نظمت شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) ورشة تدريبية مكثفة لمجموعة من الصحفيين العرب بعنوان “طريق البحث عن القصة – التحقيق الاستقصائي”، قدمها المدربان د. مارك هنتر ولوك سنجرز، على مدار أربعة أيام؛ من الاثنين حتى الخميس الأسبوع الماضي، بواقع ثلاث ساعات يوميا.
وركز اليوم الأول من التدريب على طريقة البحث عن القصة للتحقيق الاستقصائي وصياغة الفرضية. وشدد المدربان على أهمية الفرضية كونها “نقطة البداية لمزيد من التحقيق، ومقترح مبني على ادلة محدودة”. بمعنى أخر، الفرضية أن “تكتب جميع النتائج المتوقعة؛ أي الأمور التي يعتقد الصحفي أنه سيجدها في تحقيقه”.
وتدرب المشاركون على طرق إيجاد القصص الاستقصائية، وتحديد المصادر، وطرح الأسئلة الأولية، وصولا إلى صياغة الفرضية.
د. مارك هنتر، صحفي، وأحد مؤسسي شبكة الصحافة الاستقصائية العالمية، والمؤلف الرئيس لمنهج أريج للصحافة الاستقصائية، وحصل على جوائز متعددة عن تحقيقاته.
لوك سنجر، صحفي ومحاضر، حقق في ممارسات الشركات الكبرى وتأثيراتها على البيئة وتغيرات الطقس لصالح مجلات وصحف دولية، ومؤلف مشارك لطريقة التحقق بأداة القصة.
التسلسل الزمني والمصادر المفتوحة
في اليوم الثاني، تمحور التدريب حول التسلسل الزمني للقصة، والبحث في المصادر المفتوحة للحصول على البيانات والمعلومات. وذكر هنتر أن الجدول الزمني عنصر مهم في التحقيقات الاستقصائية، وقصد بذلك أن “يقوم الصحفي الاستقصائي بعد تحديد فرضيته بالبحث في سلسلة الأحداث المرتبطة بقصته بصورة ممنهجة، أي الطريقة التي حصلت بها الأحداث”. وبما أن الفرضية تقسم إلى عدة محاور، فعل وفاعل ومفعول به، فإنه من الضروري الرجوع إلى التسلسل الزمني لكل العناصر، وذلك من خلال المصادر المفتوحة كوسائل التواصل، ومواقع الانترنت، والاستطلاعات، والناس العاديين، وسجلات الشركات.
وبالحديث عن المصادر المفتوحة، كان ضيف الورشة في يومها الثاني، رئيس تحرير مجلة هارفرد بزنيس ريفيو حمود المحمود وهو أريجي مخضرم، وقدم تدريبا حول الولوج إلى المصادر المفتوحة في الدول العربية. وذكر أن “أحد أكبر الأسباب التي تدفع الصحفيين للاعتقاد بعدم وجود مصادر متاحة، هو تفضيلهم البقاء في أمكانهم المريحة، نتيجة وجود أفكار مسبقة وأفكار موروثة بعدم وجود معلومات”. وطرح أمثلة من دول عربية عدة حول كيفية الحصول على بيانات يعتقد الصحفيون أنها غير متاحة، كالجريدة الرسمية، وسجلات الشركات في كل بلد. وأوضح أن هناك “طريق للوصول إلى المعلومات والبيانات؛ لكن الأمر بحاجة لمزيد من البحث والتقصي”.
ونصح هنتر ب”البدء بالزوايا السهلة في كل مرة تتحققون من شيء معين، شكلوا جدولا للتسلسل الزمني مع ذكر المصدر لكل معلومة أولا بأول، إذا لم يكن لديكم تتبع لكل المصادر والمعلومات بحوزتكم ستضيعون وستضطرون لإعادة العمل من جديد”.
الصحفي يكون جيدا بجودة مصادره
تمحور تدريب اليوم الثالث حول خارطة المصادر للتحقيق الاستقصائي وعلاقته بالتسلسل الزمني للمصادر، باعتباره دليلا يوجه الصحفي نحو المصادر التي يحتاجها في قصته، سواء مقابلات، أو تسجيلات، أو بيانات وغير ذلك.
