إطلاق أول مساق جامعي في صحافة الاستقصاء مطلع العام المقبل .. إعلاميون يعتبرون القصة الجيدة مصدراً لزيادة مبيعات المؤسسات الصحفية

2013/12/17
التاريخ : 17/12/2013

عمان- الوحدة/ عبده حسين:

في تظاهرة  معلوماتية واستقصائية غير مسبوقة حفتها أجواء هادئة وممطرة شهدت العاصمة الاردنية عمان إقامة مؤتمر أريج السنوي السادس للصحافة الاستقصائية الذي استمر ثلاثة ايام .

 ما يقارب 350 إعلامي عربي شاركوا في المؤتمر الذي اختتم أعماله مساء الاحد الماضي ،الى جانب 30 خبيرا أجنبيا في حقل الاستقصاء، وتعقب أصول الأموال عبر الحدود، وأمن وسلامة  الصحافيين في مناطق النزاع وتطبيقات الحاسوب والهواتف الذكية أكدوا على أن الإعلام العربي ما يزال بعيدا عن لعب الدور المناط  به  في مراقبة أداء السلطات، وانتقدوا حالة الاستقطاب والتحشيد باعتبارها تشكّل واجهات لتحالف السلطة والمال.

المتحدثون من مصر، اليمن، تونس، الأردن والبحرين في جلسة “واقع الإعلام العربي في طور التغيير” رثوا  حال الصحافة في المنطقة، وانتقدوا وقوعها ضحية لاستقطابات حادة بين أطراف النزاع في مختلف الدول العربية منذ اندلاع الثورات مطلع 2011.

الزميل خالد الهروجي، نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة للشؤون المالية والموارد البشرية مشرف أريج الرئيسي في اليمن قال في مداخلته أن السلطات السابقة عادت إلى المشهد عبر بوابات إعلام وقع ضحية الاستقطابات السياسية المتصاعدة في العالم العربي.

 وأشار الى أن معظم من رحل عن الحكم عاد ليشتغل في الإعلام، فأكبر منظومة إعلامية في اليمن اليوم يمتلكها النظام السابق”.

ورأى أن أي تطور في عمل بعض الصحافيين جاء نتيجة لجهود فردية وليس في إطار مناخ شامل، وبالتالي، فإن شعار مؤتمر أريج” دور الإعلاميين العرب في المرحلة الانتقالية”.. من حليف للسلطة إلى رقيب عليها ما يزال بعيداً عن اليمن.

 لكن رنا الصباغ المديرة التنفيذية لشبكة أريج حثت المشاركين في افتتاح  المؤتمر ،على تقديم أي اقتراحات وآراء لتحسين أداء الشبكة العاملة في تسع دول عربية وتعظيم المنفعة الناجمة عن مؤتمرات الشبكة السنوية.

وأعربت عن أسفها لغياب يحيى غانم أحد مشرفي أريج في مصر ، المقيم منذ ستة أشهر في واشنطن بعد أن صدر بحقه حكم بالحبس عامين في قضية ما يعرف بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني في بلاده.

ومع ذلك الغياب الا  أن يحيى أدلى بدلوه في مداولات المؤتمر من خلال مداخلة عبر السكايب قائلا :”هناك كابوس نعيشه جميعا يتمثل في أداء الإعلام الذي تحول إلى سلاح قاتل بدلا من  أن يعمل لأجل حماية البشر، خصوصا في ظل افتقار الصحافة العربية لعناصر الاستقلال التي تمكنها من القيام بدورها بالمحاسبة والرقابة”.

فيما  انتقد يسري فودة – عضو مجلس إدارة “أريج” انزلاق صحافيين نحو درك من “التطوعية” بيد السلطة للتحشيد وإقصاء الآخر.

 ووفقا لرئيس تحرير صحيفة “الاقتصادي” السورية وأحد مشرفي “أريج” حمود المحمود فقد  أكد على أن الحقيقة أمست هي الضحية والقتيلة لأن الإعلام أصبح بيد ناس يفتقرون إلى المصداقية.

