بدعة معالجة «التوحد»!

2015/04/1
التاريخ : 01/04/2015

حلمي الأسمر- صحيفة الدستور

 «ابنك معه توحد» كلمات الطبيب نزلت كالصاعقة على والد الطفل البالغ من العمر سنتين. سبعة أشهر مضت والأسرة تحت وقع الصدمة والاكتئاب: «مش عارفين شو نعمل أنا وأمه».

لكن الأمل عاد وتسلل إليهم، بعد أن راجعوا إحدى العيادات في عمان الغربية. «ما تخافوا الولد بتعالج بسهولة، في إجراءات لازم نعملها، بس الموضوع مكلف»، تلقفت العائلة هذه الطمأنة كغريق يتعلق بقشة، ولم يكترث الوالد لكلمات مسؤول العيادة حول الكلفة المادية للعلاج، رغم ضيق ذات اليد: المصاري بتتدبر المهم الولد يتعالج ويصبح مثل شقيقيه!

رحلة العلاج استمرت قرابة ثلاثة أشهر، خضع خلالها الطفل لـ 40 جلسة أوكسجين مضغوط، إضافة إلى عمليات التخلص من المعادن الثقيلة، استقلاب الفيتامينات، الأحماض العضوية، والحمية، وفق نظام يسمى «دان بروتوكول» . انتهت مسيرة العلاج بمراحلها المختلفة، لكن الفتى لم يشف أو يتحسن، بعد أن دفع والده ما يقارب 10 آلاف دينار أردني/ 14 ألف دولارعلى هذا العلاج. عرض الوالد ما حصل معه على أكثر من طبيب أطفال، ليتفاجأ بأن هذا العلاج غير مثبت علمياً!

هكذا يبدأ التحقيق الاستقصائي الجميل الذي أعده كل من حنان خندقجي ومصعب الشوابكة، لصالح وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد وموقع عمان نت، وبدعم وإشراف شبكة «أريج» إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية، وهو تحقيق على جانب كبير من الأهمية، يعنى بفئة من اطفالنا ابتليت بمرض التوحد، ووقعت تحت تأثير وهم علاج لا يعالج، كلف أهاليهم مبالغ طائلة بلا فائدة!

الغريب في الموضوع أن المؤسسة العامة للغذاء والدواء في الأردن لم تعتمد الأوكسجين المضغوط علاجاً للتوحد، بل هو – كما يتبين من إيضاح المدير العام للمؤسسة الدكتور هايل عبيدات، حيث يقول أن استخدام الأكسجين المضغوط لعلاج التوحد بدعة جديدة، وغير موافق عليه من المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ولم يوجد لغاية الآن عقار طبي لمعالجة التوحد!

ويقول أن من يستخدم هذا العلاج أشخاص يبحثون عن الربح السريع ويستغلون حاجة الناس، وهذا يتنافى مع أخلاقيات المجتمع الأردني، فكيف تم ترخيص مثل هذه العيادات في الأردن؟ ومن أجاز لها استغلال محنة أهالي المرضى على هذا النحو المذهل؟

ما يؤيد وجهة نظر الدكتور عبيدات، ما تؤكده منظمة الغذاء والدواء الأمريكية الأشهر في عالم الدواء، حيث تؤكد أن علاج التوحد بالأكسجين المضغوط لم يثبت سريرياً، وغير فعال. وقد اصدرت المنظمة في إبريل/ نيسان 2014، بياناً بعنوان «الحذر من الادعاءات الكاذبة والمضللة لعلاج التوحد». وأدرجت ضمن هذه الادعاءات: «الأوكسجين المضغوط، عملية إزالة السموم والمعادن الثقيلة، عملية استقلاب الأحماض العضوية، والفيتامينات، والأحماض الدهنية، إضافة إلى الحمية الغذائية». وجاء في البيان أيضا «أن هذه الإجراءات ليست علاجاً للتوحد، كما أنها تحمل مخاطر صحية، وهي غير فاعلة، وغير آمنة»!

ما كشفه التحقيق جانب واحد من المشهد الطبي في حياتنا، والمليء بالأسرار، ومثل هذه التحقيقات الصحفية يجب أن تستمر بهذه الروح المهنية العالية، لإلقاء الضوء على الجوانب المعتمة في حياتنا، فالشكر كل الشكر لهذين الشابين النشطين اللذين كتبا التحقيق، والشكر أيضا لمؤسسة اريج، وراديو البلد على هذا الجهد الإعلامي المتميز.

للإطلاع على التحقيق كاملا

تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *