
آثار الاشتباكات بين مؤيدي النظام ومعارضيه عقب المظاهرة الكبيرة التي جرت في 15 آذار/مارس أمام البرلمان في بلغراد. (المصدر: ألكسندر عبد الإله – قصص محظورة)
ألكسندر عبد الإله، فوربيدن ستوريز (قصص محظورة) وفار (FAR صربيا)
على بُعد 300 كيلومتر من بلغراد، العاصمة الصربية التي اجتاحتها حركة غير مسبوقة لمكافحة الفساد، قامت “فار” (FAR)، وهي وسيلة إعلامية مستقلة، بالتحقيق في ممارسات مشبوهة لعمدة بلدية مدينة ديميتروفغراد Dimitrovgrad. تحقيقات فار جعلتها في مرمى نيران أجهزة الاستخبارات القوية في البلاد. تواصلت منصة “فوربيدن ستوريز” (قصص محظورة) مع فار لإطلاق تعاون دولي يهدف إلى مواصلة العمل على هذه التحقيقات. كان الأمل أن يوفر لهم هذا التعاون الحماية ويمنح صوتهم صدى أقوى في وجه محاولات إسكاتهم.
استُهدف صحفي من فار بأدوات مراقبة إلكترونية أثناء التحقيق في مزاعم فساد بديميتروفغراد.
تشير الوثائق التي اطلعنا عليها إلى أن عروض المناقصات قد تمت صياغتها بطريقة تمنح الأفضلية لشركة “دروموفي أيه آند دي” Drumovi A&D للتشييد والبناء، المعروفة بسجلها السيئ في تنفيذ مشروعات محلية.
يكشف التحقيق عن الروابط بين عمدة بلدية ديميتروفغراد والشركات المقربة من العيادة الخاصة التي توظفه، بما في ذلك تضارب المصالح المحتمل.
في الوقت الذي لا تزال فيه شوارع بلغراد تصدح بشعارات مناهضة للفساد، أطلقتها أكبر حركة احتجاجية شهدتها البلاد منذ عقود في 15 آذار/مارس، تدور معركة أصغر وأقل شهرة في جنوب شرق صربيا؛ سببها نسخة مصغرة من ممارسات تعسفية دفعت مئات الآلاف من الصرب إلى التظاهر، حاملين صوراً لأيادٍ ملطخة بالدماء ترمز إلى “الفساد القاتل”.
هزت هذه الممارسات منصة فار الإلكترونية في بلدة ديميتروفغراد، التي يبلغ عدد سكانها ثمانية آلاف نسمة، بالقرب من الحدود البلغارية، وعلى بعد 300 كيلومتر من العاصمة. وأصبح صحفيو فار مستهدفين بسبب تقاريرهم الصحفية المرتبطة بعمدة البلدة.
في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2024، انطلقت حركة وطنية هزّت صربيا، إحياء لذكرى مقتل 16 شخصاً لقوا حتفهم في حادث انهيار سقف محطة القطار الرئيسية في نوفي ساد، ثاني أكبر مدن البلاد والتي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف نسمة. لكن خلف هذه الحادثة الفردية، تكمن تساؤلات وشبهات عديدة حول عقود البناء التي أُبرمت بشأن المشروع، ما حوّل المحطة إلى رمز للفساد المستشري في البلاد.
تُعد هذه الفضيحة جزءاً من نهج أكثر اتساعاً في تشديد قبضة النظام. فعقب الإطاحة بالديكتاتور سلوبودان ميلوشيفيتش في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2000، راود الصرب أمل كبير في انتقال بلادهم نحو الديمقراطية. إلا أن رجلاً واحداً بدّد تلك الآمال سريعاً، وهو ألكسندر فوتشيتش، الذي شغل منصب وزير الإعلام في عهد ميلوشيفيتش أواخر التسعينيات. ومع توليه الرئاسة لولاية ثانية، عمل فوتشيتش على تقويض المعارضة وقمع وسائل الإعلام المستقلة. وخلال تلك الفترة، تراجعت صربيا 44 مرتبة في مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، كما تراجعت 27 مرتبة في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية.
