25 نوفمبر 2024
قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته؛ مادة تثير زخماً هائلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بمجرد الحديث عنها. وبصرف النظر عن مضمون وسياق الحديث، تصاحبه دائماً ردود فعل عنيفة.
تدرك الصحفيات والناشطات النِسويات أن الحديث عن هذا القانون يعني دخول “عش الدبابير”؛ فالناشطة النِسوية آية منير -على سبيل المثال- تعرضت لعنف إلكتروني عندما تحدثت، من خلال مجموعتها على فيسبوك “سوبر وومن”، عن مواضيع مثل المساواة في المواريث، أو الطلاق الغيابي، أو حق الولاية.
تُعرّف محكمة النقض المصرية الأحوال الشخصية بأنها “مجموع ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته الاجتماعية، كون الإنسان ذكراً أو أنثى، وزوجاً أو أرملاً أو مطلقاً أو أباً شرعياً، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سنه أو لعته أو جنون أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها، بسبب من أسبابها القانونية”.
ووفقاً للباحثة سيدة محمود، صدر قانون الأحوال الشخصية عام 1883، قانوناً مدنياً يكاد يكون مطابقاً للقانون الفرنسي الصادر عام 1804، بعد أن كان تطبيق الشريعة الإسلامية شاملاً أوجه الحياة كافة.
وعلى الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية عُدّل عدة مرات منذ صدوره؛ لم يستطع إلى الآن معالجة قضايا خلافية كثيرة، خاصة تلك المتعلقة بقضايا المرأة.
الدكتور فتوح الشاذلي، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، تناول عدداً من هذه القضايا في مقال نُشر على موقع “المجلس القومي للمرأة”، مثل: طاعة الزوج، وسن الزواج لمنع زواج القاصرات، وتأديب الزوجة، وتعدد الزوجات.
هذه النقاط وغيرها، جعلت الناشطات الحقوقيات والصحفيات هدفاً للعنف الرقمي، منذ أن عرفت مصر الإنترنت عام 1992. ويُعرّف العنف الرقمي، بحسب IGI Global، بأنه “استخدام الأجهزة أو الخدمات الرقمية عبر الإنترنت للمشاركة في أنشطة تؤدي إلى إيذاء جسديّ أو نفسيّ أو عاطفيّ، أو تُسبّب ضرراً لشخص آخر”.
تطالب آية منير -مُؤسِّسة مجموعة سوبر وومن- بقانون أحوال شخصية مدني، مرجعيته المساواة، ويتوافق مع الدستور؛ لكنّها في سبيل ذلك تواجه أشكالاً مختلفة من العنف الرقمي، منها الشتائم على فيسبوك، ونشر صور شخصية وعائلية لها.
ليست الناشطات وحدهن مَن يتعرضن للعنف الرقمي عند الحديث عن قانون الأحوال الشخصية، بل إن الصحفيات اللائي يغطين ملف المرأة يواجهن الأمر نفسه عند الحديث عن القانون وتعديلاته، من بينهن الصحفية أسماء حماد، التي تقول إنها تتعرض لهجوم “عنيف” من الرجال -عبر مواقع التواصل الاجتماعي- في كل مرة تناقش فيها أحد بنود القانون.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فبعد انتقادها لفكرة الزواج الثاني للرجل من دون علم الزوجة، استقبلت مكالمات تهديد من أشخاص مجهولين، بالإضافة إلى تنمر الزملاء والتضييق عليها بمنع نشر بعض مقالاتها، وفق روايتها.

يعتقد البعض أن الحديث عن تعديلات قوانين الأحوال الشخصية متصل بالدين مباشرة، لذلك تأتي تهديداتهم مغلفة بصبغة دينية لا يمكن إغفالها. فعلى سبيل المثال، تعرضت آية منير لهجمة إلكترونية وصلت إلى أن أحد المُعلقين طالب بإقامة الحد عليها، بعد أن وصمها مجتمعياً بالإلحاد؛ لكتابتها عن أحد الموضوعات المتصلة بقانون الأحوال الشخصية. تقول آية: “قال إن المفروض يقام عليّ الحدّ، وإني شخص ملحد”.
