زيمبابوي.. الصيد الثمين في رحلة سفاري أرصدة الكربون الإماراتية
أحمد صبري*
يستعرض هذا التقرير الموسع النشاط المحموم الذي تقوم به شركة بلو كاربن الإماراتية الناشئة، لشراء أرصدة الكربون في الأسواق الإفريقية، مع التركيز على نموذجين هما: ليبيريا وزيمبابوي، وذلك قبيل انطلاق قمة المناخ العالمية COP 28، استناداً إلى المادة 6.2 من اتفاقية باريس للمناخ، والتي تبدو أنها مادة إشكالية. كما يحاول التقرير الاقتراب من كيفية تخطيط الإمارات، من خلال شركة Blue Carbon، للتأثير في مفاوضات COP28 بشأن آليات تجارة الكربون، التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.تبذل الإمارات العربية المتحدة كل الجهود للترويج لنفسها كدولة رائدة في مجال أرصدة الكربون، قبل فترة وجيزة من قمة المناخ العالمية، التي تجرى بدولة الإمارات العربية المتحدة أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وتبدو شركة بلو كاربن -المملوكة لأحد أفراد الاسرة الحاكمة- واجهة لذلك؛ إذ استحوذت على جزء مهم من أسواق أرصدة الكربون الإفريقية، وفق عقود مع حكومات كانت مثار انتقادات.
في 14 آب/أغسطس 2023، وقّعت حكومة زيمبابوي -ممثلة بوزير البيئة والمناخ والسياحة، نكوبيزيثا مانغاليسو ندلوفو- مذكرة تفاهم مع شركة بلو كاربن الإماراتية ورئيستها التنفيذية جوزيان ساداكا، بخصوص مشاريع أرصدة الكربون، تشمل استخدام الغابات والأراضي بالدولة على مساحة تبلغ سبعة ملايين وخمسمئة ألف هكتار (75 ألف كيلومتر مربع).
لكنّ توقيع مذكرة التفاهم هذه سبقته وتلته تعديلات قانونية، مهّدت لهذا التوقيع، بالإضافة إلى عقود أرصدة الكربون التي وقّعتها حكومة زيمبابوي مع شركة بلو كاربن الإماراتية؛ الأمر الذي ترتب عليه حرمان المجتمعات المحلية من حقوقها. فعلى الرغم من إبرام هذه العقود قانونياً، إلا أنها تمّت عبر طرق ملتوية؛ ما يطرح عدة أسئلة: لماذا تغيرت القوانين المتعلقة بالاستفادة من أرصدة الكربون لدى زيمبابوي بين عشية وضحاها؟ وكيف تأثرت المجتمعات المحلية بهذه الاتفاقات؟
ما هي أرصدة الكربون؟
أرصدة الكربون، هي نوع من التصريح حيث إن رصيد الكربون الواحد القابل للتداول يعادل طناً واحداً من ثاني أكسيد الكربون، أو ما يعادله من غازات دفيئة مختلفة تمّ تخفيضها أو عزلها أو تجنبها، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
تُباع أرصدة الكربون وتشترى؛ فيمكن للشركات أو الأفراد استخدام أسواق الكربون، لتعويض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، عن طريق شراء أرصدة الكربون من الكيانات التي تقوم بإزالة أو تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.
تشمل أرصدة الكربون مجموعة من الأنشطة، التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي؛ مثل زراعة الأشجار وتحسين استخدام الأراضي.
لعبة القوانين:
في أيّار/مايو 2023، اتخذت حكومة زيمبابوي قراراً مثيراً للجدل، بإلغائها مشاريع الكربون القائمة. وزير البيئة والمناخ في زيمبابوي قال حينها إن الحكومة ستنظم عن كثب تجارة انبعاثات الكربون؛ للحد من الغسل الأخضر وضمان استفادة المجتمعات المحلية. وأضاف الوزير أن الحكومة ستحصل على 50 في المئة من إجمالي الإيرادات من مشاريع الكربون، مع تحديد نسبة المستثمرين الأجانب بـ 30 في المئة، فيما تذهب النسبة المتبقية إلى المجتمعات المحلية؛ في خطوة فاجأت الأسواق العالمية.
