28 سبتمبر 2024
لم تتوقع ولاء (اسم مستعار) القاطنة مع أسرتها بالقاهرة، أنّ رفضها لعرض بالارتباط العاطفي من زميل تعده صديقاً، سينتهي بحسابات على منصة إكس تحمل صورتها، بالإضافة إلى مسميات جنسية بذيئة لتشويه سمعتها، كأنها “عاملة جنس”.
ما حدث مع ولاء يُعد انتحالاً للشخصية، حيث يُعرَّف انتحال الشخصية -طبق صندوق الأمم المتحدة للسكان- بأنه أحد أنواع العنف الإلكتروني، ويعني إنشاء ملف تعريفي مزيف وانتحال هوية شخص ما لأغراض مضرة؛ منها تدمير السمعة أو تهديد السلامة.
مع رانيا
تعرضت المعالجة النفسية رانيا (اسم مستعار)، للعنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت، من خلال الملاحقة بالاتصالات وعبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي طريقة منتشرة الحدوث. اللافت أن شريكها السابق هو مَن قام بابتزازها لإجبارها على العودة إليه. ظنت رانيا أن الأمر سينتهي بخطبتها من غيره، لكن تلك لم تكن سوى البداية؛ إذ هدّدها -ما لم ترضخ لطلباته الجنسية- بإرسال تسجيلات هاتفية جمعتهما، تتضمن سياقاً حميمياً، لأسرتها ولخطيبها الحالي من أجل تدمير حياتها.
مع هبة
مشاعر الخوف ذاتها تعيشها هبة (اسم مستعار)، الدكتورة الجامعية من صعيد مصر، بعد تعرضها للابتزاز بمحتوى محادثات وصور حميمة من شريكها العاطفي السابق. توضح هبة أنهما كانا معاً لسنوات وخططا للزواج؛ لكنّ أخاها لم يقتنع به زوجاً لها. توقعت هبة أن يحاول شريكها إقناع أخيها، لكنّها -بدلاً من ذلك- تلقت تهديداته بتشويه سمعتها أمام أهلها وطلابها بالجامعة، إن لم تستمر معه، بعد أن أبدت رغبتها في الانفصال عنه.
مع ماريان
أخذت التهديدات بالتشهير شكلاً أكثر تعقيداً مع ماريان (اسم مستعار)، الصحفية المهتمة بمجال المرأة، التي تعرضت لمحاولة اعتداء جنسي من خطيبها. نجت ماريان من هذه المحاولة بعد أن ضربته ودفعته بعيداً؛ فاعتذر بعدها عمّا صدر منه. وبعد إلحاحه، قررت منحه فرصة ثانية، رغم شعورها الدائم بعدم الارتياح له، ومحاولاته استغلالها مادياً.
وصل الأمر حد استخدامه للمحادثات بينهما في تشويه صورتها أمام الآباء في الكنيسة التابعَين لها، ورغبته في استرداد ما أهداها من ذهب كتعويض له عن ارتباطه بفتاة “سيئة السمعة”، بسبب رفضها التكفل بكامل مصروفات الزواج، والخضوع لمطالبه الجنسية التي لا ترتضيها.
توصلت دراسة “رسم خريطة للعنف ضد المرأة القائم على التكنولوجيا – استرجاع التقنية” عبر الإنترنت (Take Back the Tech) -بعد دراسة ألف و126 حالة تم الإبلاغ عنها من 2012 إلى 2014- لنتائج مفادها أن النساء، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عاماً وما دون ذلك، هنّ الأكثر عرضة لخطر الابتزاز على الإنترنت. وأن عنف الشريك المسيء في العلاقات الحميمة، كان من أكثر الفئات شيوعاً للعنف الإلكتروني ضد النساء.
دراسة رسم خريطة “استرجاع التقنية” عبر الإنترنت، هي جزء من مشروع “برنامج حقوق النساء”، التابع لجمعية APC وشبكة حقوق النساء WRP، وممول من وزارة الشؤون الخارجية الهولندية.

سيطر الخوف على ولاء بعد عثورها على الحسابات المسيئة بمنصة إكس، لكنّ افتخار الجاني بتشويه سمعتها وسط زملائها في الجامعة، وتهديده لها من حساب باسم مستعار؛ زاد شعورها بالغضب والعجز.
تقول ولاء إنها أُحبطت بشدة عندما سألت والدتها المحامية، عن الإجراءات التي يجب أن تتخذها زميلة لها، تعرضت لمشكلة من هذا النوع، وكان الرد أنها ستضطر إلى الذهاب لمباحث الإنترنت وفتح حساباتها هناك للتحقيق؛ فتراجعت ولاء عن الخطوة لأنها ناشطة سياسية معارضة، وتخشى تعرضها لمشكلات مضاعفة عند اللجوء إلى الحل القانوني.
أظهرت دراسة العنف الرقمي ضد المرأة في مصر، المنشورة عام 2023، أن أغلب منصات التواصل الاجتماعي لا تهتم بالبلاغات المُقدمة من بعض المُعنفَات رقمياً. وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن خوف الفتيات من معرفة أسرهنّ تفاصيل حياتهن الخاصة خارج إطار الزواج، قد يؤدي لإحجام النساء عن الدفاع عن أنفسهن، أو طلب الدعم، أو اللجوء لإجراءات التقاضي القانونية.
أظهرت دراسة وحدة الاستطلاعات والأبحاث التابعة لصحيفة الإيكونوميست (EIU) -التي أُجريت عام 2020، لقياس انتشار العنف عبر الإنترنت ضد النساء في 51 دولة على مستوى العالم- أن النساء في البلدان التي تعاني عدم المساواة بين الجنسين، أو التمييز الجنسي المؤسسي؛ يتعرضن إلى تجربة العنف عبر الإنترنت بمعدلات أعلى. كما توصلت إلى أن 62 في المئة من المشاركات في الاستطلاع قلن إن النساء يعانين شعوراً بالعجز؛ لعدم اتخاذ إجراءات كافية لمعالجة المشكلة.
الدعم: شمعة مضيئة لظلمات العجز
أساليب متعددة لمواجهة العنف الرقمي
وطبقاً لإحصائية تفاعلية، صادرة من وحدة الاستطلاعات والأبحاث التابعة لصحيفة الإيكونوميست عام 2020، فإن نسب تعرض النساء للعنف الإلكتروني مرتفعة في 51 دولة؛ تبلغ ذروتها في الشرق الأوسط بنسبة 98 في المئة، في حين أقل معدل لها في أوروبا يبلغ 74 في المئة. ووصلت نسبة جرائم انتحال الشخصية عالمياً إلى 63 في المئة، والتهديد بالعنف إلى 52 في المئة، والاختراق والتتبع إلى 63 في المئة، ونشر المعلومات المغلوطة لتشويه السمعة إلى 67 في المئة، والابتزاز بالصور والفيديوهات الشخصية (الخاصة) إلى 57 في المئة.