كبير مراسلى "بى بى سى" السابق: حرية التعبير فى العالم العربى تحتضر

2014/12/9
التاريخ : 09/12/2014

مصر العربية – وصف تيم سباستيان، كبير مراسلى الإذاعة البريطانية (بى بى سى) سابقا، فى افتتاح ‏مؤتمر “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية”، حرية الصحافة والقدرة على التعبير عن المشكلات التى ‏تمر بها الدول العربية حاليا بالجثة التى تحتضر وأوشكت على الوفاة‎.‎ ‎ ‎ وقال سباستيان فى كلمته أمام المؤتمر السابع، اليوم، الذى تنظمه مؤسسة أريج بالعاصمة الأردنية ‏عمّان، إنه يتذكر عندما وصل إلى مكتب الرقابة الإعلامية التابع للجيش البولندى فى الثمانينيات، ‏ليسألهم إذا كان بالإمكان إرسال تقرير مكتوب إلى لندن؛ لأن لديهم خط اتصال بيانات واحدا مفتوحا‎.‎ ‎ ‎ وأكمل أنهم أخذوا التقرير، وبعد عشر دقائق أعادوه له مرة أخرى، ولكن النص بالكامل كان مظللا بالأسود ‏بقلم الرقيب، ما عدا اسمه والتاريخ.. وعندما سألهم كيف حدث ذلك؟ ابتسم أحد الضباط وقال: “يمكنك ‏إرسال اسمك، والتاريخ والمكان فقط، هذا كل شىء، أهلا بك فى بولندا‎”.‎ ‎ ‎ وأوضح تيم أن الأولوية الوحيدة والمهمة التى يشترك بها الطغاة والديكتاتوريون فى أى جزء من العالم ‏وفى أى حقبة هى إسكات صوت الحرية والأصوات المستقلة لجميع الناس؛ لأن هذا الصوت هو ما ‏يهددهم فى المقام الأول، ولأنه السلاح الأقوى الذى يمتلكه الشعب‎.‎ ‎ ‎ وتابع بأن الصحفيين يكونون مجرمين بالنسبة للسلطة، بسبب كتابتهم مقالات وتقارير لا تلائم السلطة أو ‏من يجلس على كراسى الحكم‎.‎ ‎ ‎ وضرب تيم نماذج للتضييق على الصحفيين فى الدول العربية، قائلا: فى العام الماضى اتهمت النيابة ‏العامة فى المغرب رئيس تحرير صحيفة بتهمة التشهير بموظف حكومى لأنه نشر خبرا عن شربه ‏‏”شامبانيا” على حساب دافعى الضرائب، مع أن لدى الصحفى فاتورة تثبت صحة كلامه، وفى تونس، ‏واجه أستاذ جامعي، ومدون، الاتهام نفسه لانتقاده مصاريف وزراء سابقين‎.‎ ‎ ‎ وفى الأردن اتهم ناشر ورئيس تحرير موقع جفرا الإخبارى بالتهمة نفسها وأُوقفا 100 يوم بقرار من ‏محكمة أمن الدولة قبل أن يطلق سراحهما، واليوم ينتظران المحاكمة أمام محاكم مدنية، حسب قانون ‏المطبوعات والنشر‎.‎ ‎ ‎ تم ذلك رغم وعد قطعه الملك شخصيا قبل نحو ست سنوات، تحديدا فى نوفمبر 2008، بأنه لن يتم ‏حبس أى صحفى فى الأردن، وقال آنذاك: “احتجاز الصحفيين محظور، لا أرى سببا لاحتجاز صحفيين ‏لأنهم كتبوا شيئا أو عبروا عن وجهة نظر‎”.‎ ‎ ‎ وأوضح سباستيان: إذن يبدو أن الحقيقة فى هذه المنطقة لا تجعلكم أحرارا‎.‎ ‎ ‎ وتابع بأن السؤال الأكثر شيوعا الآن فى الشرق الأوسط هو: كيف يستطيع الصحفى القيام بعمل مهنى ‏ومحترف عندما يكون هناك رقابة صارمة فى الدولة؟ ‎ ‎ وبكلمات أخرى: كيف يمكن أن يقول الصحفى الحقيقة ويبقى بعيدا عن السجن؟ ‎ ‎ ووصف كبير المراسلين السابق فى “بى. بى. سى” الصحفيين كمن يسير على الطريق السريع، لكنه ‏لا يستطيع السير على جميع المسارات دفعة واحدة، وعليه أن يختار مسارا ويثبت عليه، أما خيار ‏منتصف الطريق، بحيث يكون الصحفى حرا فى يوم ويتقبل القيود فى اليوم التالى، فيبدو أنه يضيق ‏بسرعة‎.‎ ‎ ‎ ‎”‎إذن، وصلت الصحافة هنا إلى نقطة حرجة، ولا يمكن أن تكون المخاطر أعلى من ذلك، وإذا استمرت ‏شعلة التعبير الحر فى التناقص فى هذه المنطقة، فستمر أجيال عديدة قبل أن يروا هذه الشعلة مرة ‏أخرى.. وقبل أن تسمع الأصوات المستقلة مجددا فى وسائل الإعلام العربية، وقبل أن تستطيع ‏الحكومات أن تحاسب على سياساتها‎”.‎ ‎ ‎ ويتابع تيم: أتذكر دوما محادثة جرت مع صحفية تونسية بعد أن أجبر بن على على التنحى والخروج من ‏البلاد مطلع 2011، قالت لى بحزن: “جميعنا تكيفنا مع النظام السابق، جميعنا أراد الحصول على المال ‏كل شهر، لنرسل أطفالنا إلى مدارس أفضل، ونحتفظ بوظائفنا”، ثم نظرت مباشرة إلى عينى وهمست: ‏‏”بالتالى ليس لأحدنا أى شىء ليفخر به‎”.‎ ‎ ‎ وسأضيف فقط إلى ما قالته: “القرارات التى تأخذها، حول طبيعة ونوعية الصحفى الذى تريد أن تصبح ‏عليه، ونوعية الصحافة التى تريدها أن تنتشر فى الوطن العربى ستكون القرارات التى سيتعايش معها ‏أطفالك وأحفادك وأحفاد أطفالك من بعدك، لذلك أحث الجميع على التفكير بحرص شديد فى الكيفية ‏التى تنوون بها القيام بهذه المهمة الحيوية لإعلام المواطنين (الشعب)، ما هى الخطوط الحمراء ‏بالنسبة لك، ما هى الأمور التى تقبل أن تفعلها وما لا تقبل؟ لا بد أن يأتى ذلك الوقت قريبا.. البعض ‏منكم بالطبع قام بالاختيار مسبقا‎”.‎ ‎ ‎ وتابع: منذ وقت ليس ببعيد نقل أحد زملائى عن صحفى مصرى بارز قوله: “لن أقوم بزعزعة القارب من ‏خلال انتقادى للرئيس السيسى، إنه القارب الوحيد الذى نملكه، لن أكتب عن الأخطاء أو المشاكل، ‏السيسى يحتاج إلى دعمنا بالكامل‎”.‎ ‎ ‎ وأضاف تيم: أستطيع أن أفهم وجهة النظر تلك، ولكن إذا كان هذا حقا ما تؤمن به، سأوصيك أن تنضم ‏إلى الحكومة، وأن تكتب لهم بياناتهم الصحفية، وبذلك تزيل كل شكوك حيال الجهة التى تعمل عندها‎.‎ ‎ ‎ وأكد: ولأكون واضحا أكثر ليس هناك أى خطأ فى القيام بتلك الخطوة، فالحكومات تضم عديد الأشخاص ‏من الموهوبين ممن يعملون لديها بتفانٍ لخدمة ما يعتقدون أنه للمصلحة العامة، هؤلاء يريدون إبقاء الأمور ‏هادئة ومستقرة، دون إغضاب العامة، بالنسبة لي، وببساطة من لا يقوم بهز المركب فهو لا يقوم ‏بمهمته، إنه مثل الجراح الذى يرفض إجراء عملية‎.