لكن في 18 آب/أغسطس 2023، تحرك وزير البيئة والمناخ ضد ما سمّاه “غسل المناخ” في مايو، فتمّ تعديل القانون المُنظِم لتجارة أرصدة الكربون، ليشمل التعديل إعادة توزيع حصص الإيرادات على نحو يُمكّن أصحاب المشاريع من الاحتفاظ بحصتهم الإجمالية من الأرباح، البالغة 70 في المئة، في حين تحتفظ الدولة بنسبة 30 في المئة، وتوزّعها على الخزانة والسلطات المحلية المختصة، بالإضافة إلى تغطية الاستثمارات المتعلقة بتغير المناخ للسنوات العشر الأولى من تشغيل المشروع؛ لكن بحلول السنة الحادية عشرة تتمّ إعادة التفاوض بشأن حصة العائدات، مع مراعاة “الظروف السائدة”.
وفي 25 أيلول/سبتمبر 2023، نشرت الجريدة الرسمية، تعديل القانون.
في مقابلة مع بلومبيرغ، حاول وزير البيئة والمناخ في زيمبابوي، مانغاليسو ندلوفو، تبرير هذه التعديلات بالقول: “إننا نقوم بذلك لنتمكن من المنافسة على جذب الاستثمارات المناسبة، وإن كل مشروع هو استثمار في المجتمع، الذي سيظل يستفيد من نسبة الـ 30 في المئة التي تذهب إلى الحكومة”.
وبحسب تحليل قانوني للوائح تجارة أرصدة الكربون في زيمبابوي، أصدرته ZELA -وهي منظمة غير حكومية تركز على تعزيز العدالة البيئية- فإنه لا توجد أدلة أو تقارير تشير إلى قيام السلطات بإجراء مشاورات عامة واسعة النطاق قبل نشر اللوائح في الجريدة الرسمية. وفي تعليقه على ذلك، يقول جون ألسون* الخبير في سياسات أسواق الكربون العالمية، إن من الممكن أن تكون “بلو كاربن” قد قامت بالتأثير من أجل إجراء هذه التعديلات، لكنّه يعتقد أيضاً بوجود تأثير في سوق الكربون الطوعية؛ إذ كان هناك بعض التراجع نيابة عن بعض الجهات الفاعلة، عندما اقترحت زيمبابوي هذه اللائحة، التي تغيرت الآن لتعطي حصة أعلى للمطورين أو المستثمرين.
من جهتها ترى ألكسندرا بنيامين، مسؤولة حملات إدارة الغابات في منظمة فيرن البيئية أن تعديل القوانين يُمكن أن يكون شيئاً إيجابياً، إذا تمّ بطريقة تشاورية، مع المجتمعات المحلية والمدنية، تعزز مشاركتهم في صياغة القوانين. لكن في هذا القانون، لم تتمّ استشارة الناس فيه، ويُنفذ غالباً لمصلحة أصحاب الصناعة.
وبحسب بنيامين، فإن هناك بعض المخاوف من هذه الاتفاقيات؛ لوجود الكثير من الأراضي غير الآمنة في إفريقيا، حيث تقوم هذه البلدان بالتوقيع على مشاريع لاستغلال أراضيها، من دون التفكير في جدية الطرف الثاني، والتأكد من استفادتها من الاتفاقية، ومدى الوفاء بإسهاماتها المحددة وطنياً، وإمكانية الاستمرار في التحول بشكل عادل خلال أزمة المناخ.
في 29 أيلول/سبتمبر 2023، وقّعت حكومة زيمبابوي، ممثلة بوزير البيئة والمناخ والسياحة نكوبيزيثا مانغاليسو ندلوفو، اتفاقية بقيمة مليار وخمسمئة مليون دولار مع شركة بلو كاربن الإماراتية، ورئيستها التنفيذية جوزيان ساداكا، وبحضور الرئيس الزيمبابوي إيمرسون دامبودزو منانجاجوا، والشيخ أحمد دلموك آل مكتوم، رئيس شركة بلو كاربن.
“من المتوقع أن يسدّ المشروع الفجوة التمويلية لحكومة زيمبابوي بما يصل إلى 200 مليون دولار، مع تمكين البلاد من توليد أرصدة كربون عالية الجودة لاستخدامها في سوق الكربون الدولي”، الرئيس الزيمبابوي.
تواريخ مهمة لفهم حملة إصلاح القوانين
أيّار/مايو 2023: ألغت الحكومة مشاريع الكربون القائمة، وحدّدت إجمالي حصتها من إيرادات مشاريع الكربون بـ 50 في المئة، في حين تحصل المجتمعات المحلية على نسبة 20 في المئة، أما الـ 30 في المئة المتبقية فتذهب إلى مطوّري المشاريع.
14 آب/أغسطس 2023: وقّعت حكومة زيمبابوي مذكرة تفاهم مع شركة بلو كاربن الإماراتية.
18 آب/أغسطس 2023: أعلن وزير البيئة والمناخ، تعديل القانون المتعلق بأرصدة الكربون، يُحدّد حصة مطوّري أرصدة الكربون بـ 70 في المئة، من عائدات العقد الأول من المشروع، مقابل 30 في المئة لدولة زيمبابوي.
25 أيلول/سبتمبر 2023: نشرت الجريدة الرسمية تعديل قوانين الكربون، المُعلن عنها في آب/أغسطس.
29 أيلول/سبتمبر 2023: وقّعت الحكومة الزيمبابوية اتفاقية بقيمة مليار وخمسمئة مليون دولار، مع شركة بلو كاربن الإماراتية، لتوليد أرصدة الكربون من نحو خُمس مساحة اليابسة في زيمبابوي.
تبلغ مساحة الأراضي التي تغطّيها مذكرات التفاهم المُوقّعة من “بلو كاربن” مع تنزانيا، وليبيريا، وزامبيا، وبابوا غينيا الجديدة، وزيمبابوي، نحو 24.5 مليون هكتار (245 ألف كيلومتر مربع).
المجتمعات المحلية واتفاقيات بلو كاربن:
وفق بيان نشرته بلو كاربن، فإن إحدى النتائج المهمة لهذا التعاون، هي إنشاء برامج رعاية المجتمع؛ يتمّ من خلالها استخدام رأس المال الناتج من أرصدة الكربون، في تمويل مشاريع اجتماعية مختلفة، تهدف إلى رفع مستويات المعيشة للمجتمعات المحلية في نطاق المشروع. وستشمل هذه المبادرات قطاعات حيوية، مثل الرعاية الصحية والتعليم وبناء القدرات وإنشاء الصناعات المنزلية، كما سيتمّ وضع برامج بناء القدرات، لتمكين القوى العاملة المحلية من المشاركة في مشاريع الكربون، والاستفادة من سبل العيش المستدامة.
وبحسب البيان، فقد أكد الوزير الزيمبابوي إيمانه بأن العمل المناخي الفعال، يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع مسار تمكين المجتمع.
لكن لا توجد تفاصيل واضحة عن برامج الرعاية المجتمعية، وكيفية إدارتها، وموافقة المجتمعات المحلية على المشاركة فيها، وفهمها للدور الذي ستقوم به في اتخاذ القرارات المتعلقة بهذه البرامج.
وفي هذا السياق، تقول ألكسندرا بنيامين: “إن الموافقة الحرة والمسبقة، تعني وجوب التأكد من أن الأشخاص أصحاب الصلة بهذه الصفقات يفهمون ما يقحمون أنفسهم فيه، وأنهم قادرون بعد ذلك على الحصول على ما يكفي من الوقت ليقرروا ما يريدونه، ومن ثمّ يكون لهم رأي في اتخاذ القرار”.
من جانبه، يقول جون ألسون، الخبير في سياسات أسواق الكربون العالمية، إن هناك عدم وضوح بشأن نوايا شركة بلو كاربن؛ الأمر الذي يُثير المخاوف حول ما تمّ الكشف عنه حتى الآن، خاصة فيما يتعلق بالنزاهة والسلامة البيئية، والمجتمع المحلي؛ وهي قضايا قد لا تكون على رأس أولويات الشركة الإماراتية.
ويضيف ألسون: “على سبيل المثال مذكرة التفاهم مع زيمبابوي تغطي نحو 20 في المئة من مساحة اليابسة هناك، وهي مساحة هائلة، لكن عندما يرى المرء مثل هذه الأرقام الضخمة، دون ذكر مزيد من التفاصيل حول ما سيتمّ تنفيذه عملياً، مع غياب الشفافية؛ فمن المنطقي أن يبدأ المرء بالتشكيك في هذا الأمر والقلق من تبعاته”.
