25 نوفمبر 2024
قبل 15 عاماً، وفي إحدى القرى المصرية التابعة لمحافظة القليوبية، تزوجت مارينا (اسم مستعار) من حب عمرها. لم تكن تتخيل أن الرجل الذي اختارته وأنجبت منه ثلاث فتيات، سيُدبر لها قضية زنا ويطعن في شرفها، كي يحصل على حكم طلاق منها، وفقاً للشريعة المسيحية التي لا تسمح بالطلاق إلا لهذه العلة فقط.
دعا الزوج أحد أصدقائه لزيارة بيته، وجعله يتعرف إلى زوجته. تكررت دعوات زيارة المنزل؛ وفي كل مرة، كان يطلب الزوج من زوجته أن تجلس معهما بملابس المنزل، وفق روايتها. استغربت الزوجة من إلحاح زوجها على ذلك كل مرة، حتى إنها كانت تتعرض للضرب إذا رفضت: “لما قلت مرة لا، نزل عليّ ضرب بصينية الشاي”.
تصرفات لم تقبلها مارينا، وطالبت زوجها بمقابلة صديقه خارج المنزل، بعد أن تطور الأمر وبدأ صديق زوجها بالتقرب منها بطريقة مريبة. تقول مارينا: “لاقيته في عيد ميلادي بيجبلي تورتة وأغلى الهدايا، كنت مستغربة جوزي إزاى يقبل واحد غريب يجيب لمراته إزازة (زجاجة) برفان (عطر)، ولما سألته قالي ده زي أخويا”.
تقول إن زوجها استغل محادثات خاصة بينهما، وقدّمها للمحكمة على أنها محادثات بينها وبين صديقه، فضلاً عن مقاطع صوتية مفبركة: “غير صوتي، وفوجئت أنه ادّعى إني أرسلت الكلام ده لصاحبه”.
ليست مارينا وحدها التي تعرضت للابتزاز الإلكتروني على يد زوجها، فحنان (اسم مستعار) لم تسلم من تهديدات زوجها، الذي قدّم أدلة للمحكمة تطعن في سلوكها لإجبارها على التنازل عن حقوقها كافة؛ معتمداً على مهنته خبيراً في تقنية المعلومات.
استطاع أن يحصل على حكم ضدها بالحبس سنة وغرامة تُقدر بنحو عشرة آلاف جنيه، لكنّها حصلت على براءتها في الاستئناف؛ بعد إثبات فبركة الصور الضوئية التي قدّمها زوجها، بحسب عصام عطية، المحامي بالنقض، الذي أضاف قائلاً: “الزوج ادّعى كذباً أنه حصل على طرد من شركة شحن دولية به قرص مضغوط (CD)، عليه مشاهد جنسية لزوجته مع أشخاص آخرين، ومحادثات بألفاظ جنسية، واكتشفنا أنه مفبرك بأكمله”.
تؤكد المحامية مها أبو بكر، وجود عدد كبير من الأزواج الذين يلجأون إلى الابتزاز الإلكتروني، لإجبار زوجاتهم على التنازل عن مستحقاتهن الشرعية كافة، عن طريق تهديدهن بنشر صور أو فيديوهات شخصية لهن، تمّ تصويرها بعلمهن أو بدونه، مستغلين العلاقة الزوجية الخاصة التي كانت تجمعهما. وتضيف قائلة: “هناك أزواج لا يريدون الطلاق، وكل هدفهم الاحتفاظ بالزوجة كإحدى الممتلكات الخاصة، في حين يكون الطلاق رغبتها، فيقوم البعض بتهديدها بمواد مصورة، قد تكون أرسلتها له أثناء سفره، أو استجابة لطلبه كونه زوجها”.