وُجهت إلى نظام فوتشيتش اتهامات باستخدام وسائل الإعلام كأداة لتحقيق مكاسب سياسية غير عادلة، ومهاجمة المعارضين، ونشر معلومات مضللة، بحسب تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي عام 2022. لم تستثنِ هذه الحملة أحداً؛ إذ امتد تأثيرها من العاصمة إلى أطراف البلاد. ووفقاً لألكسندر ديوردييفيتش، الصحفي في شبكة البلقان للتحقيقات الاستقصائية، فإن الصحفيين باتوا مستهدفين من قبل الدولة وأجهزتها الأمنية بهدف حماية الحزب الحاكم، مشيراً إلى أن “المؤسسات الديمقراطية في صربيا في خطر شديد”. لدرجة أن اثنين من زملاء جورجييفيتش كانوا هدفاً لمحاولة اختراق بواسطة برنامج التجسس بيغاسوس، بحسب ما كشفه مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية.
على عكس المأساة التي وقعت في نوفي ساد، لم يمت أحد في ديميتروفغراد، وهي بلدة صغيرة تقع في التلال الخضراء بالقرب من الحدود البلغارية. ومع ذلك، فإن الأسئلة المتعلقة بتخصيص العقود العامة هي أيضاً في قلب التوترات بين صحفيي فار وعمدة البلدة فلاديكا ديميتروف. هذا الأخير، أحد مسؤولي حزب “التقدم الصربي” الحاكم، شن هجمات لاذعة ضد منصة فار الإلكترونية طيلة تسع سنوات من حكمه. ففي آذار/مارس 2023، وصف ديميتروف منصة فار بأنها “وسيلة إعلام معارضة”، وذلك في مقابلة مع قناة محلية، بعد أن كشفت فار عن شراء البلدية لسيارة “أودي A6”.
وكانت هذه واحدة من عدة هجمات تعرض لها الصحفي المحلي سلافيشا ميلانوف وزملاؤه منذ تأسيس فار عام 2016.
تسارعت وتيرة الهجمات على منصة فار، عندما بدأ الصحفيون التحقيق في بناء مبنى من أربعة طوابق، في شارع متهالك تقريباً بمدينة بيرو Pirot المجاورة. المبنى، الذي أنشأته شركة البناء المحلية “دروموفي أيه آند دي”، يحتضن عيادة طبية خاصة مجهزة بأحدث التقنيات، ويعمل فيها عشرات الاختصاصيين، من بينهم عمدة البلدة فلاديكا ديميتروف نفسه، الذي يشغل منصب اختصاصي أشعة.
هذا الدور الموازي هو ما دفع صحفيي فار إلى التعمق أكثر في أنشطة رئيس البلدية. فحوّل ميلانوف وزملاؤه تركيزهم نحو دائرة صغيرة من الأفراد والشركات المرتبطة بديميتروف.
ومن بين مالكي مجموعة ديفا ميد، المالكة لمعدات العيادة الخاصة، غوران دينتشيتش، مالك مبنى العيادة، وسنيزانا ميتيتش، شقيقة زوجة العمدة. وتمتلك زوجة غوران دينتشيتش، نيفينا دينتشيتش، حصة 50 في المئة من شركة “دروموفي أيه آند دي” لأعمال البناء والتشييد. وبالتالي يستفيد الزوجان دينتشيتش من العقود الحكومية في منطقة ديميتروفغراد، كما يمتلكان أيضاً مبنى ومعدات العيادة التي يعمل فيها عمدة المدينة اختصاصي أشعة.
ولم تقف شبكة العلاقات عند هذا الحد، فمركز الرعاية الصحية الذي شيّدته شركة “دروموفي أيه آند دي” يوظّف أيضاً شريكة رئيس البلدية، فانيا ديميتروف، وهي طبيبة نسائية وتوليد. أما مديرة مجموعة ديفا ميد (Deva Med)، مايا تسفيتانوفيتش فويانوفيتش، فقد تم تعيينها في إدارة بلدية ديميتروفغراد عام 2019.
ورغم هذه الأدلة الدامغة، جاءت أنباء في أوائل عام 2024 أربكت منصة فار وأوقفت عملها مؤقتاً. عندها قررت فوربيدن ستوريز النزول إلى الميدان لمواصلة التحقيق بجانب صحفيين محليين آخرين.