جوزيان ساداكا، الرئيسة التنفيذية لشركة بلو كاربن تقول: “من خلال هذا التعاون مع حكومة زيمبابوي، نحن على ثقة من أن مشاريع الكربون الخاصة بنا لن يكون لها تأثير إيجابي في البيئة فحسب؛ بل ستؤدي أيضاً إلى تحسين وتطوير حياة الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى ذلك”. لكن لم يذكر بيان الوزير الزيمبابوي، ولا الرئيسة التنفيذية لشركة بلو كاربن، آلية محددة لتطوير وتحسين حياة الأشخاص في هذه المجتمعات.
وتطرح هذه الاتفاقات -الني يراها الخبراء منقوصة ولا تمنح المجتمعات المحلية حقها في التنمية والتمكين- عدة إشكاليات حول شفافيتها.
المادة الملتبسة
مرة أخرى، تستند شركة بلو كاربن الإماراتية في تعاملاتها إلى المادة 6.2 من اتفاقية باريس، فتذكر الشركة في بيانها توافق هذه الشراكة الرائدة مع أهداف اتفاقية باريس، وتؤكد تفاني كل من شركة بلو كاربن وحكومة زيمبابوي في قيادة التغيير، من أجل مستقبل أكثر اخضراراً واستدامة وإنصافاً.
وما زالت السيرة الذاتية للشركة وعمرها تطرحان أسئلة كثيرة، وفق ألكسندرا بنيامين التي تقول إن شركة بلو كاربن -التي لا يتجاوز عمرها عاماً واحداً- لم تقم ببيع أي أرصدة كربون في السوق؛ أي ليس لديها أي خبرة في هذا القطاع، وعلى الرغم من ذلك، وقّعت الشركة عدداً كبيراً من مذكرات التفاهم.
الغسل الأخضر
بحسب ورقة بحثية، نشرتها الدكتورة زكية مقري، من جامعة باتنة في الجزائر، فإن “الغسل الأخضر” (Greenwashing) هو تضليل المستهلكين بشأن الممارسات البيئية للشركة أو الفوائد البيئية لمنتج أو خدمة ما. وتعرّف منظمة CorpWatch “الغسل الأخضر” بأنه سلوك تنتهجه الشركات الضارة، من وجهة نظر بيئية أو اجتماعية، في محاولة للحفاظ على أسواقها وتوسعها بادعاء أنها صديقة للبيئة، وأنها رائدة في الكفاح من أجل القضاء على الفقر.
تقول ألكسندرا بنيامين مسؤولة حملات إدارة الغابات في منظمة فيرن البيئية، بالنظر إلى شركة بلو كاربن، سنجد أنها وقّعت اتفاقيات مع عدة منظمات لديها استثمارات في النفط وأنواع أخرى من الوقود الأحفوري، وقد أصبح تعويض الكربون وسيلة لشركات مختلفة، لإضفاء الطابع الأخضر على أنشطتها الحالية، من دون الحاجة إلى إجراء تخفيضات حقيقية في انبعاثاتها.
وتضيف بنيامين أنه إذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تريد حقاً الالتزام بأهداف تغير المناخ، فيتعين عليها أن تفكر في التخفيض الشامل والسريع والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
“إذا كنت ستستثمر في مشاريع تعويض الكربون والاحتفاظ بالوقود الأحفوري، فلن يكون لديك حل لتغير المناخ، أعتقد أن هذا النوع من تعويض الكربون لدولة غنية بالنفط مثل الإمارات العربية المتحدة، هو عملية غسل أخضر، ولا يمكن قبوله”، وفق بنيامين.
وسبقت زيمبابوي دولاً أفريقية أخرى، في شراكة رحلة سفاري الكربون المستمرة، التي تنظمها الإمارات قبيل انطلاق قمة المناخ العالمية نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وما تزال شهية الإمارات مفتوحة تجاه المساحات الشاسعة من الغابات الإفريقية، التي تقع تحت حكم قادة يسعون للحصول على المال، لتثبيت أركان حكمهم أولاً، وإن كانت شعوبهم تعيش في فقر مدقع.
