ضيف العدد: مصعب الشوابكة

ضيف هذا العدد من النشرة الشهرية لشبكة أريج الصحفي الاستقصائي مصعب الشوابكة، يَقُود منذ 2013 فريق وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد وموقع عمان نت، أنَتَج وأخْرَج جملة من التحقيقاتِ الاستقصائية المكتوبة والإذاعية والتلفزيونية. كما أشرف على عدد من التحقيقات تحت مظلة شبكة “أريج”، يُقدم ويعد برنامجاً استقصائياً إذاعياً عبر أثير الإذاعة.

كيف تقيم تجربة وثائق بنما (ماذا استفدت من التجربة وما هي أبرز التحديات)؟
مصعب: كنت وفريق راديو البلد من الصحافيين المحظوظين بالعمل على وثائق بنما، ضمن فريق عالمي بقيادة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، وكان لشبكة أريج الفضل الكبير في هذا الحظوة، بالعمل على أكبر تسريبات في تاريخ الصحافة والإعلام.
العمل على وثائق بنما كان بالنسبة لنا مدرسة تعلمنا فيها كيفية تعظيم العمل الصحفي الجماعي، بحرفية أكثر، سواءً على مستوى الفريق المحلي، أو على مستوى أكبر من التعاون والتشبيك. وفي الوقت ذاته أدركت مشكلة ضعف التعاون بين المؤسسات الإعلامية والصحفية الأردنية، مقارنة بما خلقته وثائق بنما من تشبيك وتعاون بين 110 مؤسسات إعلامية عبر العالم.
وثائق بنما رسخت لدينا قدرة وفهم أعمق لأهمية استقلال القرار وصناعته في غرف التحقيقات الاستقصائية، عبر الانحياز إلى تعزيز مفاهيم الشفافية، والسلطة الرابعة، وحق الناس في المعرفة، رغم البيئة المجتمعية والقانونية غير الصديقة لحرية الإعلام، والمفرطة في الحساسيات والحسابات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية لتبعات نشر وثائق تَطال رجال سياسة واقتصاد.
لقد كانت تجربة وثائق بنما من أهم التجارب الصحفية التي خاضها فريقنا. السرية في العمل كانت مربط الفرس، سر من أسرار انجاحه، فآلاف الوثائق كانت في حوزت الصحافيين قبل قرابة عام من نشرها، وعملوا عليها دون أن يشعر بهم أحد. رغم هذا النجاح إلا أننا كصحافيين نفكر ونعمل أكثر لحماية، وأمن معلوماتنا الصحفية. علاوة على حساب المخاطر القانونية، والسلامة الجسدية، والمهنية، بطريقة علمية بعيداً عن المبالغة أو الاستخفاف، أو الخوف.
كان لإدارة الوقت أهمية كبيرة في هذه العمل، فقد التزمنا كصحافيين أمام أنفسنا ومؤسساتنا والرأي العام بنشر هذا التحقيقات بمواعيد محددة، مع الحفاظ على المعايير المهنية وجودة العمل. تجاوز فريقنا هذا التحدي بمهارة واقتدار، وأنتج قصتين معا، تلاتهما الثالثة بعد نحو شهر، وفي موعد نشر الوجبة الثانية رفقة الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.
أدركت كصحافي استقصائي عربي، بعد العمل على وثائق بنما، أننا كعرب بحاجة إلى تدريب على أساليب جديد ومبتكرة في الترويج لأعمالنا الاستقصائية، وإدارة نشرها في البيئة الإعلامية الرقمية الاجتماعية الجديدة.
وتكمن أهمية العمل على وثائق بنما أنها كسرت الرقيب الداخلي “الجبان” داخل الصحافي، فالعمل المهني المحترف طوق النجاة لصحافي مهما لامس عمله الخطوط الحمراء الوهمية.
تحديات لوجستية، وفنية، وقانونية، ومالية رافقت العمل، ولكن تغلبنا عليها في النهاية.