في صباح يوم مشمس في أواخر آذار/مارس الماضي (2024)، ذهب الصحفي سلافيشا ميلانوف في جولة بمواقع البناء التابعة لشركة “دروموفي أيه آند دي”، في مدينتي بيرو وديميتروفغراد، وهي الشركة المعروفة بصلتها الوثيقة بعمدة البلدية والعيادة الخاصة. وفي أحد المواقع، لاحظ ميلانوف تجديد الرصيف بالكامل بأحد الشوارع، مقابل شوارع أخرى بدت في حالة متهالكة.
بمظهره الذي يشبه مرشداً جبلياً، مرتدياً سترة برتقالية ونظارة شمسية رياضية، كان ميلانوف يعرف كل زاوية وشارع من هذه المنطقة الجبلية الوعرة، المتأثرة بالتاريخ العثماني، بالإضافة إلى أحداث مظلمة عن حالات اختفاء قسري وقعت في عهد تيتو، وهي لا تزال عالقة في ذاكرة السكان المحليين حتى اليوم.
لكن قبلها بشهر تقريباً، في شباط/فبراير 2024، بينما كان ميلانوف يقود سيارته، أوقفته الشرطة واقتادته إلى أقرب مركز. وأثناء استجوابه حول أنشطته الصحفية، تم تثبيت برنامج تجسس على هاتفه الذكي. هذا البرنامج كان قادراً على استخراج الرسائل المشفرة، والصور الشخصية، وأسماء مصادره، بما في ذلك الأشخاص الذين زودوه بمعلومات عن علاقة رئيس البلدية بالعيادة الخاصة. بعض هؤلاء المصادر قطعوا كل تواصل مع ميلانوف بعد هذا الحادث.
البرنامج التجسسي يُعرف باسم NoviSpy، وتم رصده من قبل خبراء في مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، بعد أن لاحظ ميلانوف تعطّل اتصال الهاتف بالإنترنت “والواي فاي” أثناء الاستجواب.
وفي تقريرها، أشارت منظمة العفو الدولية إلى وجود صلات واضحة تربط برنامج NoviSpy بجهاز الاستخبارات الصربي BIA، ما يشير إلى تورطه بشكل مباشر في الحملة التجسسية. تواصلت فوربيدن ستوريز مع وكالة الاستخبارات الصربية (BIA) والسلطات الرسمية في صربيا، لكنهم لم يردّوا على طلباتنا بالتعليق.
لم تكن هذه إلا عقبة جديدة في طريق تحقيق محفوف بالمخاطر أصلاً. لم يتمكن صحفيو فار من نشر هذه التفاصيل على موقعهم الإلكتروني؛ خوفاً من الملاحقة القضائية. وبدلاً من ذلك، لجأوا إلى مشاركة بعض هذه المعلومات على حساباتهم الشخصية في فيسبوك، كنوع من التحدي للمناخ القمعي الذي يزداد سوءاً وتشدداً.
وعلى الرغم من أن منظمة العفو الدولية كشفت عن عملية الاختراق في كانون الأول/ديسمبر 2024، لم تهدأ الأوضاع، بل ازدادت توتراً. وفي شباط/فبراير، اتُهم سيرجي إيفانوف، زميل ميلانوف، من قِبل رئيس البلدية بمحاولة رشوة مسؤولين محليين منتخبين؛ ما دفع الصحفي إلى تقديم شكوى رسمية.
لا يشك ميلانوف وزملاؤه في أن تحقيقاتهم الكاشفة لوجود المحاباة والمحسوبية، التي يقوم بها عمدة المدينة، خاصة ما يتعلق بشركة “دروموفي أيه آند دي” والعيادة، تسببت في موجة العداء نحوهم. فهم على قناعة تامة بأن العقود العامة، خلال السنوات الأخيرة، صيغت بطريقة تخدم مصالح “دروموفي أيه آند دي”، وتقصي أي منافسين محتملين. أُسست شبكة من المصالح المترابطة، فالعمدة وزوجته يعملان في عيادة مرتبطة بسلفته، وهي العيادة التي يشارك فيها أيضًا الزوجان دينتشيتش، اللذان يملكان جزءاً من شركة دروموفي أيه آند دي. اتفاق يخدم الطرفين على حساب سكان ديميتروغراد، حيث تظهر بوضوح عيوب بعض مشروعات البناء التي تنفذها الشركة.
