فتح الرحمن: فضح "الخلوة" انتصار لهؤلاء المنتهكة طفولتهم

كيف اخترت فكرة هذا التحقيق؟


تكمن أهمية التحقيق في كونه يوثق الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مراكز تحفيظ القرآن والتي تعرف في السودان ب”الخلوة”، وهي تنتشر بصورة كبيرة في كل بقاع السودان، وتحظى بالتقدير والاحترام ويديرها شيوخ لهم مكانتهم في المجتمع.


بعض هذه الخلاوي تمارس التعذيب على الأطفال بحجة تحفيظ القرآن، وتمارس عليهم أبشع الصنوف، منها تقييد الطفل الذي يريد الهرب بالسلاسل، والجلد المبرح لمن يخطئ في حفظ القرآن، إضافة إلى الاستغلال الجنسي من قبل الشيوخ انفسهم او من قبل الطلاب الأكبر سنا، لا سيما وأن الأطفال يعيشون في بيئة تفتقر لأدنى مقومات الحياة الامنة، من طعام صحي ومياه شرب نقية.


معظم الطلاب الذين يأتون إلى “الخلاوي” هم من أسر فقيرة لا تستطيع توفير مستلزمات المدرسة لأطفالها، وخاصة من الأسر ذات عدد الأولاد الكبير، إضافة إلى أسر اخرى تعتبر أن لتعلم الطفل القرآن أهمية أكبر بالنسبة لها من المدرسة، لذلك معظم الأطفال يأتون من مناطق بعيدة، ولا يتمكنون من العودة إلى بيوتهم إلا بعد حفظهم للقرآن كاملا .


لم تكن هذه الممارسات وليدة اللحظة وان تطورت بصورة أكثر وحشية، الا ان المجتمع بكامل مكوناته يتجاهل ما يحدث لهؤلاء الأطفال أحيانا، خوفا من غضب الشيوخ او بطش السلطات، خاصة وان النظام البائد كانت تربطه علاقة وطيدة مع شيوخ الخلاوي، فالحديث عن الممارسات التي تحدث في الخلاوي كانت جريمة يمكن أن تؤدي بحياتك.


اما الاسر التي ترسل أبناءها إلى الخلاوي تعتقد أن أبناءهم بين ايد امينة وتحت كنف شيخ حافظ لكتاب الله يخاف ربه، لذلك يتركون ثمرات حياتهم وهم مطمئنون، وان مات أحدهم جراء التعذيب يصدق الأهل، ما يقوله لهم الشيخ بأنه شهيد اصطفاه الله، وهو في أنبل مهمة مقدسة نتيجة لمرض ألم به.


شريحة كبيرة من المجتمع لا تدري ماذا يحدث في هذه “الخلاوي” كحال هؤلاء الأسر. أي حديث عن انتهاكات متعمدة تحدث في الخلاوي ستتهم بأنك عدو للإسلام والقرآن.


وعلى الرغم من وجود بعض الصور على مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنهم يعتقدون أنها مزيفة لان من المستحيل في ظنهم أن شيخا يعذب طفلاً.


لم يكن لدي شخصيا معلومات كثيرة عما يحدث للأطفال من عنف جسدي ولفظي وتعذيب قاس. ولكن في أحد المرات قمت بزيارة خلوة بعدما سمعت عن تعذيب أطفال فيها. خلال تلك الزيارة، وجدت طفلا مقيدا يجر خلفه سلاسل ضخمة، صعقت وقمت بسؤال أحد الأطفال لماذا هذا الطفل مقيد؟ قال لي لأنه كثير الهرب.


أنا درست في خلوة عندما كنت طفلا قبل عشرين سنة الا انني لم اشاهد طفلا مقيدا بسلاسل، بعدها تعرفت عن قرب إلى هذا العالم المظلم. ورغم خطورة الموضوع وما اتعرض له تصديت لهذه المهمة التي تقع في صميم عملي الصحفي وهو كشف الحقيقة للجميع والانتصار لهؤلاء المنتهكة طفولتهم وغير القادرين على اخبار العالم بمعاناتهم.


ما هي الصعوبات التي واجهتك وكيف تجاوزتها؟


في البداية واجهت صعوبة التغلب على الذات، خاصة وأنا انتمى إلى اسرة دينية معروفة في السودان بالخلاوي، وتربيت على أن الخلاوي مقدسة يجب عدم المساس بها، لكنني اخترت المهنية.


أعي جيدا جيدا أني بذلك قد أخسر عددأ من افراد اسرتي وأصدقاء مقربين لكن وضع حد لمعاناة هؤلاء الأطفال فوق كل اعتبار.


كان الدخول وتوثيق الانتهاكات داخل الخلوة أمراً في غاية الصعوبة والخطورة. يمكن أن تقتل إذا ما تم القبض عليك. ولان اغلب الخلاوي تتخذ أماكن مغلقة او نائية كانت المخاطرة كبيرة، لذلك تنكرت في زي طالب خلوة وبدأت اوثق عبر كاميرا الهاتف بعدما قمت بتثبيتها خلف كتاب، صرت أقوم بالتصوير بينما أنا اقرأ. ولكن تم اكتشاف الطريقة وكدت أن أتعرض للضرب من قبل الشيخ لولا أنني تركت له هاتف آخر كان معي وخرجت مسرعا.


لم استسلم، وتوجهت إلى خلوة أخرى وتم اكتشاف الأمر من قبل أحد الأطفال، وانتهى الامر في قسم شرطة بعد مطاردة ماراثونية لكن تعلمت ان لا اعاود الزيارة مرتين وإن اختار التوقيت المناسب، وألا أتعاطف مع أي  في الخلوة رغم الحذر إلا أن في كل خلوة مجموعة أطفال هدفهم مراقبة الجميع واخبار الشيخ بما يحدث.


بعد ذلك، استخدمت كاميرا سرية وتوقفت المخاوف بعدما كنت قد وصلت لمرحلة كدت أن أترك التحقيق، لكنني كلما تذكرت ما يعانيه هؤلاء الأطفال تجدد العزم بداخلي وتعلمت اكثر من الأخطاء السابقة.


في مرات عديدة ذهبت إلى الخلاوي كطالب اكتشفت المعاناة الأخرى التي تتمثل في الطعام السيء، غياب دورات المياه والقيام في وقت مبكر والنوم على الأرض وتحمل تعذيب الاخرين أمامك، رغم هذه الصعوبات كان لدي هدف أعظم هو ما جعلني اصمد امام كل هذه الاختبارات، هو أن تنتهي كل هذه المعاناة، وأن يعلم  الجميع ما ظل على مر الدهور والأزمان طي النسيان المتعمد.


رابط التحقيق