ورغم اختلاف الدين، تتشابه التهديدات ذات الطابع الديني؛ فالصحفية “ماريان سامي” تكتب عن ملف الأحوال الشخصية المسيحي منذ سنوات، مُطالِبة بالزواج والطلاق المدني؛ فهي ترى أن عدم حسم الكنيسة لقضايا متعلقة بملف الأحوال الشخصية يؤدي لمشكلات مجتمعية، مثل زيادة ظاهرة الانفصال دون حقوق، أو اعتداء أحد الطرفين على الثاني بغرض القتل؛ لأن الطلاق في الكنيسة الأرثوذكيسية (الطائفة المسيحية الأكبر في مصر) غير مسموح به إلا لعلة الزنا، وهي علة يصعب إثباتها.
تعرضت ماريان للعديد من الإساءات الرقمية؛ فتارة اتُهمت بالخيانة، أو أنها ليست مسيحية، وتارة أخرى تطالها الشتائم والسباب، وتعرض أهلها لضغوط من الكهنة؛ ما دفع أهلها لمطالبتها بالتوقف عن الكتابة.
التعرض لهذه الضغوط المستمرة بالتأكيد له آثار سلبية على الصحفيات والناشطات، وقد تدفع بعضهن أحياناً إلى التوقف عن الكتابة. تختلف الاستجابة لهذه الضغوط وآثارها النفسية من صحفية أو ناشطة إلى أخرى؛ فتقول آية منير: “في البداية كنت بتأثر جداً جداً، وبدخل في اكتئاب وبكاء لأيام طويلة من التوتر وغيره، وأخاف من مطالبة أهلي لي بالتوقف عن الكتابة بسبب الشتائم”.
أما ماريان سامي فتتعرض لضغوط عائلية، فمن فترة إلى أخرى تجلس الأسرة معها لإقناعها بالتوقف عن الكتابة في هذا الموضوع لعدة أسباب؛ منها الشتائم والتعليقات المسيئة على الإنترنت.
كما حاولت أسماء حماد الابتعاد عن الكتابة في هذا الموضوع بسبب تأثيراته السلبية، بعد تعرضها للاكتئاب بسبب الضغوط النفسية: “قررت الابتعاد قليلاً، لكن لا أستطيع التوقف، فأنا مستمرة في الحديث عن القانون رغم كل هذه المعاناة”.
لا يمكن التقليل من أثر الإساءات التي تطال الصحفيات والناشطات أو التغاضي عنها، فقد نشر الاتحاد الدولي للصحفيين استطلاعاً عن “التأثير الهائل للإساءة عبر الإنترنت على الصحفيات”، ورد فيه أن 64 في المئة من الصحفيات تعرضن للإساءة عبر الإنترنت، وغالبيتهن قلن إن هذه الإساءات كانت لها آثار نفسية مثل القلق أو التوتر (63 في المئة)؛ بل وفقدت ثمانية في المئة منهن وظائفهن بسبب هذه الإساءات.
أخذت الصحفية آية ياسر على عاتقها مهمة فضح مجموعات التلغرام، التي تتعمد التشهير بالنساء ونشر صور مفبركة ومعلومات شخصية عنهن؛ سواء مُستخدِمات مواقع التواصل الاجتماعي عامة أو الناشطات النسويات أو الصحفيات، فكتبت مقالين عن هذه المجموعات وتأثيراتها النفسية والعملية، لا سيّما أن بعض النساء اضطررن إلى إغلاق حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى مع تأثير ذلك على حياتهن العملية، خاصة أن ترويج الأعمال الصحفية عبر هذه المنصات جزء أساسي من تحقيق الانتشار.
كتبت “آية” وهي تظن أنها فقط تؤدي واجبها الصحفي، لكنّها لم تعرف أنها ستكون هي شخصياً ضحية هذه المجموعات؛ انتقاماً من جرأتها على فضح حقيقة هذه الجروبات. تلقت آية بعدها العديد من التهديدات عبر حساباتها وحسابات عائلتها على مواقع التواصل، وصلت إلى تلقيها وأسرتها مكالمات هاتفية مجهولة المصدر، بهدف إسكاتها. تقول آية: “الموضوع ده بالذات لأنه كان بيفضح الشبكة دي، فمعداش بسهولة”.
