تغذي الحروب والصراعات أزمة المناخ. فإلى جانب التكلفة البشرية الفادحة، تؤدي النزاعات إلى زيادة انبعاثات الكربون، وتدمير النظم البيئية، ونشر التلوث السام. في هذا المشروع، يسلّط صحفيون محليون في غزة الضوء على الكيفية التي تُسرّع بها الحرب وتيرة انهيار المناخ، كاشفين عن الصلة بين اثنين من أكثر التحديات إلحاحاً في عصرنا.
في قطاع غزة المحدود نسبياً، تم إنتاج ما يعادل 652,000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون المكافئ (tCO₂e) في أول 120 يوماً من الحرب، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وفقاً لتقديرات الباحثين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.بحسب تقديرات جامعة لانكاستر فإن ما يقرب من 90 في المئة من هذه الانبعاثات مرتبطة مباشرة بالقصف الجوي، والعدوان البري الإسرائيلي على غزة.
أدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير ما يصل إلى 82 في المئة من الأراضي الزراعية في غزة، ما جعل من الصعب على العديد من الفلسطينيين كسب لقمة العيش وتوفير الغذاء لأنفسهم. ما ينطبق على “انتصار الجراح” التي خسرت أرضها خلال الاجتياحات المتكررة للقطاع. تقول الجراح: “أصبحت هذه الأرض محروقة، حتى لو انتهت الحرب لن تكون الأرض صالحة للزراعة مباشرة”.
بفقدان الأشجار والنباتات، تخسر الأرض حلفاءها الحيويين في امتصاص الكربون، ضمن معركتها ضد الاحتباس الحراري.
في مشهد مدمر، التقت أريج بتحسين ريحان ومحمود أبو وردة، اللذين يحرقان البلاستيك لإنتاج وقود صناعي. ندرة الوقود في قطاع غزة المحاصر، دفعت الناس إلى حرق البلاستيك كوسيلة يائسة للبقاء على قيد الحياة. لكن لذلك كلفة بيئية وصحية باهظة؛ فحرق البلاستيك يطلق ملوثات سامة تهدد صحة الإنسان والبيئة، وينبعث منها أيضاً غازات دفيئة تسرع من تغير المناخ.
إذا انتهت الحرب، فإن أي إعادة بناء ستأتي بتكلفة مناخية كبيرة. تشير التقديرات إلى أن إعادة بناء 100 ألف مبنى مدمر في غزة سينتج عنه نحو 30 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ، وهو ما يعادل الانبعاثات السنوية لنيوزيلندا وأكثر من 135 دولة ومنطقة أخرى. تشمل هذه التقديرات الانبعاثات الناتجة عن إزالة الأنقاض، وإنتاج المواد الإنشائية، واستخدام الآلات الثقيلة.
تقف وراء الحروب الحديثة منظومة صناعية عسكرية هائلة، تصنع الأسلحة وتختبرها وتنقلها، وتشكّل المحرّك الخفي للكثير من الصراعات. وهي عمليات تتطلب طاقة مشتقة من الوقود الأحفوري. تشير التقديرات إلى أن القوات المسلحة في جميع أنحاء العالم مسؤولة عن نحو 5.5 في المئة من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة، ولكن هذه الانبعاثات غالباً ما تمر دون الإبلاغ عنها.
بينما يمكن أن تسرّع الحرب من آثار تغير المناخ، هناك أيضاً احتمال أن يسهم تغير المناخ في إشعال الصراع. مع تزايد الصدمات المناخية والطقس “المتطرف”، يمكن أن تزداد المنافسة على الموارد الشحيحة وتدفع إلى النزوح والهجرة، ما يزيد من التوترات الاجتماعية وإمكانية اندلاع العنف.
هل يمكن للبشرية أن تأمل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية من الكربون، وتحقيق الاستدامة، ومواجهة أزمة المناخ في ظل استمرار آلة الحرب؟
التوقعات مقلقة والصراع العالمي في ازدياد. ازدادت رقعة المناطق المتأثرة بالصراع بنسبة 65 في المئة منذ عام 2021، لتغطي الآن 6.15 مليون كيلومتر مربع، أي ما يقرب من ضعف حجم الهند.
ومع ذلك، إذا كانت الحرب يمكن أن تزيد من أزمة المناخ، فإن وقف الحرب يمكن أن يصبح حلاً قوياً للمناخ. يقدم الاستثمار في السلام والاستدامة والعدالة معاً طريقاً نحو مستقبل قابل للعيش للجميع.