ليبيريا وبلو كاربن… دولة داخل شركة
أُسست مبادرة أسواق الكربون الإفريقية (ACMI)، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (COP27)، الذي نُظّم بمدينة شرم الشيخ المصرية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022؛ ضمت المبادرة دولاً إفريقية، مثل: كينيا، ونيجيريا، والغابون، إضافة إلى مؤسسات خيرية غربية، هدفها زيادة عدد أرصدة الكربون المتولدة في القارة الإفريقية من 16 مليون سنوياً في عام 2020، إلى ما بين 250 و300 مليون طن بحلول عام 2030.
”في قمة المناخ الإفريقية، طرحت خطة طموحة لتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة في جميع أنحاء إفريقيا؛ مدعومة بالتزام بقيمة 4.5 مليار دولار من دولة الإمارات العربية المتحدة وشركائها، ودعوة للقادة الأفارقة لتهيئة البيئة المواتية لتدفق التمويل”، سلطان الجابر، رسالة COP28.
وخلال قمة المناخ الإفريقية التي جرت أعمالها في كينيا (من 4 إلى 6 أيلول/سبتمبر 2023)، تحولت القارة إلى سوق للمضاربين على أرصدة الكربون؛ إذ أعلنت “مبادرة أسواق الكربون الإفريقية” عن اتفاقية غير ملزمة لشراء أرصدة كربون بقيمة 450 مليون دولار من تحالف الكربون الإماراتي.
ويضم التحالف الإماراتي –الذي أُنشئ منتصف شهر حزيران/يونيو 2023، وترأسه الشيخة شما بنت سلطان بن خليفة آل نهيان- كلاً من بنك أبوظبي الأول (FAB)، وشركة مبادلة للاستثمار (مبادلة)، وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة (طاقة)، وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، بالإضافة إلى الاتحاد الدولي للصناعات التحويلية (UICCA وAirCarbon Exchange – ACX).
بحسب تقرير رويترز، فإن 11 في المئة من أرصدة الكربون الصادرة في جميع أنحاء العالم، بين عامي 2016 و2021، جاءت من مشاريع في إفريقيا. بالإضافة إلى أن غابات إفريقيا تمتص 600 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام؛ وهو ما يفوق أي نظام بيئي للغابات على وجه الأرض.
“أكثر من ثلثي البلدان تعتزم استخدام أسواق الكربون للوفاء بإسهاماتها الوطنية لمكافحة تغير المناخ في إطار اتفاق باريس”، وفق مجموعة البنك الدولي.
يقول جون ألسون، الخبير في سياسات أسواق الكربون العالمية، إنه من الممكن أن يؤثر الوعد بالتمويل في وجهات نظر البلدان الأخرى؛ فمن الواضح أن هناك فجوة مالية كبيرة في العديد من البلدان، خاصة الإفريقية التي لا تتلقى التمويل الذي ينبغي أن تحصل عليه من البلدان المتقدمة.
ويضيف ألسون “عندما تكون هناك مبادرات مثل هذه، أو مشاريع كبيرة تعد بإيرادات عالية تتعلق بأسواق الكربون، من الممكن أن يؤثر ذلك في الديناميكيات التي ستدخل في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين؛ لذلك من المؤكد أن يكون ذلك عاملاً مؤثراً”.
تواريخ مهمة في حياة بلو كاربن
تشرين أول/أكتوبر 2022، تأسيس بلو كاربن.
تشرين أول/أكتوبر 2022، في الشهر نفسه من تأسيس بلو كاربن، نظّمت الشركة ورشة عمل مع وزير الزراعة الانغولي في دبي.
تشرين ثاني/نوفمبر 2022، وقّع وزير التعليم العالي والبحث والتكنولوجيا والرياضة لدولة بابو غينيا الجديدة اتفاقية مع بلو كاربن.
شباط/فبراير 2023، وقّعت شركة بلو كاربن مذكرة تفاهم مع حكومة تنزانيا.
شباط/فبراير 2023، وقّعت شركة بلو كاربن مذكرة تفاهم مع حكومة زامبيا.
25 آذار/مارس 2023، وقّعت شركة بلو كاربن مذكرة تفاهم مع حكومة ليبيريا.
نيسان/أبريل 2023، نظّمت شركة بلو كاربن ورشة عمل لمدة ثلاثة أيام في دبي، مع وفد من حكومة ليبيريا.
