مارك هانتر: لا تكتبوا لقصصكم الاستقصائية نهايات لأننا لا نعرف ماذا سيحصل

2010/01/20
التاريخ : 20/01/2010

عمّان – رنا نجار: “يجب أن نعرف عمّا نبحث تحديداً”، “اجعلوا المعلومات تقودكم الى القصة”، “الايقاع هو المؤشر الوحيد على نجاح القصة الاستقصائية. فالقصة يجب أن تبقى متحركة طيلة الوقت لكن يمكنكم ابطاءها أو تسريعها، بحسب التفاصيل”، “لا تكتبوا لقصصكم الاستقصائية نهايات لأننا لا نعرف ماذا سيحصل”، هذه بعض الملاحظات التي يُردّدها الدكتور والصحافي الاستقصائي مارك هانتر، في محاضراته حول التقنيات المتقدمة في الكتابة الصحافية. يعمل هانتر الذي يدرّس مادة التحقيق الاستقصائي في جامعتي “أنسياد” و”باريس الثانية”، منذ العام 1976 كصحافي محقّق “يعمل لمعرفة الحقيقة وليس لاستهلاك أو تسويق أو تلقي الحقائق”. لكنه كلّما كان يغوص في عالم التحقيق الاستقصائي ويتعرّف على محققين في أميركا (بلده الأم) أو في أوروبا وأخيراً في العالم العربي، “لم يكن سؤالي لماذا نفعل تحقيقاً لأن الجواب حتماً سيكون للتغيير والتطوير وكشف الحقيقة. بل السؤال الأهم كيف نفعل التحقيق؟”، كما يقول. ويفيد في حديثه الى موقع “الراي نيوز” التي التقته على هامش مؤتمر شبكة “أريج” الثاني للصحافة الاستقصائية في عمّان، أن “مشكلات الصحافيين في العالم تتشابه وتتقاطع في معظمها، هذا إن لم تكن نفسها”. وبعد العمل مع صحافيين طلاب ومتدربين ومتمرسين لسنوات، بدأ هانتر يتأكد أن ليس الحصول على المعلومات هو العائق لكتابة تحقيق استقصائي، بل غرق الصحافي بالمعلومات والقصص هو ما يعيقه عن كتابة تحقيقه بشكل جذاب وسهل. إذن التقط هانتر الذي ألف كتب استقصائية عدّة، طرف الخيط. وبدأ منذ كان يُحضّر لأطروحة الدكتورا في العام 1995 التي قارنت بين الأساليب الاستقصائية الأميركية والفرنسية، بالبحث عن السبل الأنجح لتنظيم كتابة التحقيق ووضع تصميم تسلسلي لذلك. وصار صاحب كتاب “اليمين السياسي في فرنسا”، يُسجّل ملاحظاته من خلال العمل مع زملائه وطلابه والصحافيين المتدربين على يديه كونه من أهم المحققين الذي عُرف اسمهم مع بداية انتشار التحقيق الاستقصائي في أميركا وفرنسا. وكان يبحث عن طريقة ما ليُدوّن هذه الملاحظات المتراكمة على مدى سنوات طويلة، في كتاب يكون بمثابة مرجع. فالتقى برنا صباغ المديرة التنفيذية لشبكة “أريج” وبيا ثوردسن عضو مجلس منظمة الصحافة الاستقصائية الدنماركية وعضو مجلس ادارة “أريج”، و”أظهرتا اهتماماً واضحاً بذلك، خصوصاً وأن هذا المجال مازال حديثاً في العالم العربي”. فوضعت الصحافيتان اللتان يسبقهما اسمهما ومهنيتهما، تصوّراً وحدّدتا فكرة إصدار دليل تدريبي حول العمل الصحافي الاستقصائي للعالم العربي. فتعاون هانتر مع صحافيين متخصصين في الصحافة الاستقصائية هم عدا صباغ وثوردسن، يسري فوده، نيلز هانسون، ولوك سنغرز، فلمنغ سغيث، يحيى شقير، ومحمد قطيشات. وأصدروا أول دليل مجاني للصحافة الاستقصائية في العالم العربي بعنوان “على درب الحقيقة”، وبدعم من منظمة “يونيسكو” في باريس، والذي أعلنوا عنه في المؤتمر المذكور أعلاه. التحقيق القائم على افتراض يوفّر هذا الدليل الذي صدر بالعربية والفرنسية