‎ ‎ ‎ وأوضح: فى هذه الحالة لديك الاسم الوظيفى، ولكنك لن تقوم بالعمل، وبناء على ذلك اسأل ما هى ‏فائدتك لمجتمعك ولمهنتك؟ أقصد هنا ما حدث فى أكتوبر 2014، حين قرر 17 رئيس تحرير صحف يومية ‏مصرية العمل بالإنابة عن الحكومة؛ بمن فيهم رؤساء تحرير صحف حكومية، مثل الأهرام، وصحف خاصة ‏مثل المصرى اليوم والشروق‎.‎ ‎ ‎ ما فعلوه فى الواقع أنهم قدموا عرضا رسميا سخيا أو شيكا على بياض للحكومة، وبذلك حققوا المثل ‏القائل: “لا أرى شرا، لا أسمع شرا، لا أتكلم شرا”، معلنين الثقة الكاملة فى مؤسسات الدولة مع ‏الدعم لأى تدابير تتخذها الحكومة فى مواجهة الإرهاب، ويالها من هدية للحكومة، قالوا: “نؤكد التزامنا ‏بحرية التعبير، ولكن نكرر رفضنا لمحاولات التشكيك فى مؤسسات الدولة كافة، أو فى التطاول على ‏الجيش أو الشرطة او على القضاء، بما ينعكس سلبا على أداء هذه المؤسسات‎”.‎ ‎ ‎ وبعبارة أخرى قالوا للعامة: “لا تنتظروا منا أى انتقاد بناء لسياسة الدولة، أو تمحيص وتدقيق لأى من ‏القرارات القضائية أو الحكومية، أو قرارات الشرطة، أو الأجهزة الأمنية، فجميعهم يعملون بكفاءة، ولن ‏نقترب منهم‎”.‎ ‎ ‎ رأيى هنا لا يهم.. الأهم من ذلك ما يعتقده أكثر من 600 صحفى مصرى تحرك بسرعة ليوقعوا على بيان ‏أدانوا فيه خطوة رؤساء التحرير، بأشد العبارات المتاحة، واصفين تلك الخطوة بـ”انتكاسة لحرية الإعلام”، ‏وقتل متعمد للمهنة، وإهدار لكرامة كل صحفى مصرى‎.‎ ‎ ‎ وأضافوا: “رؤساء التحرير تخلوا طوعا عن حرية الرأى والتعبير، وقدموها للسلطة التى مازالت تلحق الضرر ‏بالحريات وتحاكم الصحفيين‎”.‎ ‎ ‎ ومهما كان رأيك فى موقف رؤساء التحرير، وردة الفعل حولها فإن الصحفيين الـ600 قرروا اتخاذ موقف ‏واضح بحدود واضحة وقرروا أن يقولوا للسلطات كفى‎.‎ ‎ ‎ لكن هل يعنى ذلك أن المعركة بدأت الآن بشكل جدى؟ أشك فى ذلك، ولكن ذلك يعنى أن عديدا من ‏الصحفيين لن يستسلموا بسرعة دون قتال حالهم حال السلطات‎.‎ ‎ ‎ وحذرت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، الشهر الماضى، من أن الصحافة فى مصر تواجه خطرا حرجا ‏فى الفترة التى تسبق الانتخابات البرلمانية المقررة قبل نهاية مارس 2013. وذكرت اللجنة: “تتابع ‏الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة ضد الصحافة، مجبرة الأصوات المستقلة والناقدة على الصمت، أو النفى، ‏والسجن”، وأضافت: “تكميم وسائل الإعلام الإخبارية، وتهديد الأصوات الناقدة، يقلل من أى فرص لحوار ‏ونقاش مفتوح، وهو الشرط المسبق لأى انتخابات حرة ونزيهة‎”.‎

أخبار ذات صله


إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.