ملخص عملي على تحقيق الأطفال المعاقين في المراكز الخاصة !
بداية الرحلة …..
السادس من شهر نيسان عام 2011، تاريخ لا يزال مرسخ في ذاكرتي فأذكر أني أعلنت يومها عن انضمامي لشبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) والبدء بتنفيذ إحدى التحقيقات الاستقصائية التي تكشف عن جانب مخفي بالمجتمع ، لم تكن الفكرة وليدة الصدفة فإثناء تبادلي لأطراف الحديث مع عدد من الزملاء خلال دورة تدريبية مع معهد الصحفيين الدوليين”ICFJ” ،” بعنوان تغطية قضايا الخدمات العامة” ، اقترح احد الزملاء ان يقوم بعمل تحقيق عن الأطفال المعاقين في المراكز الخاصة ، ولدى استفساري عن الموضوع تبين لي أن شقيقته تعاني ” من متلازمة داو ” وقد تعرضت للضرب إثناء تواجدها في أحد المراكز الخاصة ، وشرح لي عن الانتهاكات التي يسمع بها يوميا عن تعرض الأطفال المعاقين للانتهاك في المراكز .
لم أتردد باقتباس الفكرة منه ، وبعد جهد جهيد اقتنع بالتنازل عنها لي ، لأجد نفسي قد خلعت ثوبي الصحفي وعملت متطوعة لمدة أسبوعين في أحد المراكز الخاصة في عمان لأكشف عن الانتهاكات التي تحدث بداخله بعد بحثي واستفساري عن المراكز الخاصة .
ذكريات سيئة ما زالت تسكن بداخلي وانأ اكتب كلماتي ، فما أزال اذكر ملامح الطفل محمود الذي كان يضرب يوميا أمام ناظري من قبل مشرفته لأنه كثير الحركة والكلام “غير المفهوم ” ، اذكر إنني عندما كنت أعود إلى عملي بعد تطوعي بالمركز أصاب بحالة من الاكتئاب واليأس وتأنيب الضمير فهي المرة الأولى في حياتي التي أجد فيها طفل ضعيف يضرب أمامي وأبقى صامتة ، شاردة الذهن بمن حولي ، فتقمصت شخصية اللامبالاة حتى اكسب ثقتهم ، ولأخرج سالمة أيضا من ذلك المركز فخوف كبير كان يتملكني بين الفنية والأخرى ان يستطع احد الكشف عن هويتي الحقيقة وبالأخص إنني كنت اعمد إلى تشغيل “مسجل الصوت” عند دخولي للمركز لتسجيل صراخ المشرفات وتعاملهم وحديثهم السيئ مع الأطفال .
كثيرا ً ما جاءتني هواجس بأن اترك عمل هذا التحقيق ، لقلة خبرتي ولعدم قدرتي على تحمل مشاهد العنف تحدث أمامي ، إلا ان التوفيق والتقدير من الله وبدعم وعزيمة استطعت إكمال عمل هذا التحقيق .
لم يكن الأمر سهل، فقضيت أسبوعين من العمر داخل المركز ، وبعد خروجي منه وفقني الله بأن أرسل لي بعض الأشخاص في طريقي ساعدوني للوصول إلى بعض من أهالي ليتحدثوا عن تجاربهم مع المراكز ، وتعرض أبنائهم للاعتداءات جسدية وجنسية ولفظية منها ، أثناء تواجدهم بالمركز .
تحديات عدة رافقتني خلال إعدادي للتحقيق ولعل أبرزها ،عدم نجاحي بالتطوع في مركز أخر لرفض المراكز استقبال متطوعين ، فلم استطع ان أوثق مشاهدات شخصية لي في مركز آخر ، فالمراكز تمنع دخول اي شخص ليس له صلة بالمعاق ، أو اي شخص غير العامل بالمركز ، تلك الخصوصية المطلقة أثارت من شكوكي حول أحوال المعاقين داخل تلك الجدار المغلقة .
لم أشعر بأهمية التحقيق إلا بعد مقابلتي لبعض المشرفين “الحاليين والسابقين ” في المراكز الخاصة والذين أكدوا لي تعرض الأطفال المعاقين لاعتداء جنسية من قبل بعض المشرفين أو من قبل المعاقين ذاتهم ، وتستر أصحاب المراكز عليهم والعمد على إخفاء ملامح القضية من اجل المال والمحافظة على سمعة المركز وصاحبه ، أيقنت حينها إنني اعمل على قضية هامة ومؤلمة وأنني سأكشف وأقول ما لم ينطق به احد من قبلي .
توالت معي الإحداث وسابقتها الأيام ، وكنت في كل ساعة أحاول ان أوثق كل كلمة اكتبها بالصوت أو الصورة ، لأكشف عن تلك الانتهاكات الواقعة على المعاقين ، ووسط تغيب الرقابة المكثفة على المراكز بحسب مشاهداتي وتأكيد من الأهل والمشرفين ومدراء مراكز لم استطع ان احمل مسؤولية الانتهاك لأي جهة حكومية ، فالمجلس الأعلى ووزارة التنمية الاجتماعية – الجهات المخولة بالرقابة – كل منهم يحاول ان يتملص من المسؤولية وإلقاء اللوم على الطرف الآخر .
بعد الانتهاء من كتابة النسخة الاولية من التحقيق ومضي ثمانية أشهر اعدت التجربة مرة اخرى بالتعاون مع مؤسسة “bbc” وعدت الى ذات المركز الذي عملت به كمتطوعة في بداية تحقيقي ، وبكل صدق أصبت بحالة من الصدمة والذهول عند دخولي فكل شي قد بقي على حاله ولم يتغير ، سواء ان معاناة الاطفال قد زادت بازدياد عددهم ، واستطعنا الاستعانة بمتطوعة اخرى دخلت الى احد المراكز ذات السمعة السيئة وساعدتنا في توثيق الانتهاكات الحاصلة بداخله.
احدى عشر شهر كانت كفيلة للكشف عن كل الانتهاكات الحاصلة داخل المراكز الخاصة وخارجها بحق الأطفال المعاقين ، وأتوجه بالشكر إلى كل من ساعدني بإنجاز هذا التحقيق واخص بالذكر مشرفتي بالعمل مجدولين علان فكان لها الأثر الأكبر بأعطاني الدعم الكافي لانجاز هذا التحقيق .
نهاية الرحلة …..
كاتبة التحقيق
حنان خندقجي
Leave a Reply