بعد نشر المقالين، وبمساعدة بعض أصدقاء آية؛ أُغلقت إحدى هذه المجموعات، لكنّها لم تقدم بلاغاً ولم تتخذ أيّ إجراء قانوني ضد حملات استهدافها.
الصحفية إيمان عوف، عضوة مؤسِّسة لـ “صحفيات مصريات”؛ وهي مجموعة من الصحفيات المهتمات بحقوق المرأة والصحفيات بشكل خاص، أشارت إلى تكرار حوادث العنف الرقمي ضد الصحفيات والناشطات؛ بسبب تغطيتهن لقضايا تخص حقوق المرأة: “مكنش آية بس كان في أكثر من حد تاني”.
تقدم “صحفيات مصريات” الدعم للصحفيات اللواتي يتعرضن للعنف الرقمي؛ يشمل الدعم التقني من خلال مؤسسات متخصصة، أو الدعم النفسي من أطباء نفسيين متطوعين، بالإضافة إلى بيانات الدعم والمؤازرة، بحسب الصحفية إيمان عوف.

ويبقى السؤال الأهم، ماذا تفعل الصحفيات والناشطات عند تعرضهن للعنف الرقمي، أو لمن يتوجهن لطلب المساعدة؟
توصّلنا إلى عدة جهات تقدم الدعم للصحفيات اللاتي يتعرضن للعنف الإلكتروني؛ من بينها “المرصد المصري للصحافة والإعلام”، وهو مؤسسة مدنية مصرية، تهدف للدفاع عن الحريات الصحفية والإعلامية.
يضم المرصد وحدة قانونية تتولى تقديم الدعم القانوني للصحفيات، سواء أمام النيابة أو في المحكمة، بالإضافة إلى إمكانية تقديم أنواع أخرى من الدعم، بحسب كل حالة؛ وفق المحامي بالاستئناف أحمد عبد اللطيف، الذي يعمل بوحدة الدعم القانوني بالمرصد.
نقابة الصحفيين في مصر، تظل الجهة الرسمية التي يلجأ إليها الصحفيون والصحفيات عند تعرضهم لمثل هذه الحملات. الصحفية دعاء النجار، عضوة مجلس نقابة الصحفيين، ومقررة لجنة المرأة، تؤكد دور النقابة في تقديم مختلف أشكال الدعم للصحفيين والصحفيات، وتضيف: “تتعامل اللجنة مع ملف العنف بكل أشكاله وأنواعه، كباقي المشكلات التى تتعرض لها الزميلات الصحفيات، سواء كن نقابيات أو غير نقابيات”.
وأكدت دعاء أن النقابة ملتزمة بحماية الشاكيات وإخفاء هوياتهن عند تعرضهن لأيّ مشكلة، إذا رغبن في ذلك، مشيرة إلى أن لجنة المرأة تقدم دائماً المساندة القانونية لجميع الزميلات، حال تعرضهن لمشكلة أو أزمة، بما يضمن حصولهن على حقوقهن كافة.
يمكن لضحايا العنف الرقمي اتخاذ المسارات القانونية عبر مباحث الإنترنت، غير أن المحامية هالة دومة، حذرت من اختراق الخصوصية؛ لأن الشاكية يجب عليها فتح حساباتها بمواقع التواصل على حاسوب الضابط، عند تحرير بلاغ رسمي، وإدخال بريدها الإلكتروني وكلمة السر، حتى يفحص الضابط بنفسه الادعاءات الواردة، ويلتقط الصور الضوئية اللازمة.
تقوم النيابات بحفظ ما نسبته 80 في المئة من البلاغات، أو تتركها معلقة بالشهور والسنوات، ثم تحفظها بالنهاية، ونادراً ما تصل هذه البلاغات إلى المحكمة؛ بحسب المحامية هالة دومة.