 وانتقد “اعتماد وسائل الإعلام المتزايد على الصحفيين المواطنين دونما الحرص على التحقق من ما يقدمونه من معلومات؛ ما دفع الناس الى التوجه نحو الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات”.

 و ترى الدكتورة حميدة البور، رئيسة قسم الصحافة بمعهد علوم الصحافة و الأخبار بجامعة منوبة بتونس أن الإعلام الرسمي ما يزال يتخبط في ظل التعبئة السياسية للحاكم…نرى ونشاهد قنوات تنضم إلى الدعاية للحكام، ورغم ارتفاع سقف الحريات وسن قوانين جديدة بعد سقوط نظام بن علي، فإن هناك صحافيين ما برحوا يحاكموا وفق “المجلة الجزائية” ما يحد من قدرتهم على أداء دورهم بفعالية.

 أما الصحفي التركي يافوس بيدر فقد أكد أن التحالف غير المقدس بين السلطة والمال في بلاده ركع الصحافة على ركبتيها، وجعلها عاجزة عن مراقبة أدوات الحكم وكشف ملفات الفساد”.

 بيدر، الذي كان يعمل ضابط جودة وإنصاف “Ombuds man     ” في صحيفة “صباح” التركية التي أقيل منها على خلفية مقال له في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية انتقد فيه واقع الصحافة في بلاده، فاجأ الحضور لدى تأكيده أن ملكية معظم وسائل الإعلام التركية تعود إلى مجموعات استثمارية ضخمة متداخلة مع السلطة الحاكمة ممثلة بحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية. تبث هذه الصحف وفق بيدر “دعاية ممنهجة وتسعى للاستحواذ على قطاع الإعلان الذي يقدر ب4.5 مليار دولار سنويا”.

في جلسة الطرق المثلى لانتزاع المعلومات في المقابلات الصحفية اشتكى محاور البي بي سي المخضرم تيم سيباستيان من “قلة الصحافيين الساعين فعلا إلى مساءلة ومحاسبة المسؤولين وصناع القرار عند إجراء المقابلات الصحافية”.

 واضاف :”للأسف، محاسبة ومساءلة من هم في السلطة أمر نادر الحدوث في الإعلام اليوم”

 واعتبر أن “الحقائق والتحضير المسبق هي ذخيرة الصحافي في جمع المعلومة من المسؤولين”.

 وفي ذات الجلسة استعرض جوليان شير، كبير منتجي برنامج “السلطة الخامسة” الاستقصائي في كندا، عددا من النصائح في إنتاج التحقيقات الصحفية. “كل قصة استقصائية ينبغي أن تحتوي على أربعة عناصر: السياق، الشخصيات، الصراع والخاتمة،وإذا لم تتوفر لدينا تلك العناصر فليس لدينا قصة استقصائية”.

 وثار جدال بين المتداخلين خلال جلسة (العمل الصحفي متخفيا) بين من يؤيده بشروط ومن يعتبره “مخالفا لمواثيق الشرف الصحفية”.

 وأشار المشاركون في الورشة بإدارة مارك بيركنز، محرر برنامج بي بي سي الوثائقي – إلى انطواء التخفي على محاذير عديدة قد يؤدي بعضها لتعريض حياة الصحفي للخطر. كما حذروا من “اضطرار الصحفي المتخفي الى التحايل على القانون او خرق بعض مواد ميثاق الشرف الصحفي لإنجاح مهمته”. في المقابل دافع آخرون عن اللجوء لهذا الأسلوب خصوصا في ظل صعوبة الحصول على المعلومات وفي حال كان الهدف كشف شبكات تهريب إجرامية يصعب اختراقها بغير التخفي.

 وفي موضوع ضبط الجودة تحدث الصحفي السويدي نيلز هانز، عضو مجلس إدارة أريج، عن ضرورة وجود محرر يعرف ب”محامي الشيطان” في كل وحدة تحقيقات استقصائية، تتركز وظيفته في تفنيد الحقائق التي يجمعها الصحفي سطرا بسطر، والظهور بمظهر من يدافع عن المذنب لحث الصحفي على تجويد التوثيق قبل نشر/بث القصة.