بعد نشر تحقيقين لشخصيات أردنية حاضرة في وثائق بنما. ما هي أبرز ردود الفعل في الشارع الأردني والجهات الرسمية؟
مصعب: تفاعل الشارع الأردني مع وثائق بنما بشكل جيد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال إقامة الندوات، والمحاضرات. كانت هناك ردود فعل محفزة من القراء، وبعض قادة المجتمع.
وسائل إعلام أردنية تطرقت لوثائق بنما بصبغتها العالمية، دون الحديث عما كشفته تحقيقاتنا أردنية الشأن، في حين جاء ذكرها بجمل معترضة وعلى استحياء، من وسائل إعلام أخرى لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
أبرز الردود الرسمية تمثلت بطلب دائرة ضريبة الدخل بشكل غير رسمي تزويدها بأسماء الأردنيين الواردة في وثائق بنما.
كما وقع نواب على مذكرة نيابية تطالب الحكومة بفتح تحقيقات على أثر ما كشفته وثائق بنما.
قبل نشر التحقيق بساعات، حاول مسؤول الضغط لمنع نشر التحقيق، عبر اتصال هاتفي. لكن هذه اتصال والضغط زاد من قوة وسلامة الموقف المهني القائم على نشر الحقيقية التي نعمل من أجلها. وفعلا تم نشر التحقيق كما هو بلا زيادة أو نقصان.
ما هي الصعوبات التي واجهتك في مجال الحصول على معلومات عن الشخصيات الأردنية التي حضرت في وثائق بنما؟
مصعب: جميع الشخصيات الأردنية التي ذكرت في التحقيقات هي شخصيات عامة، من رجال سياسة، واقتصاد. أغلبها بنى أسواراً من السرية حول نشاطاته واعماله الاقتصادية والتجارية، سواء ما كانت داخل الأردن أو خارجه، وهذا كان جزء من العقبات في طريقنا.
تضمنت وثائق بنما أسماء ثمانية وزراء أردنيين مكلفين بأحكام قانون اشهار الذمة المالية، حاولنا التأكد فيما إذا أفصح هؤلاء عن شركات الأوف شور والحسابات المصرفية السرية لدائرة اشهار الذمة المالية، لكن الدائرة التابعة لوزارة العدل لم تتعاون بحجة سرية المعلومات.
عدم تعاون الجهات الرسمية أيضا، في الكشف عن أسماء الشركات الأوق شور التي أخذت عطاء حكومية، زاد من صعوبة مهمتنا.
كما واجهنا عقبات فيما يتعلق بالبحث عن معلوماتهم الشخصية ومطابقتها مع ما لدينا من وثائق، لكن استطعنا أن نتجاوز ذلك بمساعدة أصدقاء وزملاء في المهنة، للوصول لبعض هذه المعلومات.
ساعدتنا وثائق بنما في كثير من الحالات بوجود جوازات سفر لتلك الشخصيات، وأرقام وطنية، ما وفر علينا عناء البحث والتأكد والتدقيق.
من وجهة نظرك، ما هو تأثير وثائق بنما في مستقبل الصحافة الاستقصائية؟
مصعب: وثائق بنما أسست لحركة صحفية استقصائية أكثر احترافية وجراءة، وقوة، وتعاون وتشبيك عبر العالم. وأعتقد أنها ستلقي بظلالها على عالم الصحافة الاستقصائية كتجربة ملهمة، للمؤسسات الصحفية، والصحافيين، ومسربي البيانات ايضاً.
ثلاثة نصائح تقدمها لصحفيين في بداية طريقهم المهني في الصحافة الاستقصائية من وحي تجربة وثائق بنما؟
مصعب: التعاون والتشاركية والتشبيك في العمل على القضايا الاستقصائية الكبيرة والمهمة لخلق رأي عام، واحداث تأثير “دعونا نكمل بعضنا بعضاً” لنكون حقاً سلطة رابعة، وأداة للمحاسبة والشفافية، وخدمة الصالح العام.
المهنية خشبة النجاة، واخلاقيات العمل ضرورة ملحة لا ترف زائد.
الاهتمام ببناء المهارات والأدوات، في البحث، والتقصي، والحوار، وإتقان اللغات، والتعامل مع التكنولوجيا.