والانكليزية، مرشداً لأساليب وتقنيات تتعلق بأساسيات الصحافة الاستقصائية التي لم تتكرس بعد كمفهوم وتقليد في الاعلام العربي بأشكاله كافة. ويتميّز هذا الدليل الذي قد يغني بنسبة 70 في المئة عن اجراء الدورة التدريبية حول كيفية تنفيذ تحقيق استقصائي، بالتركيز على منهجية “أسلوب التحقيق القائم على افتراض” للتأكيد أن أية قصة أو قضية تظل فرضية الى أن يتم إثباتها. ويسعى الدليل الى تذليل العقبات ليؤكد أن التحقيق الاستقصائي ليس أمراً معقداً وصعب المنال، كما أن ليس العثور على المعلومات هي المسألة الأساس. بل “إن التحقيق هو رواية قصة مكتملة تتعلق بقضية عامة تمس أكبر عدد من الناس من خلال تطوير فرضية قابلة للنفي أو للتأكيد من خلال جمع معلومات تتحوّل الى حقائق ساطعة”، كما يقول هانتر. ويُوضّح فريق العمل على الدليل أن “نحن في شبكة “أريج” لا نزعم أننا ابتدعنا أسلوب التحقيق القائم على افتراض. استُخدمت أساليب مشابهة بدءاً بأعمال تتعلق بتقديم الاستشارة التجارية وانتهاء بالعلوم الاجتماعية والعمل الشرطي. وما فعلناه ليس إلا العمل على تطبيقه في العمل الصحافي”. واستغرقت عملية إعداد هذا الدليل عملياً، أكثر من عامين وتطلبت تعاون جميع المحررين والمشرفين والصحافيين الذين تم تدريبهم على استخدام أسلوب عمل شبكة “أريج”. اقسام الدليل يُقسم الدليل الذي قدّم له يسري فوده، الى 12 فصلاً تبدأ بماهية الصحافة الاستقصائية ومقارنتها مع الصحافة التقليدية، واستخدام الفرضيات جوهر الاسلوب الاستقصائي. ثم ينتقل بنا الى الحصول على المعلومات وعبور الأبواب المفتوحة: خلفيات واستنتاجات، واستخدام المصادر البشرية، وكيفية تنظيم المعطيات للنجاح في الاستقصاء، وكتابة الاستقصاءات: نماذج عربية وعالمية، وتقنيات مراقبة الجودة قبل النشر، النشر. ثم يعرض لنا الدليل مقومات الثقافة القانونية للاعلاميين. ويتطرق الى أخلاق المهنة. ثم يعلّمنا من أين تأتي الأفكار. وينتهي بعرض نماذج عمل صحافيين شاركوا مع “أريج” بتحقيقات في سورية ولبنان والأردن. مشكلات الصحافيين لا تختلف من بلد الى آخر لا يرى هانتر فرقاً شاسعاً بين المشكلات التي يعانيها الصحافي الاستقصائي في العالم العربي وفي الغرب. “لكل بلد خصوصية وقوانين، لكن من الناحية العملانية تتشابه الأمور”، كما يفيد. وبالنسبة الى صعوبة الوصول الى المعلومات خصوصاً في بلادنا، ينصح هانتر بطرق الأبواب المفتوحة قبل المغلقة منها. ويوضح أن معظم الناس يعاني من وهم حيث يظنون أن أي شيء ليس سراً لا يستحق التعرف عليه، ويصرفون معظم وقتهم محاولين دفع الناس ليقولوا لهم أسراراً. ويؤكد هانتر انه على رغم محدودية المعلومات المتاحة للصحافي في العالم العربي، وعدم وجود نصوص قانونية (باستثناء الأردن) تسمح بحق الحصول على المعلومات من مصادر عامة وخاصة، فهناك معلومات علنية أكثر مما يستخدم الصحافيون بكثير. “فوضع اليد على معلومات علنية وكتابة قصص مستقاة منها كثيراً ما تكون مكسباً سهلاً، لأن منافسيك من الاعلاميين لا يقومون بذلك العمل، بل غالباً ما يكونون في مرحلة يرجون شخصاً أو مصدراً ما ليقول لهم سراً”. ويؤكد هانتر أن أية حقيقة مسجّلة في مكان ما، ومتاحة للجمهور، هي متاحة للصحافي ليأخذها، وقد يكون لها تبعات خطيرة لم يتوقعها أحد من قبل. وهنا ينصح بالبحث عن أنماط متعددة من المصادر والأساليب. ماذا عن اختيار قصة ليتم استقصاؤها؟ يجيب هانتر أنه كثيراً ما يجد الصحافيون المبتدئون صعوبة في العثور على قصة، لكن “المادة موجودة في كل مكان والمشكلة في رؤيتها”. ولاستشعار قصة تستدعي الاستقصاء، “يمكن مراقبة وسائل الاعلام، ومراقبة البيئة المحيطة بنا وما يتغيّر فيها، وبالاستماع الى شكاوى الناس”. القصّ القصّ ثم القصّ أما المشكلة الأكبر بحسب هانتر والتي تواجه غالبية الصحافيين هي كيفية كتابة الكم الهائل من المعلومات وقصص الناس وهمومهم في موضوع واحد. فبالنسبة إليه طريقة الكتابة أهم من المعلومات. “ما فائدة المعلومات إن لم أعرف كيف أستخدمها وأرتّبها بتسلسل زمني وأقدّمها للقارئ بطريقة سهلة وجذابة؟”، يتساءل. وهنا ينصح هانتر بالبدء “من حيث نحن الآن أي اللحظة الحاضرة، ونعود الى الوراء لنظهر كيف وصلنا الى هنا (ماضي القصة)، ونعيد القصة مرة أخرى الى المستقبل (لنسمح للقارئ أن يتشرب القصة)، ثم نقول الى أين ستذهب لاحقاً (احتمالات في المستقبل)”. ويشرح أن هذه البنية (حاضر، ماض، مستقبل)، تجيب عن 3 أسئلة مفتاحية ينتظر القارئ أو المشاهد أن يجيب الإعلامي عليها، وهي لم يجب أن أهتمّ بهذه القصة؟، كيف وقع هذا الحدث؟ هل سينتهي أبداً؟ وكيف؟. ويرى هانتر أن الصحافي يجب أن يضع نصب عينيه أن يكون تحقيقه مثيراً ولافتاً من الناحية الأدبية (ليستمتع القارئ) ومن الناحية المعلوماتية، ومن الناحية الانسانية بالدرجة الأولى. لذا يتحدّث عن التركيز على “إيقاع” القصة. بالنسبة لهانتر “القصة الجيدة مثل القطار”، مشيراً الى أنه قد يُبطئ أو يسرع لكنه لا يجب أن يتوقف. ويقول: “لا بد أن يشعر القارئ أنه ينتقل من مقطع الى آخر، وإذا لم يحصل ذلك، فالقصة غير فاعلة”. لذا يردّد دائماً “القصّ القصّ ثم القص”، أي على الصحافي أن يروي ويسرد ما لديه من حقائق على شكل قصة حتى يُسهّل عليه وعلى القارئ. وعلى عكس ما تعلّمنا في كليات الصحافة، لا يمانع هانتر بإبداء الصحافي برأيه وملاحظاته ونصائحه في نهاية التحقيق الاستقصائي، “فهو من يقرّر كيف يختم قصته شرط أن يخدم ذلك التحقيق بشكل موضوعي”. ويُشدّد على عدم كتابة نهايات في الاستقصاء، “لأننا لا نعرف ماذا سيحصل في المستقبل”. وحول نوعية التحقيقات في العلم العربي وما إذا يراها تتوافق مع المعايير الدولية للاستقصاء، أشاد هانتر بعدد كبير مما تُرجم له منها واستطاع قراءته. وأعرب عن تفاؤله بمستقبل زاهر للصحافة الاستقصائية في المنطقة، خصوصاً بعدما التقى عشرات الصحافيين في المؤتمر وأخبروه عن مدى شغفهم بهذا المجال تحديداً وعن جعبة الأفكار والملاحظات التي يحملونها لتطوير الصحافة الاستقصائية. وختم قائلاً إن التحقيق الاستقصائي ليس أمراً مستحيلاً أو حلماً كما يُخيّل للبعض، ولكنه عملاً يحتاج الى تنظيم وترتيب كأي مهنة أخرى بحاجة الى الإرادة والثقة بالنفس والعمل. وأخيراً قال: الصحافي الذي يريد بناء تخصّص يجيب أن يعرف ماذا يعرف هو وماذا يريد”. http://www.alraynews.com/News.aspx?id=257809

أخبار ذات صله