14 آب/أغسطس 2023، وقّعت شركة بلو كاربن مذكرة تفاهم مع حكومة زيمبابوي.
وقّعت شركة بلو كاربن، مذكرات تفاهم مع حكومات ليبيريا، وتنزانيا، وزامبيا، وزيمبابوي لإدارة مساحات شاسعة من غاباتها، وإنتاج أرصدة الكربون. إجمالي المساحات التي ستستحوذ عليها الشركة هي خُمس زيمبابوي (75000 كم مربع)، وما يقرب من عُشر ليبيريا (10000 كم مربع) وزامبيا (80000 كم مربع)، و8 في المائة من تنزانيا (80000 كم مربع). كما اتصلت الشركة أيضاً بدولة إفريقية أخرى ذات غابات جيدة، وهي أنغولا. ما يعني أن نصيب بلو كاربن سيكون 245 ألف كيلومتر مربع…. في حين أن مساحة دولة الإمارات العربية المتحدة 83.6 ألف كيلو متر مربع، أي أنها ستسيطر على أراضٍ تعادل (تقريباً) ثلاث مرات مساحة بلادها.
وبحسب مسوّدة العقد، التي اطلع معدّ التحقيق على نسخة منها، بين حكومة ليبيريا وشركة بلو كاربن، ستحصل الشركة الإماراتية على مليون هكتار (10000 كم مربع) من غابات ليبيريا، ويرى جوناثان يايا، الناشط البيئي الليبيري، والقائم بأعمال المدير التنفيذي لمعهد التنمية المستدامة (SDI)، أن هذا العقد يتضمن العديد من أوجه الخلل، ويقول: “إذا مررت بالعقد نفسه، فهناك بعض الانتهاكات التي يجب الإبلاغ عنها، على سبيل المثال، حجم الامتياز، فلا يوجد قانون يسمح بهذا الحجم من الامتياز للكربون في الغابات؛ لأن أكبر مساحة يمكن منحها لامتياز الغابات في المرة الواحدة للعطاء، يجب ألا تتجاوز أربعمئة ألف هكتار، وفقاً لقانون الغابات”.
وفي قرار صدر مؤخراً عن لجنة المشتريات العامة، التابعة لمجلس الوزراء الليبيري، الداعم للصفقة التي وُقّعت في 25 آذار/مارس 2023، يتبيّن عدم إجراء مناقصة تسمح بدخول أطراف أخرى، وجاء في الوثيقة التي نشرتها اللجنة: “ناقش مجلس الوزراء وأقر طريقة الشراء من المصدر الوحيد لتجارة أرصدة الكربون المقترح من بلو كاربن، بناء على المادة 101 (1) (د) من قانون المشتريات العامة والامتيازات”.
وبالعودة إلى المادة 101 (1) (د) من قانون المشتريات العامة والامتيازات الليبيري، نجدها تنص على “أن يكون الامتياز فيما يتعلق بالمصلحة الوطنية الاستراتيجية أو الوطنية، الدفاع أو الأمن، وليس من المصلحة الوطنية أن يكون هناك أكثر من مقدّم عطاء واحد”.
ويرى جوناثان يايا، أن ما ورد في المادة لا يخدم المصلحة الفضلى لدولة ليبيريا، قائلاً: “نحن كدولة، نتنازل عن حقوقنا ليس لدولة أخرى، بل لشركة في دولة أخرى، إذا كيف يمكن أن يرقى هذا إلى مستوى تصرف الحكومة بما يخدم مصلحتنا؟ لا أرى أن الحكومة تتصرف بما يخدم مصلحة الشعب الليبيري أو حتى المجتمعات المحلية. أعتقد -وهذا قد يكون رأيي الشخصي- أنه قد تكون هناك بعض الحوافز المالية التي قد يحصل عليها الأشخاص المرتبطون بالاتفاقية، هذا هو السبب وراء قيامهم بذلك”.
ومن بين النقاط التي تثير القلق أيضاً في العقد، حصول شركة بلو كاربن على نسبة 70 في المئة من أرباح الكربون الذي يتمّ إنتاجه، في حين تذهب نسبة 30 في المئة إلى الحكومة، وهو بندٌ يراه جوناثان يايا ضد مصلحة المجتمع الليبيري.