 المتحدثان مارك هنتر، عضو مجلس ادارة اريج وأحد مؤلفي دليلها الإرشادي “على درب الحقيقة”، وأيمن صلاح المختص في مجال الإعلام الرقمي وتطبيقات الهواتف الخلوية، ركزا في جلسة حول التحقيقات الاستقصائية كنموذج استثمار على أهمية التوثيق عالي المستوى للحقائق في أي قصة استقصائية. فالقصة الجيدة ” تعد مصدرا لزيادة مبيعات وأرباح المؤسسات الصحفية”.

 اما جلسة وضع قوانين حق الحصول على المعلومات في بعض البلدان العربية فقد أجمع صحفيون ومشرعون عرب على افتقار تلك القوانين، المقرة في ثلاث دول عربية هي اليمن والاردن وتونس، للأدوات الكفيلة بتفعيلها خصوصا في ظل مزاحمة تشريعات أخرى لها تعرقل تطبيقها لا سيما قوانين سرية وثائق الدولة.

 وتحدث في الجلسة كل من محمد قطيشات الخبير القانوني الأردني في قضايا النشر ، وعبد الرزاق الهجري عضو مجلس النواب و نجيبة الحموري نقيبة الصحافيين التونسيين ، وأدارها النائب في البرلمان الأردني خالد البكار. وخلص المتداخلون الى ان قانون حق الحصول على المعلومة “مجرد من أنيابه” بفعل تشريعات أخرى مثل قوانين سرية المعلومات، ما يبقيه حبرا على ورق ويحد من دوره في تسهيل الحصول على البيانات والمعلومات الضرورية للتحقيقات الصحفية.

 وعدّ المشاركون اشتراط “المصلحة” كمبرر للحصول على المعلومة كالدوران في دائرة مفرغة من الحجب، إذ لا توجد أي محددات وضوابط تفرز المعلومة “المحجوبة” من غيرها حتى في الدول العربية.

 وبمشاركة 40 أكاديمياً شهد المؤتمر إطلاق أول دليل أكاديمي تفاعلي عربي لتدريس مساق الاستقصاء في كليات الإعلام العربية في إطار ثلاث ساعات فصلية معتمدة ضمن برنامج بكالوريوس الإعلام والاتصال.

 وضمن حلقات عرض التحقيقات على مدى ايام المؤتمر الثلاث، قدم أريجيون لمشاريعهم الاستقصائية التي أنجزوها على امتداد العام الماضي والتي كشفت تجاوزات خطيرة ،وشارك في المؤتمر لأول مرة إعلاميون من الجزائر وليبيا .

 واستعرض صحافيون مخضرمون من بريطانيا وكندا أدوات ومهارات بناء التحقيقات الاستقصائية المتلفزة، أساليب صناعتها والتحديات التي تواجهها. فيما عرض توم جيلز، محرر برنامج “بانوراما” في بي بي سي، تحقيقا أعدته القناة حول انتهاكات بحق معوقين في أحد مراكز الرعاية ببريطانيا، احتاج فيها الصحافي للتقدم للعمل في المركز مسلحا بثلاث كاميرات مخفية مركبة على جسده.

 وقد شكل هذا المؤتمر فرصة لالتقاء الإعلاميين وتدارسهم للقضايا التي تعنى بالشأن الإعلامي في ظل التطورات السياسية الحاصلة في المنطقة ورياح الربيع العربي.

 يشار إلى أن أريج دربت منذ نشأتها عام 2006 قرابة 1000 صحفي  ميداني وأهلت 30 مشرفا ومدربا، و100 من أساتذة الإعلام في جامعات عربية. كما أشرفت على إنجاز أكثر من 200 تحقيق استقصائي في مختلف وسائل الإعلام. وساهمت في تأسيس وحدات استقصاء في عدة وسائط إعلام في الأردن، فلسطين، مصر، لبنان واليمن. وشجّعت معهد الصحافة وعلوم الأخبار-جامعة منوبة بتـــونس على اعتماد أول مساق ماجستير في صـحافة الاســتقصاء في العالم العربي..

أخبار ذات صله