حلمي الأسمر – جريدة الدستور – الظاهرة عالمية بامتياز، ولكننا في الأردن لنا نصيب منها طبعا ، قالت لي أنها قرأت إعلانا عن طلب سكرتيرة «حسنة المظهر» وكالعادة الشرط الأكثر ورودا هنا هو أن تكون حسنة المظهر، بعض الإعلانات تضيف أن الخبرة غير ضرورية، والراتب بعد المعاينة ! أقصد بعد المقابلة،.
ذهبتْ إلى الشركة التي طلبت سكرتيرة، وتمت المقابلة على خير، ما أن بدأ العمل وفي الساعة الأولى منه ، حتى قال المدير: سأعطيك راتبا مقداره مائتا دينار في البداية ، لكن «إذا فَهِمْتِ عليّ» سيتضاعف الراتب إلى أربعمائة دينار ، في البداية لم «تفهم» السكرتيرة على وجه التحديد ما المقصود بعبارة «إذا فهمت عليّ» ولكن سرعان ما اتضح الأمر، حين طلب المدير من سكرتيرته أن تجلس بجانبه، وعلى سبيل جس النبض اقترب منها ولامس جسدها لاختبار رد الفعل، جفلت البنت، فاعتذر لها باعتبار أن الحركة كانت غير مقصودة، كرر التجربة وتكرر رد الفعل ، الراتب سيكون إذن مائتي دينار لأن البنت «لم تفهم على مديرها» بل إنها لم تشأ أن تبقى مع مدير كهذا، كما قالت لي، والتجربة تتكرر كما تؤكد، ولا يكاد يُستثنى من هذا السلوك المشين إلا من رحم ربي، وقليل ما هم..
للحقيقة ، تقول البنت أن قطاع السكرتيرات مدان أحيانا أيضا، فكثيرا ما يعمد بعضهن إلى استثمار الوظيفة لتحسين الراتب والمكانة على حساب «كل شيء» بل إن هذا البعض هو الذي يبادر بالتحرش بالمدير، إن كان متعففا، ومرة ع مرة، كما تقول، يسقط الرجل في وحل الغواية، ويبدأ الابتزاز..
واقع الحال يؤكد ان المرأة في كل مكان معرضة للتحرش الجنسي من قبل الرجل، خصوصا في مواقع العمل التي تضم الأعمال والوظائف المختلطة، فالموظفة والسكرتيرة والعاملة والمديرة والمسؤولة وعاملة النظافة.. جميعهن سيان في التعرض للتحرش الجنسي، وجميعهن مهما كبر أو صغر حجم هذا التحرش يملكن حق رفع قضية ضد الجاني بتهمة الفسق والفجور. لكن النساء عادة ما يضربن صفحا عن ملاحقة الجناة ، طلبا للستر وهربا من الفضيحة ، كما يقلن ، وما قصة تحرش بعض أساتذة الجامعات بطالباتهم إلا المثل الحي على ما نقول، فقد أطلق المدعي العام الأول في عمان الدكتور حسن العبداللات صرخة مدوية بعد نشر مقال لي حول هذا الموضوع، وفتح ملف قضية باسم الحق العام منتظرا أن تأتي طالبة أو ولي أمرها لتقديم شكوى، ولكن لا حياة لمن تنادي، فلم يتقدم أحد وساد صمت مطبق، كأن الجاني مجرد شبح لا يمكن اصطياده.
كيف نمنع هذا الفعل المشين؟ الجواب بسيط: لا خلوة بين رجل وامرأة لا يحلان لبعضهما البعض إلا بثالث لا يكون الشيطان طبعا ، تسأل البنت التي بدأنا بها: كيف بربك افترض حسن النية تجاه مدير يتعمد أن يغلق باب مكتبه بالمفتاح من الداخل ويبقى الساعات الطوال هو وسكرتيرته خلف الباب المغلق ، بحجة أنه يريد أن يأخذ قسطا من الراحة؟ هل يوجد مقدار ذرة من إيمان في قلب هذا المدير الذي قد يدعي التقوى وقد يتمسح بالمتقين والأنقياء الغافلين عن نواياه الشيطانية ، طلبا لتنظيف صورته القذرة؟ ألا يعد فضح هذا السلوك تقربا إلى الله تعالى، وفي ميزان حسنات الفاعل؟.
عمر هذه التجربة التي أعدت روايتها بدون زيادة او نقصان، يعود إلى 29 أكتوبر/تشرين الأول، 2010 ويبدو ان الزميلين هبة أبو طه ومصعب الشوابكة، من راديو البلد، أخذا القضية على محمل الجد، وهي تستحق ذلك، فأنتجا تحقيقا ميدانيا استقصائيا يستحق الإشادة والمديح، فهو على جانب كبير من الاحتراف، ويبدو ان إشراف مركز «اريج» على مثل هذه التحقيقات يسهم في إنتاج عمل مهني متميز، ولا عزاء للسكرتيرات!