ويثير استحواذ شركة وليدة -لا تتمتع بخبرة سابقة في مجال إدارة أرصدة الكربون- على اتفاقية بهذا الحجم، مخاوف الكثيرين، من بينهم جون ألسون الذي يقول: “بالتأكيد جزء من تخوفنا هو أن شركة ظهرت من العدم منذ نحو عام، توقّع مذكرات تفاهم مع الكثير من البلدان، بشأن أمر قد يكون له الكثير من التداعيات؛ ولهذا السبب لدينا الكثير من الاهتمام بمراقبة هذه التطورات، وهناك عوامل كثيرة تدعو للقلق، منها غياب قدر كبير من الشفافية، والسرعة التي وقّعت فيها عدة بلدان على كل مذكرات التفاهم هذه”.
ومن جانب آخر، تجاهلت لجنة المشتريات العامة، التابعة لمجلس الوزراء الليبيري، قانون العام 2009، المتعلق بتمكين المجتمعات المحلية من المشاركة الكاملة في الإدارة المستدامة للغابات في ليبيريا، حيث يقول جوناثان يايا إن العقد مع شركة بلو كاربن ينتهك حقوق المجتمع المحلي.
وفي 18 تموز/يوليو 2023، أصدرت تنسيقية مراقبة الغابات المستقلة (IFMCM) بياناً، بشأن الاتفاقية المقترحة بين ليبيريا وشركة بلو كاربن؛ حذرت فيه من إمكانية أن تنتهك الاتفاقية مع الشركة العديد من القوانين الليبيرية، بما في ذلك قانون حقوق المجتمع لعام 2009، المتعلق بأراضي الغابات، وقانون حقوق الأراضي لعام 2018.
كما أصدر تحالف من منظمات دولية بياناً، طالب فيه حكومة ليبيريا وشركة بلو كاربن بوقف هذه المفاوضات، حتى يكون هناك دليل واضح على أن العقد يتماشى مع القانون الليبيري، وتحديداً قانون حقوق الأراضي وقانون المشتريات والامتيازات العامة.
المادة الملتبسة
المادة 6.2 من اتفاقية باريس
“تعزّز الأطراف، عند المشاركة على أساس طوعي في نهج تعاونية تنطوي على استخدام نتائج تخفيف منقولة دولياً في الوفاء بمساهماتها المحددة وطنياً، التنميةَ المستدامة وتكفل السلامة البيئية والشفافية، بما في ذلك على صعيد الحكم، وتطبق محاسبة محكمة لكفالة جملة أمور منها تجنّبُ الحسابِ المزدوج، تماشياً مع الإرشادات المعتمدة في مؤتمر الأطراف العامل بوصفه اجتماع الأطراف في هذا الاتفاق باريس”.
تختتم لجنة المشتريات الحكومية بمجلس الوزراء الليبيري قرارها، بالتأكيد أن تجارة الكربون المقترحة، تمثل فرصة لليبيريا “لتوليد الإيرادات”، وكذلك تعزيز أهداف التنمية المستدامة؛ بما في ذلك التخفيف من آثار المناخ بموجب المادة 6 من اتفاقية باريس.
ويصف جوناثان يايا الناشط البيئي الليبيري، والقائم بأعمال المدير التنفيذي لمعهد التنمية المستدامة (SDI)، هذا الوضع بالخطير، مضيفاً: “يتعين علينا أيضاً أن نفكر في الإسهامات التي نقدّمها كدولة، والتي يمكننا من خلالها جذب التمويل لإجراءات التخفيف من آثار تغير المناخ الخاصة بنا؛ فإذا أعطينا هذا الحق إلى بلو كاربن، فإننا نسمح لها بأداء الدور الذي من المفترض أن نقوم به كدولة”.
من جهته، يعلق جون ألسون، الخبير في سياسات أسواق الكربون العالمية، على هذه المادة قائلاً: “تسمح المادة 6.2 من اتفاقية باريس، لدول بتبادل أرصدة الكربون مع بعضها البعض على المستوى الأساسي، ولكنّها قد تسمح أيضاً للبلدان ببيع أرصدة الكربون، التي يمكن الترخيص باستخدامها من قبل الشركات أو شركات الطيران، أو الاستخدامات المحتملة الأخرى؛ لذلك يمكن أن يكون الأمر في الواقع أكبر قليلاً من مجرد دولة إلى أخرى”.