جولة قصيرة في الشارع الرئيسي للمدينة تكشف آثار غياب المنافسة. ففي الأعلى، تتدلّى أضواء زينة تبعث البهجة بين أعمدة الإنارة، لكن على الأرض، تروي الأرصفة حكاية مختلفة: بلاطات متشققة، وأجزاء غائرة، رغم أن هذه الأرصفة قد تم تجديدها على يد “دروموفي أيه آند دي” قبل نحو عام فقط. وعند توجيه الاستفسارات حول هذه المشكلات وغيرها، التزمت الشركة الصمت ولم تصدر أي رد.
وفقاً لصحفيي منصة فار، تُعدّ هذه القضية دليلاً على التلاعب بالعقود العامة في ديميتروفغراد.
وبينما كان المقاول يوفان روجيتش غارقاً يفحص وثائق متناثرة على طاولة صفراء صغيرة بمقر موقع فار، اكتشف الحقيقة الخفية وراء العرض الذي شارك فيه في آب/أغسطس 2023، بصفته رئيساً لشركة منافسة لشركة دروموفي أيه آند دي، وناشطاً في هذا القطاع منذ 33 عاماً. مستندات المحاسبة التي حصل عليها ميلانوف وزميله إيفانوف، دعمت نظرية أن بلدية ديميتروغراد منحت شركة دروموفي أيه آند دي معاملة تفضيلية.
أكثر ما أثار استياء روجيتش هو البند المتعلق باستبدال وتجديد 220 حجراً خرسانياً على الرصيف، والتي أصدرت الشركة فاتورة بها بقيمة “صفر يورو”. بالنسبة له، كانت الرسالة واضحة: لم يتم استبدال أي من هذه الأحجار، والبلدية لم تعترض. يقول روجيتش، الذي يعتقد بوجود اتفاق غير رسمي بين العمدة وشركة دروموفي أيه آند دي، لضمان فوز الشركة: “حسبت تكلفة المناولة، والنقل، والتركيب، والتلبيس وفقاً لبنود العقد العام والأسعار المعتمدة. لولا ذلك، كان عرضي سيكون أقل وربما كنت فزت بالعقد”.
تمكّن إيفانوف وميلانوف من اكتشاف بندين آخرين في فواتير شركة دروموفي أيه آند دي، لنفس موقع البناء: حاجز ولوحة إعلانات بتكلفة 500 يورو تقريباً، ووفقاً للصحفيين الذين تقع مكاتبهم بالقرب من الموقع، لم يكن لهذين البندين أي أثر على الأرض.
أما العمدة، فأنكر كل هذه الادعاءات، مشدداً على أن “الحاجز واللوحة قد تم تركيبهما بالفعل، بحسب تقارير الجهة الرقابية المشرفة على المشروع”، ونفى وجود أي محاباة في إجراءات التعاقد الحكومي. وفيما يخص العلاقة المزعومة بين العيادة الخاصة في بيرو وشركة دروموفي أيه آند دي، كرر العمدة وغوران دينتشيتش (عبر شركته Deva Med Group) ذات الموقف الدفاعي، موضحين أن “العيادات العاملة ضمن المبنى نفسه لا تتبع المجموعة، ولا تربطها بها علاقة ملكية”.
كما أكدت المجموعة لفوربيدن ستوريز أنها “لا تملك أي علاقة تجارية مع شركة دروموفي أيه آند دي، أو مع بلدية ديميتروغراد”. (الشركتان اللتان تم ذكرهما في بيان المجموعة، لم تردا على طلبات التعليق).
من جهته، يرى العمدة فلاديكا ديميتروف أن ما يجري ليس أكثر من “فرصة استثمارية متاحة لجميع الأطباء، بمن فيهم نحن، ضمن حقوق قانونية متساوية للجميع”.
ووفقاً للصحفيين سيرجي وسلافيشا، فإن هذه المخالفات المزعومة هي جزء من علاقة مالية أوسع بكثير.
