"أريج" تفتح باب الإستقصاء أمام الصحفيين في تونس

2011/05/9
التاريخ : 09/05/2011

ونس – طارق القيزاني شيء جديد يقبل عليه الصحافيون التونسيون هذه الأيام، فالولع المتزايد بـ”الصحافة الاستقصائية” في فترة ما بعد الثورة دفع الكثيرين منهم الى تعلم القواعد العلمية لمثل هذا النوع من الصحافة غير المألوف في المشهد الإعلامي التونسي من قبل. وعلى مدارعدة أيام فتحت شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية “أريج” والممولة من البرلمان الدنماركي ورشات لتدريب الصحافيين التونسيين لتعلم القواعد العلمية لصحافة الإستقصاء، وهي احدى التقنيات التي تعرف انتشارا مهما في الصحافة الغربية وكانت سببا مباشرا على سبيل المثال للإطاحة بالرئيس الأمريكي الأسبق ريشارد نيكسون من كرسي الرئاسة في العام 1974 بعد الكشف عن فضيحة “واتر غيت”. وقالت رنا الصباغ الصحافية الأردنية والمديرة التنفيذية لشبكة “أريج” إن الشبكة تولي اهتماما كبيرا لتركيز نشاطها في تونس، بعد الأردن ومصر وسوريا ولبنان، والعمل على تدريب الصحافيين على تقنيات الصحافة الإستقصائية. وأضافت الصباغ إن الثورة التونسية “فتحت المجال واسعا أمام الصحفيين لتفعيل دور السلطة الرابعة في المراقبة والمحاسبة بعد عقود من التغييب”. واعتبرت أن “أمام الزملاء التونسيين فرصة كبيرة لإدخال صحافة الاستقصاء على نسق منهجية أريج إلى غرف التحرير، بهدف كشف التجاوزات، سوء إدارة، فساد، وأحيانا عادات وتقاليد سلبية تمس حياة المجتمعات المحلية. وقدمت رنا برنامج تعاون طويل المدى مع صحفيين تونسيين مخضرمين ومحترفين يقوم على اشراكهم في دورات تدريبية مستمرة ليتولوا لاحقا تدريب الصحفيين الشبان على القيام بتحقيقات استقصائية. اضافة الى دورات تدريبية تشمل اختصاصات أخرى تهدف لتطوير مهارات الصحفيين مثل اللغات والعلوم القانونية والتحكم في الوسائط التكنولوجية وتوظيفها في العمل الصحفي. وتخطط أريج لعقد ورشات مماثلة في تونس حتى أواخر تموز/يونيو، لتنضم هذه الدولة الإفريقية بعد ذلك إلى أنشطة الشبكة ضمن استراتيجية شمولية للفترة 2011-2014. وتقوم شبكة “أريج” أيضا بتمويل ونشر التحقيقات الاستقصائية النوعية والمهمة التي يبادر الى القيام بها الصحفيون الذين تلقوا تدريبا تحت إشرافها. وإلى جانب رنا الصباغ يشرف على تدريب الصحفيين بـ”أريج”، كبير المدربين في الشبكة، الدكتور مارك هنتر استاذ الإعلام والصحافة الاستقصائية في كل من جامعة باريس2 وانسياد ومؤلف عدة كتب استقصائية منها كتاب عن اليمين السياسي في فرنسا. بالإضافة الى بيا ثوردسن عضو مجلس إدارة الشبكة وعضو مجلس ادارة الصحافيين الاستقصائيين في الدنمارك. وتختلف الصحافة الاستقصائية عن التغطية الإخبارية التقليدية، رغم التداخل في بعض الأساليب، من حيث اعتمادها على القص والسرد والإنطلاق من الفرضية لتنتهي بالكشف عن حقائق في قضايا خطيرة تخص المجتمع. وبعد أكثر من عقدين من التضييق والرقابة الصارمة على الصحافة في تونس من قبل نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي تحاول وسائل الاعلام التونسية بعد الثورة إعادة تعريف نفسها وسط مناخ غير مسبوق من حرية التعبير وشغف واسع من الإعلاميين للنبش في قضايا الفساد والقمع الذي مورس على نطاق واسع في حكم بن علي. غير أن ذلك الشغف بصحافة الاستقصاء الجديدة على المشهد الاعلامي التونسي كثيرا ما يصطدم بعوائق منهجية وعلمية ما يجعل التحقيقات من هذا النوع تنتهي في الغالب بغير النتائج المأمولة أو بحقائق غير مكتملة. ومؤخرا هز تسجيل نسب الى وزير الداخلية السابق في تونس فرحات الراجحي، نشر على موقع الفايسبوك، الرأي العام التونسي ودفع بالآلاف الى التظاهر في الشوارع ما سبب انفلاتا أمنيا خطيرا وعمليات تخريب وسلب واسعة. وتضمن التسجيل وهو عبارة عن حوار أجراه صحفي مع الراجحي اتهامات صريحة وجهها الأخير الى الحكومة المؤقتة والمؤسسة العسكرية وسياسيين آخرين حول وجود حكومة ظل تدير البلاد خلف الكواليس والتحضير لانقلاب عسكري في حال فوز حزب النهضة الاسلامي في الانتخابات المقبلة. بالنسبة للمتلقي فلم يكن من الممكن التثبت ما إذا كان الراجحي يستند في تصريحاته تلك والمعلومات الخطيرة التي ادلى بها في الحوار الى وقائع واثباتات موثقة أم انه كان يتحدث عن مجرد استنتاجات وتخمينات. واعتذر الراجحي لاحقا عن تلك التصريحات فيما قالت الحكومة إنه سيكون موضع تتبع من قبل القضاء. وتشير شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية “أريج” في مقدمة الدليل الذي نشرته “على درب الحقيقة” ووزعته على الصحافيين في ورشات التدريب الى “أن الهدف من الصجافة الاستقصائية الإحترافية ليس البحث عن النجومية او الثأر أو الابتزاز وإنما كشف المستور وتوثيق المشكلة على أمل لفت الانتباه الى الجهات المتسببة “بقصد او دون قصد” وتحقيق العدالة الشفافية والمساءلة، وهي بعض من أعمدة السلطة الرابعة”. غير ان الشبكة تنص كذلك في الدليل على أهمية الإلتزام بالقواعد الأكاديمية من أجل إعداد تحقيق استقصائي ناجح لا يقتصر فقط على مهمة البحث عن المعلومات والعثور عليها، وهوما درجت أغلب المراجع التدريبية التي انجزت في العالم العربي إلى التركيز عليه، وإنما التركيز على رواية قصة تتوافر فيها كل خطوات العملية الاستقصائية بدءا بالبحث عن المعلومات وتحديد المصادر والوثائق وكتابة القصة ومراقبة الجودة والإلمام بالمحاذير القانونية والأخلاقية.

أخبار ذات صله