إعداد: ربى عنبتاوي وناديا الشياب
شارك 16 صحفياً من مصر، الأردن، فلسطين، تونس والبحرين، في ورشة لتقصي الانتهاكات البيئية، نظمتها شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) الاسبوع الماضي في العاصمة الأردنية عمان، بإشراف الصحفي الأمريكي مارك شابيرو الحائز على جوائز دولية عديدة ومؤلف عدة كتب مختصة بالشأن البيئي.
كما شاركه التدريب المهندس بشار زيتون وهو متخصص في علوم البيئة والتنمية المستدامة.
ركزت الورشة ومدتها 5 أيام على تنمية مهارات الصحفيين لإنتاج تحقيقات استقصائية تختص بالمشاكل البيئية والآثار الناجمة عن الأنشطة التجارية والصناعية ضمن خمسة محاور: “مصانع الأسمنت ومشاريع استخراج النفط والغاز والتكسير الهيدروليكي، إضافة إلى تحديات التعامل مع ملفات الأغذية المعدلة وراثيًا والتغير المناخي”. وتطرقت الورشة إلى المبادئ الأساسية والمشهد المتغير للصحافة البيئية حول العالم، إضافة إلى كيفية البحث كصحفيين عن أفكار لتحقيقات بيئية جيدة من خلال الاعتماد على الأدبيات العلمية لاكتشاف مكمن التحديات. هدفت الورشة إلى تسليح الصحفيين الاستقصائيين بمهارات جديدة للتعمق في كشف قضايا بيئية تؤثر على المجتمعات المحلية وكذلك تحفيز الاريجيين على انجاز تحقيقات عابرة للحدود.
وقد لخّصت الزميلتان ربى وناديا للزملاء الأريجيين بعض الفوائد من تجربة شابيرو نعرضها فيما يأتي:
بداية انطلاقتي (مارك) في عالم التحقيقات البيئية كانت بعد تتبعي لسياسة أمريكية غير عادلة في مسألة التعاطي مع بعض المبيدات والكيماويات والمواد المحظورة في الولايات المتحدة لصدور قوانين بمنع تداولها، لكنها في ذات الوقت تصدّرها لدول نامية لم تحظرها حكومات بلدانها. الأمر الذي “قلب السحر على الساحر” حيث تعود تلك السموم إلى الولايات المتحدة عبر استيراد خضراوات من الدول النامية تحوي الكيماويات التي تصنعها أمريكا. هذا الموضوع دفع شابيرو إلى إعداد تحقيقه البيئي الاستقصائي الأول،والذي اسماه “دائرة السم”، لفضح القرارات الخاطئة التي تصدر عن السلطات الأمريكية.
التخصص في البحث الاستقصائي البيئي هو الهدف:على الصحفي ألا يتشعب في قضايا كثيرة في ذات التحقيق، بل حصر موضوعه في قضية بحد ذاتها تبنى عليها الفرضية والمنهجية.
في البيئة هناك أمور ليس لنا سلطة عليها وهي ما تعرف “باليد الإلهية”، وهي لا تقلقنا لأنها ليست أخطر من ممارسات الإنسان ضد البيئة. أعتقد أن هذه الفترة التي نعيشها هي مرحلة دائمة التغيير وهي الأنسب لتقصي الانتهاكات البيئية. لنبدأ من الجوانب المحلية التي تحيط بنا لأنها تعد جزءاً من قضايا عالمية.
على الصحفي أن يلّم ويتابع ثلاثة أمور في المجال البيئي: أولاً: التطور البيئي والعلمي (ما هي التهديدات على صحتنا وعلى النظام البيئي؟). ثانياً: متابعة التحرك على المستوى العالمي عبر الجمعيات ذات العلاقة وأيضا عبر الاستفادة من المؤتمرات العالمية. ثالثاً: متابعة تطورات النظام الدولي والمنظمات العالمية والحصول على المعلومات منها.
يسر الوصول إلى المعلومات بأقل من ثانية، فالاطلاع على كل المستجدات والأبحاث والتقارير متاح من خلال الشبكة العنكبوتية. الصحفي اليوم في نعمة كبيرة لم تتوفر للصحفيين القدامى، والذين كان يستغرق منهم الحصول على ملفات ووثائق مختلفة أسابيعَ وأشهر.
قضايا المبيدات الكيماوية وتحذيرات منظمة الصحة العالمية ضدها يجب أن تُأخذ بعين الاعتبار من قبل الصحافة الاستقصائية، يجب دائما الشك بمنتجات الشركات الكبرى لأنها ذات صفة تنافسية.
في العلم لا حقائق مطلقة، فهناك عدم تيقن دائم، وهذا ما تثبته الأبحاث العالمية، فبعد التعامل مع سلعة بأنها غير مضرة ويتم تداولها لسنوات يتم الاكتشاف لاحقاً أنها خطرة ومسرطنة.
أفعال الإنسان تسبب تدمير 200 صنف طبيعي سنوياً من نبات وحيوان، وعلينا أن ندرك أن متابعة القضايا البيئية مهم لأنها تقود إلى مشاكل اقتصادية وسياسية.