من بين الضحايا اللاتي تعرضن للابتزاز بسبب طلب الطلاق، إيمان (اسم مستعار)، التي قررت الانفصال بعد عشر سنوات من الزواج، بسبب علاقات زوجها المُحرمة، وتعاطيه المخدرات وفقاً لتصريحاتها، مضيفة: “هدّدني لو رفعت قضية طلاق هيرفع قضية زنا، وتعدى عليّ بالضرب المبرح وأثبت ذلك بتقرير طبي ومحضر”. وأكدت إيمان استحالة العيش معه بعد إرسال رسائل لشقيقتها يطعن في شرفها: “يقول لها إني خائنة ومتعددة العلاقات… ويقول لأولادي إنه ماسك عليّ حاجات”.
لجأ زوج مارينا أيضاً إلى خطف بناته الصغار، بل واتهمها بتعذيب وحرق إحداهن، بعد أن رفعت ضده دعوى نفقة وضم حضانة وولاية، تقول مارينا: “صدر حكم ضدي بالحبس، ولم تبرئني إلا شهادة ابنتي… لم يكتفِ بما فعل، بل طعن في شرفي أيضاً”.
تنص المادة “25” من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أيّ من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، (…) أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات أخباراً أو صوراً وما في حكمها، تنتهك خصوصية أيّ شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة”.
يطالب والد مارينا، بتعديل القانون وتغليظ العقوبة، مستنكراً لجوء بعض الأزواج إلى تزييف “الدردشة الإلكترونية” والصور لزوجته؛ ما يتسبب في دمار البيت والعائلة بأكملها: “الموت كان ليّ أرحم من الأيام اللي عشتها وبنتي متهمة في شرفها”، مشيراً إلى أن الإنترنت أصبح حيلة كل شخص يرغب في التخلص من زوجته، خاصة لو كان مسيحياً. وأضاف والد مارينا: “ليس لدينا طلاق، وكانت النتيجة تلفيق قضية زنا لابنتي عن طريق تسجيلات مزيفة، ولولا أن الله أظهر براءتها لما كنت قادراً أن أرفع رأسي ثانية”.
وفقاً للتقرير السنوي الصادر عن مكتب شكاوى المرأة بالمجلس القومي للمرأة لعام 2023؛ سجلت جرائم تقنية المعلومات 404 شكاوى؛ منها 39 لجرائم التزوير والفبركة، فعلى سبيل المثال، تقدمت سيدة بشكوى ضد طليقها الذي أنشأ حساباً عبر الفيسبوك باسمها ورقمها، ونشر صوراً ومقاطع فيديو خاصة لهما، واتهمها بممارسة الدعارة. ساعدها مكتب الشكاوى على تقديم بلاغ لمباحث الإنترنت، وأُحيلت القضية للمحكمة الاقتصادية، ثمّ حُكم عليه بالحبس ستة أشهر، وفقاً للقانون.

يقول اللواء علي أباظة، رئيس مباحث الإنترنت سابقاً، إن معدل الجرائم الإلكترونية يتزايد طبقاً لزيادة عدد المستخدمين وانتشار الإنترنت، لافتاً إلى أن جرائم الابتزاز الإلكتروني ليست الأكثر عدداً، وإنما الأكبر ضرراً؛ نظراً لأنها تصيب أفراد المجتمع كافة، وأضرارها الاجتماعية أشدّ خطراً من باقي الجرائم الأخرى.
ويشير أباظة إلى أنه في عام 2002، سُجّل أول ظهور للجرائم الإلكترونية في مصر، وكانت سبّاً وشتائم فقط. أما بداية الانتشار اللافت للجرائم التي يرتكبها الأزواج بحق زوجاتهم إلكترونياً؛ كان ما بين عامي 2016 و2017، وتنوعت على مدار السنوات الماضية، مضيفاً: “اليوم تجاوزت الجرائم الإلكترونية الأربعين ألفاً، تمثل 28 نوعاً من الجرائم… والمعدل في ازدياد”.