ويضيف ألسون أن إحدى المشكلات الواردة في المادة 6.2، هي أن هناك بعض التوجيهات والأحكام العامة، التي تقضي بضرورة أن تكون الاعتمادات حقيقية وإضافية ومحققة، ولكن ليس هناك الكثير من التفاصيل التي قُدّمت لنا، حول ما تشكّله أرصدة كربون ذات نوعية جيدة، أو ما هي القواعد الأخرى التي يجب الالتزام بها، وهذا يعني أن الأمر متروك إلى حد كبير لتفسير الدول التي قد تشارك في مثل هذه الصفقة.
ويرى ألسون أن السبب الرئيسي للمخاوف بشأن المادة 6.2، هو المرونة التي يمكن أن توفرها فيما يتعلق بالصفقات الموقّعة؛ لأنه إطار فضفاض جداً ولا يحدد الالتزامات بشكل واضح.
وبحسب مسوّدة العقد، تمتد الاتفاقية لثلاثين عاماً قابلة للتجديد، وهي فترة طويلة لا تعطي حكومة ليبيريا الحق في استخدام أرصدة الكربون التي تولدها بنفسها، وفق المعارضين للاتفاقية، وسيكون لشركة بلو كاربن فقط الحق في اتخاذ القرار، وما إذا كان سيتمّ بيع أرصدة الكربون وتحديد أسعارها؛ ما يعني أن ليبيريا لن تتمكن من استخدام أرصدة الكربون لتحقيق أهدافها المناخية، وفق الناشطين في مجال البيئة.
تقول ألكسندرا بنيامين، مسؤولة حملات إدارة الغابات بمنظمة فيرن البيئية، إن شركة بلو كاربن تتحدث عن المادة السادسة، وعن شيء لم يتمّ الاتفاق عليه، الأمر غير واضح، وهناك مخاوف بشأن ما إذا كانت شركة بلو كاربن ستتفاوض نيابة عن دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لأنه في الصفقة الليبيرية على الأقل، فإن شركة بلو كاربن لها حق التفاوض نيابة عن ليبيريا.
وتضيف بنيامين: “لم نرَ شركة تتفاوض نيابة عن دولة من قبل على حد علمي، تتساءل عدة منظمات غير حكومية عن كيفية عمل ذلك، وإذا كان ذلك فعّالاً، فإنه سيمنح الإمارات العربية المتحدة المزيد من القوة التفاوضية بشأن المادة السادسة، وهذا أمر ما زلنا لا نفهمه بسبب الصياغة الغامضة للنص، ولكنّه أمر يقلقنا”.
ويتخوف جون ألسون من التلاعب بتطبيق المادة 6.2 من اتفاقية باريس، وغياب الشفافية والمخاطر على البيئة والناس، قائلاً: “أعتقد أن ما يقلق الكثير من الناس -بمن فيهم نحن- هو معرفة النوايا من وراء توقيع هذه الاتفاقيات، هل هو اتفاق محض لتحقيق الأرباح؟ أعتقد أن هناك مخاوف من أن السلامة البيئية ورفاهية الناس على الأرض في تلك البلدان، قد لا تكون على رأس الأولويات، وهذا بالتأكيد مصدر قلق أعرب عنه الكثيرون، ونحن نشعر بالقلق أيضاً إزاء هذا الشيء”.
تواصلنا مع شركة بلو كاربن والحكومة الليبيرية، للتعليق على هذه الاتفاقية والمخاوف التي تحدثت عنها المنظمات البيئية والنشطاء؛ لكنّنا لم نتلقَ رداً حتى تاريخ نشر هذا التقرير.
فيما تبحث البلدان الإفريقية عن مصادر مالية لدعم موازناتها؛ استخدمت الإمارات شركة بلو كاربن طعماً للاستحواذ على أسواق الكربون في بعض هذه البلدان، لتعويض الانبعاثات الناتجة عن أنشطة شركات النفط والغاز في الإمارات التابعة لها، ومن ثمّ الترويج لـ COP28. وفي غياب الشفافية والالتزامات الواضحة في العقود المبرمة، قد يتسبب هذا الإجراء في المزيد من التأثير في تغير المناخ، وفي البيئة والإنسان بإفريقيا؛ ليصبح مجرد استثمار آخر شكلي ومربح في الانبعاثات.
اسم مستعار*