الاهتمام بعلم البيئة مهم لأنه يتطور وينمو وهو مصدر بحث جيد، كما أن السياق العلمي الذي تجري فيه التغيرات المناخية والبيئية مدخل مهم للإلمام بكافة الجوانب.
الصحفيون هم همزة الوصل مع القراء، فعليهم الإلمام أيضاً بالجوانب التالية: القصص العلمية، قصص الجرائم البيئية والمالية.
قراءة في التاريخ منذ العصور القديمة، الإنسان هو المؤثر البيئي الأكبر على الأرض وليس تغيرات الأرض نفسها.
العلم هو مصدر البداية لكل القصص، يجب فهم الظواهر العلمية البيئية قبل الانطلاق بالتحقيق.
الاتحاد الأوروبي ومنذ عام 2005 أصبح هو المرجع الحقيقي في القوانين والمعايير الدولية المتخصصة بالبيئة وليس الولايات المتحدة. لأن لديه من السياسات الصارمة ومنها المبدأ الوقائي preventabilityprinciple ما يتيح للحكومة التصرف، حين لا يتوفر لديها كم كافٍ من المعلومات حول مادة معينة، مع العلم أن الاتحاد لديه قائمة كاملة يتم تحديثها كل فترة حول المواد السامة، على سبيل المثال: الألعاب الطرية للأطفال منعت في أوروبا لتأثيرها على هرمون التسترون الذكري،وبالتالي تسببهابالعقم مستقبلاً لاحتوائها على مادة الرصاص والفثالات. وبالرغم من منعها في أوروبا لمخالفتها إجراءات السلامة، لكنها مسموحة في الولايات المتحدة، ما يؤكد أن السلطات في أمريكا تتأثر بأصحاب المصالح.
هناك وحدة للجرائم البيئية في الانتربول، ومعاهدات دولية مثل معاهدة بازل التي تمنع انتقال المخلفات السامة من دول لأخرى. الصحافي المطلع عليه أن يتابع ويحقق في قضايا الجرائم البيئية العالمية،وعليه أن يتابع أيضاً الجرائم المالية من خلال كشف وثائق المبالغ أو الرشاوي التي كانت تدفع من تحت الطاولة من قبل الشركات الصناعية الاستخراجية الكبرى للحكومات ليستمر مشروعها المدمر للبيئة والمساهم في زيادة الاحتباس الحراري (مثال: الإكوادور والتنقيب على النفط).
في التحقيق الاستقصائي البيئي هناك شقين: نظري (بحث، قراءة، اطلاع) وعملي (تطبيق منهجية التقصي).
الأضرار البشرية بالنظم الايكولوجية تؤثر على الاقتصاد مثلا: نشاطات مضرة بالبيئة ستؤثر على حياة النحل، وبالتالي سيقلّ التلقيح الطبيعي وبالتالي يقلّ الإنتاج الزراعي.
هذه المجلة العالمية هي مصدر مهم للاطلاع عليها من قبل الصحفيين البيئيين: http://ehp.niehs.nih.gov
هناك علاقة قوية بين نقص المعرفة بمخاطر الأشياء ونقص الاهتمام، وهذا يفسر عدم اهتمام الكثير من الناس بالأضرار البيئية والصحية.
هناك مشكلة عامة أن الصحفيين يخافون من العلم فيتجنبون الخوض فيه،لأنهم يرونه منعزلاً عن حياتهم اليومية، وهذا خطأ لأننا في المادة البيئية لسنا في صدد كتابة رواية أدبية، بل إفادة القراء بحقائق ومعلومات مهمة.
إذا اكتشفنا تغييراً في قانون معين، علينا أن نسال أنفسنا، هل هذه القضية ستؤثر على مصالح أحد؟ ومن كان مستفيداً من الوضع السابق؟
على الصحافي أن يدرك حقيقة أن العلوم هي البداية لكل صحافي بيئي. والعلوم تقودنا إلى القضايا الجيوسياسية.
في التحقيق البيئي كغيره من التحقيقات، نبدأ بسؤال جيد، نضع الفرضية ثم المنهجية العلمية. وأهم أمر أن نجد طريقة لإشعار القراء بأن الموضوع يخصهم.
تبسيط المفاهيم المعقدة إلى مبسطة للقراء، وهذا يتطلب من الصحافي إحاطة جيدة بالمادة.
على الصحافي تقديم المعلومات وسرد البيانات بشكل قوي، حاول أن تضع فرامل على انجرارك نحو العاطفة.
الصحافي المحلي عليه أن يدعم تحقيقه بالاطلاع على المصادر العالمية ودمج هذه المعلومات في استراتيجية كتابة التحقيق الاستقصائي الخاص به.
للاطلاع على تحقيقات مارك شبيرو باللغة الانجليزية الحائزة على جوائز دولية لأهميتها في الإضاءة على جوانب مسكوت عنها في البيئة،يرجى زيارة الرابط التالي:
http://cironline.org/person/markschapiro