ويؤكد أنه في حال تقديم البلاغ والتثبت من صحة الواقعة؛ يُحال المتهم للنيابة التي تجري تحرياتها في سرية تامة: “ممنوع خروج البيانات لأيّ شخص، وتوضع الصور على فلاشات (ذاكرة إلكترونية) مؤمّنة، وتُعرض في المحكمة بواسطة ضابط فني متخصص، إلى جانب إجراءات التأمين للمجني عليها، إلى أن تحصل على حقها كاملاً”.
تشير المحامية مها أبو بكر، إلى أن القانون يعاقب الزوج على ابتزاز زوجته كأيّ شخص غريب، من دون النظر إلى أنه حصل على هذه الأشياء بصفته زوجاً وبينه وبين المجني عليها علاقة خاصة. وتطالب المحامية بتشديد العقوبة؛ لأن الضحية تتعامل مع الجاني بأنه أمانها وسندها، وبينهما مودة ورحمة، فخيانة الأمانة تجعل الزوجة منهارة، وتفقدها الثقة في محيطها.
لذلك أخبرت مارينا معدّة التقرير بأن حصولها على البراءة لم يعنِ انتهاء الألم الذي عانته، لأنها لم تستطع تجاوز اتهامها بالزنا على يد والد بناتها حتى الآن؛ إذ تستيقظ على كوابيس، نتيجة الصدمة التي تعرضت لها، ما أدخلها في حالة نفسية سيئة. تقول مارينا: “عشت أياماً صعبة كلها رعب وخوف وضغط نفسي، متخيلتش كل ده يحصلي”.
تقول هالة حماد، مسؤولة وحدة الدعم النفسي بمبادرة “مؤنث سالم”، إن الابتزاز الإلكتروني أصبح منتشراً بين الأزواج، وتحول لورقة ضغط على الزوجة عند طلب الطلاق أو كشف خيانة زوجها وغيرها؛ ما يتسبب في أثر نفسي يصل لاضطرابات النوم، والإصابة بالاكتئاب والقلق، وفقدان الثقة بالنفس وبأقرب الناس، بالإضافة لخوفها الشديد من مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفة: “تلجأ الست بعدها إلى العلاج النفسي لتجاوز الصدمة”.
تقدم المبادرة الدعم للسيدات اللاتي تعرضن للابتزاز الإلكتروني، عن طريق تقديم جلسات دعم نفسي وأخرى قانونية، تقول هالة: “تأتينا المتعرضة للابتزاز ولديها خوف شديد من المجتمع، ومن أهلها ومن كل محيطها، نبدأ بالتعرف على احتياجاتها واحتوائها وطمأنتها، ونقدم لها أيضاً مساعدة قانونية لحمايتها”، مشيرة إلى أن هناك عدداً من الحالات تسيطر عليها فكرة الانتحار، والبحث عن وسيلة للتخلص من حياتها، بعد تشويه سمعتها وابتزازها، في ظل غياب دوائر داعمة من الأهل والأصدقاء.
يطالب اللواء علي أباظة، رئيس مباحث الإنترنت سابقاً، النساء اللاتي يتعرضن للابتزاز الإلكتروني، بتوثيق جميع التهديدات عن طريق الاحتفاظ بالمحادثات، والتوجه فوراً لمباحث الإنترنت من دون خوف، وتحرير محضر بالواقعة، لتُتخذ ضد المُبتز الإجراءات اللازمة كافة.
رغم حصول الضحايا الثلاث (مارينا، وحنان، وإيمان) على أحكام بالبراءة من تهم الشرف والزنا، الملفقة عبر الابتزاز الإلكتروني على أيدي أزواجهن؛ ما زلن يشعرن بأثر تلك التهم، خاصة “مارينا”، التي تشعر وكأن هذه الاتهامات تلتف حول عنقها وتطاردها كالكابوس، بسبب نظرة المجتمع وتحولها إلى مطلقة: “لو كنت أرملة كان أحسن… الناس مبترحمش”.