية، وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الصحة، والمجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعاقين، والمركز الوطني لحقوق الانسان.

وأظهر التقرير ضعف الأطر التشريعية لعدم وجود نص صريح يحظر استخدام العنف أو سوء المعاملة، أو الإيذاء بحق الأطفال ذوي الإعاقة داخل المراكز، وضعف التشريعات المتعلقة بأحكام مراكز ونظام المراكز الخاصة.

القوانين صامدة، والأنظمة لم تعدل !

عدم إدخال تعديلات تنص صراحة على مسؤولية مقدم خدمة الرعاية للمعاقين مدنيا “المقصود التعويض المدني” في حالة إصابة أي من نزلاء دور المعاقين، أو تلقيه معاملة سيئة، ساهم في تفشي ظاهرة التعنيف داخل المراكز بحسب المحامي بسام الضمور.

الضمور الذي أكد في حديث له لـ”عمان نت” عدم وجد تعديل على قانون رعاية المعاقين ونظام ترخيص الدور لهذه اللحظة، مطالبا بوضع تعديلات جوهرية تهدف إلى وضع شروط إضافية على طالب الترخيص كوجود شهادة خبرة، أو تخطي امتحان تضعه الوزارة للمشرفين وعدم الاكتفاء بالشهادات العلمية.

قصة زيد مع التعذيب لم تتوقف، فبعد أن أخرجه والده من مركز ابن خلدون، أرسله لمركز الهلال للتربية الخاصة، وعاد له بعد شهر للاطمئنان عليه، فوجد طفله في حالة ضعف وبؤس، فقد تعرض “للضرب” من مشرفه وآثار كدمات واضحه على عينه اليسرى.

لم يصدق والد زيد رواية المشرف الذي تأسف له مرارا، مؤكدا أن طفله وقع عن الدرج أثناء نزوله، لوجود المصعد داخل المركز، فحمله وخرج به مسرعا لأحد المستشفيات القريبة وللحصول على تقرير طبي يثبت حالة ابنه.

التقرير الطبي القضائي الذي حصلنا على نسخة منه والموقع بتاريخ “12-11-2012، أكد تعرض زيد للضرب فوجود “ازرقاق” حول العين اليسرى ناتج عن وجود نزيف تحت الجلد”، وانتفاخ في الجفنين العلوي والسفلي في العين اليسرى.

وعود الوزير لا تكفي !

لم يؤمن رئيس شبكة “المهنيون الأردنيون للوقاية من العنف ضد الأطفال” الدكتور هاني جهشان، بوعود الوزير له بإيقاف الانتهاكات بحق الأطفال المعاقين داخل المراكز، فما كان منه إلا الاعتذار عن حضور اجتماعات الفريق الوطني للرقابة والتفتيش على دور الرعاية الاجتماعية.

الفريق الذي أطلق عقب نشر التحقيق بأشهر، جاء ليكون أول فريق مستقل لتقييم أوضاع مؤسسات الرعاية وضمان تفعيل آليات الحماية للمتنفعين من المؤسسات، ويضم الفريق 35 متطوعا من العاملين وأصحاب الخبرة في مجالات مهنية لها صلة بالعمل الاجتماعي.

يقول الدكتور جهشان “على الرغم من وجود بعض الأشخاص المميزين بالفريق، إلا أنه يفقتد لرؤيا واضحة، ويخلو من المرجعية القانونية والإدارية، ولن يكون له إنجاز يذكر دون وجود أي إرادة إدارية “سياسية” من قبل الوزير، فالوعود لا تكفي .

قصص لانتهاكات اخرى !

بعد مضي شهرين على سفر أحمد القاري وعودته لعمله في السعودية، تلقى اتصالا من أحد الأشخاص من داخل المدرسة العربية للتربية الخاصة بمنطقة البنيات، يفيد بتعرض ابنه عمر للضرب والتوبيخ من قبل إحدى المشرفات داخل المركز.

وما كان من والد عمر سوى أن رفع سماعة الهاتف واتصل بإدارة المركز للاستفسار عن حالة ابنه، ليجد أن المسؤول بالمركز قد بدأ بالصراخ عليه قائلا “مش عاجبك تعا خذ ابنك من المركز، بنجيب ألف واحد بداله”.

يعاني عمر 11 عاما، من مرض التوحد وقد بدأت رحلة تنقله داخل المراكز منذ ست سنوات، وبعد معاملته بقسوة وضربه من قبل المشرفين داخل ثلاثة مراكز إيواء في عمان.

يقول القاري “عاش طفلي بين أربعة مراكز خاصة، في كل مرة أزوره بالأردن، أجد وضعه أسوأ من قبل، ففي إحدى الزيارات وجدت آثار “أظافر المشرفة” على عنق طفلي وقمت بتصويره على الفور، ونقله من المركز إلى مركز آخر.

يحمل والد عمر مسؤولية ما يحدث لطفله للجهات الرقابية، والمراقبين بالملحقية الثقافية في السفارة السعودية لتقصيرهم في الاهتمام بشؤون الأطفال السعوديين في الأردن .

ادعاء وزارة التنمية الاجتماعية بالاصلاح غير وارد، بل انها قامت ببناء إضافي لزيادة ارتفاع جدران الصمت” فالعنف ما زال موجود والتعتيم والقمع أكبر لمنع تسرب أي أخبار”، بحسب ما أوضحه لنا الدكتورهاني جهشان .

تأملنا خيرا بتدخل الملك بالتحقيق وزيارته سريعا للمراكز الخاصة، وتوقعنا أن تتوقف الانتهاكات بشكل كامل داخلها، ولكن ما وثقناه “بالصور والتقارير” من انتهاكات بحق ذوي الإعاقة يعيدنا من جديد إلى نقطة الصفر، ويدق الجرس أمام الجهات الرقابية بأن تعيد التقييم بآلية الرقابة على هذه المراكز من جديد.

أخبار ذات صله