الصحفي يكون جيدا بجودة المصادر المتوفرة لديه، قال المدرب لوك، وأضاف: “حتى نحدد المصادر، علينا أن نفحص الجدول الزمني للقصة، الذي يضم كل الأشخاص المرتبطين بها، دائما علينا البحث عن مصادر موثوقة، تأكدوا هناك طريق للوصول لها”.
ولتجنب الغرق في المعلومات الهائلة التي نحصل عليها، نصح لوك بإنشاء “ملف رئيسي”، نضع فيه كل ما نجمعه من عناصر لإدارة المشروع، ويساعدك في الوصول الى القصة النهائية ويمثل قاعدة البيانات للتحقيق. كذلك من الضروري أن يقوم الصحفي بكتابة مذكرات وملاحظات بشكل دائم “لا تعتمدوا دائما على الذاكرة، وعلينا التحضير جيدا قبل لقاء المصادر، دائما علينا البحث عن مصادر موثوقة”.
وشدد لوك على ضرورة تحليل المعلومات التي نحصل عليها “ليس المطلوب أن نجمع البيانات والوثائق ثم ننشرها، علينا تحليل ما توصلنا إليه وتحويله الى قصة، وأن نجعل لكل معلومة معنى ومغزى”.
كتابة القصة: بناء الهيكلية هو المفتاح
وصولا إلى اليوم الرابع، وركائز كتابة القصة، تركز التدريب حول طرق السرد تحت قاعدة وأوضح لوك أن ” القصة التي لا تكتب بجهد، لن تكون مجدية للقراءة. علينا أن نقول للقارئ، ما هي القصة، وأن نجذب اهتمامه من الفقرة الأولى، فالقصص والأحداث تبهر أكثر من الحقائق، وهي التي يجب أن تقود إلى الحقيقة”.
دع القارئ يتنفس وأعطه مجالا للتفكير، وإعادة القراءة مرة أخرى، لذلك “أقترح أن تنقسم القصة الواحدة إلى قصص قصيرة”. ولتسهيل عملية الكتابة، نصح لوك باتباع طرق لبناء هيكلية القصة، تعتمد إما على السرد الزماني أو المكاني؛ ففي الأول نقسم السرد إلى أربعة أجزاء: المشكلة، التأثير، المسبب، والحلول. وفي الثاني، نركز على الأماكن من خلال الانتقال من مكان إلى آخر ورواية كل الأحداث المرتبطة بها. من المهم أن تستقر على هيكلية معينة قبل البدء في الكتابة.
وحتى تكون عناصر قصتك مقنعة من خلال النص البلاغي، ينصح بالبدء بمقدمة قوية تلخص القصة وتجذب الانتباه، ثم إخبار الناس بأشياء مؤثرة تهمهم. بعد ذلك، الافتتاحية وهي عبارة عن فعل ونستخدم أمثلة كأحد الضحايا، وهنا نضع أكثر جزء دراماتيكي في القصة.
وبحسب لوك، ننتقل بعد ذلك إلى ملخص ولُب الموضوع ويشمل على تلخيص الفرضية، وتسمى “الفقرة العقدية”، “علينا أن نقول للمتلقي هذا ما وجدناه. وصولا إلى جسم القصة ونعرض فيه كل الحقائق والأدلة والوثائق والاثباتات. ثم الخاتمة، ممكن باقتباس يلخص كامل القصة، لكن علينا ألا نكرر أنفسنا ونبحث عن شيء لم نستخدمه من قبل ويكون ذو تأثير قوي. عليك الاحتفاظ ببعض الأدلة لسردها في الخاتمة”.
ونوه مارك هنتر إلى أن الصحفي قد يصبح عصبيا ويسيطر عليه اليأس عند الكتابة “نحن نفكر بالضحايا، يجب أن لا تجعلوا عواطفكم الخاصة والألم الذي تشعرون به بسبب تعاملكم مع الضحايا أن يسيطر عليكم وأن تعكسوا ذلك في كتابة القصة. عليك أن تضع نفسك على مسافة من معاناة الأشخاص، وتسيطروا على عواطفكم وأن تجعلوا الضحايا يتحدثون عن أنفسهم”.
شارك في التدريب ٢٢ صحافيا وصحافية من مصر واليمن والأردن وفلسطين والعراق وتونس ولبنان وعبروا في ختام الورشة عن سعادتهم لاستفادتهم من محتوى الورشة في عملهم الصحفي الاستقصائي.