ولتقصي الحقيقة، قرر فريق العمل تحليل جميع العقود الحكومية التي فازت بها شركة دروموفي أيه آند دي منذ عام 2021. وأظهر التحليل الذي أجراه كل من فار وفوربيدن ستوريز، أن قيمة العقود التي فازت بها الشركة وشركاؤها بلغت نحو 6 ملايين يورو، منها 1.7 مليون يورو في مدينة ديميتروغراد وحدها.
ومن أصل 58 عقداً، كان أكثر من 40 في المئة منها ضمن مناقصات لم يتقدّم لها سوى دروموفي أيه آند دي وشركاؤها. وهو ما يراه المحامي المختص في المشتريات العامة، راستكو ناوموف، مؤشراً واضحاً على وجود تلاعب: “هذا يعني أن معايير منح العقد ربما كانت مصممة خصيصاً لمقدم عرض معين من خلال المواصفات الفنية أو المعايير النوعية”.
تم تأكيد هذا النمط من التلاعب في مناقصة أخرى أعلنت عنها بلدية ديميتروغراد في نهاية عام 2023، لترميم شارع “مارشالا تيتا” في أطراف المدينة. ومن بين المعايير الفنية التي فرضتها البلدية، أثار شرط يتعلق بقدرة المتقدّمين على إنتاج الأسفلت استياء شركة Kubiktrans Plus، وهي إحدى الشركات المنافسة لشركة دروموفي أيه آند دي.
قدّمت الشركة طعناً رسمياً إلى اللجنة الجمهورية لحماية الحقوق في إجراءات الشراء العام، وحصلت فوربيدن ستوريز على نسخة من هذا الطعن، الذي جاء فيه: “لا يوجد سوى مصنع واحد في نطاق 70 كيلومتراً يستوفي شرط القدرة الإنتاجية المطلوبة، ما قد يؤدي إلى خلق وضع احتكاري”.
المحامي المختص في المشتريات العامة، راستكو ناوموف، أشار إلى أن “مثل هذه المتطلبات قد تكون مؤشراً على وجود فساد واتفاقات غير مشروعة بين الجهة المانحة للعقد والمتقدّم”.
أما رد بلدية ديميتروغراد على الطعن الإداري، فقد جاء رافضاً للانتقادات، وبرّرت الشروط الصارمة بوصفها “تجارب سيئة سابقة”.
وبعد رفض طعن شركة Kubiktrans Plus، تقدمت شركة واحدة فقط بطلب للحصول على العقد العام الذي تزيد قيمته على 340 ألف يورو: شركة دروموفي أيه آند دي. وهو المبلغ الذي سيتجاوز في نهاية المطاف 480 ألف يورو، بعد أن تقدمت البلدية بطلب أعمال إضافية.
تؤكد هذه المعلومات الحصرية شكوك صحفيي منصة فار بوجود محاباة تتعلق بالعقود العامة، يمارسها عمدة بلدية ديميتروفغراد.
في مطعم تقليدي يقع بمحاذاة السكة الحديد، يجلس سلافيشا ميلانوف مفعماً بالأمل بأن الحراك الذي تشهده البلاد بدأ بالفعل بتغيير “عقلية الناس”، حتى داخل بلدته ديميتروغراد. ويستدل على ذلك باندلاع التظاهرات المناهضة للفساد التي شهدتها المدينة منذ مطلع العام.
وخلال حديثه معنا، كان ميلانوف منشغلًا بهاتفه الذكي؛ جهاز جديد خضع لفحص دقيق من خبراء في الأمن السيبراني، بعد أن تعرض هاتفه السابق للاختراق.
يقول ميلانوف: “بعد اقتيادي إلى مركز الشرطة واكتشافي أن أحدهم تصفح محتويات هاتفي، شعرت بالصدمة. كان الأمر جنونياً. لقد أدركت حينها أن الجهة التي يفترض بها أن تحميني كمواطن، هي نفسها التي انتهكت خصوصيتي. شعرت بالغضب، وخيبة الأمل، وانعدام الثقة، والخوف”.
في ديميتروغراد، كما في سائر أنحاء صربيا، على الصحفيين الذين يحققون في قضايا الفساد أن يبقوا في حالة تأهب دائم.