السبيل – «يجب أن تكون عندنا العقلية التشكيكية فيما يعرض علينا من إعلام” واحدة من العبر التي خرج بها المشاركون في ورشة «فحص الحقائق وتدقيق صحتها في العصر الرقمي» للمحاضر غرييغ سلفرمان، أثناء ملتقى أريج السابع الذي حمل شعار «الإعلام العربي معركة الاستقلالية»، الذي انطلق الجمعة.
ما فعلته أريج أنها لم تقم ملتقى فحسب، وإنما مختبراً صحفياً، فحيث تنقلت في اليوم الأول وجدت العديد من الورش التي تناقش العديد من الموضوعات المستحدثة، من قبيل: تحقيقات النفط والغاز، سرد القصة التلفزيونية، كتابة التحقيق السلسلة، تقصي انتهاكات حقوق الانسان ضد الاقليات، البحث والتدقيق المتقدم للصور عبر الانترنت، المجتمع المدني، الصحافة المستقلة والمدنية، وتطبيقات الهاتف الذكي للصحافي المستقصي. وكذلك الحال في الايام التي تلت خصوصاً ورش حول «تعقّب خط تهريب المال والفساد والجريمة المنظمة»، «ضمان سلامة الصحافي الشخصية وتحصين بياناته الرقمية»و «توظيف تقنيات الحاسوب في صحافة الاستقصاء».
320 إعلاميا شاركوا في الملتقى، من عدة دول عربية، من بينهم خبراء ومدربون عربا وأجانب متخصصون في صحافة الاستقصاء، وكان ممكنا أن يكون العدد أكبر، وقد ود كثيرون لو يحضرون. جميعهم شاركوا في الورشات بحماس ورغبة في الاطلاع وتطوير أدواتهم.
لا أختلف مع مديرة «أريج» التنفيذية رنا الصباغ، التي بدا عليها الارهاق وهي تلقي كلمتها، بأن أريج تؤسس للمستقبل. وأي عمل يؤسس للمستقبل، استنادا الى المعرفة والحرفية، في ظل أوضاع الوطن العربي لا شك سيكون مرهقاً، وأحيانا ربما يكون.. دامياً.
ثمة صحفيون قدموا من سوريا، وكان لافتاً انهم انقسموا قسمين، من مناطق النظام والمناطق الي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، فأريج تقف على مسافة واحدة منهم، وتحاكم المهنية فقط، وآخرون من ليبيا، منهم من قدم ومنهم من تعذر قدومه، بسبب علو لغة السلاح. مثلما تعذر قدوم صحفيين من غزة لاغلاق معبر رفح ومنع السلطات الاسرائيلية لهم الخروج عبر معبر ايريز. وفق الصباغ، وجميع هؤلاء يعملون في ظل ظروف صعبة، ويحاولون ما استطاعوا.
«قلوبنا مع أريجيي غزة الذين واصلوا العمل برغم صوارخ «إسرائيل» واستمرار الحصار.. عملوا في الملاجئ رغم تدمير بيوتهم واستشهاد أعزاء على قلوبهم». عبارة استذكرت غائبين.
إطلالة متميزة لعضو مجلس إدارة أريج حاصد الجوائز العالمية تيم سباستيان، في حفل الافتتاح، عرض خلالها لحالة الاعلام في الوطن العربي، ومتصديا للسؤال الأهم: كيف استطيع ان أقوم بعمل محترف في وقت أعاني فيه من الضغوط.
« تجريم الصحفيين لا يتم لانهم كتبوا مواضيع غير صحيحة، ولكن لأن كتاباتهم لا تعجب المسؤول». حقيقة خلص اليها سباستيان بعد استعراض عدة قصص انتهكات لحقوق الصحفيين في العالم العربي.
الأخطر الذي ذكره سياستيان ان الحكومات وحدها ليست من يعادي الصحافيين، فأحيانا يكون الناس أعداء كشف الحقيقة والتغيير.
وخاطب الصحفيين بقوله: أنتم تعملون في أخطر مهنة في العالم، فعند نشرك للحقيقة يمكن ان تسجن أو تقتل.
وحث الصحفيين على الاختيار بين قول الحقيقة وممالأة الحكام.
واستذكر سباستيان قولا منسوبا للامام علي «كرم الله وجهه»: «إذا أراد الله ان يذل عبداً حرمه من الحقيقة».
فرصة مميزة أتاحها الملتقى هي اللقاء مع أيقونة الاستقصاء الأمريكي سيمور هيرش، الذي يلبي الدعوة هذا العام للاطلاع على تجربة «أريج» والتشبيك مع زملائه العرب.
الأمل الذي تشيعه أريج، بما تقوم به من عمل وجهد وتوسع، في مختبر العمل وليس في النشاطات الاحتفالية فحسب، يؤسس لاعلام متقدم، فليس هناك أتعس من مجتمع لا يملك أدوات المعرفة والاستقصاء والتنوير.