يوميات تحقيق "الخطأ القاتل" - عبدالوهاب عليوة

2016/01/24
التاريخ : 24/01/2016

مستندات رسمية .. وملفات قضائية.. وبيانات حقوقية .. واستغاثات للمسؤولين. كانت حصيلة البحث المبدئي من أجل إثبات فرضية تحقيق “الخطأ القاتل”، القائمة على وجود “ثغراث قانونية تحمى الأطباء الذين يرتكبون أخطاء طبية ومهنية، تتسبب فى وفاة المرضى أو حدوث مضاعفات خطيرة لهم داخل غرف العمليات في المستشفيات الحكومية والخاصة، مما يساهم فى زيادة الإهمال الطبي وتضاعف أعداد الضحايا”.
حكم قضائى نهائى صادر من محكمة دار السلام، بسجن طبيب 5 سنوات مع الشغل والنفاذ، وسنتين لممرضة وسنة لأخرى، لإدانتهم بالقتل الخطأ. هذا ما انتهت إليه إحدى قضايا الأخطاء الطبية التى حصلنا على الملف الخاص بها ضمن عشرات القضايا والشكاوى والبلاغات التى قمنا بفحصها فى مرحلة تجميع وتوثيق المعلومات الأولية.
حكم مثل هذا كفيل بنسف مضمون فرضية التحقيق، لانه يعطى مؤشر على صدور أحكام رادعة ضد الأطباء المتسبيبين فى الأخطاء الطبية بحق المرضى، مما دفعنا إلى مزيد من عملية البحث فى سجلات المحاكم من أجل الإطلاع على مثل هذه الأحكام خلال الخمسة سنوات الأخيرة. ليتأكد لنا أن هذا الحكم هو الوحيد الذى عاقب طبيب بالسجن 5 سنوات، على الأقل خلال الخمسة سنوات الأخيرة، التى أجري فيها أكثر من 8 مليون عملية جراجية بحسب وزارة الصحة المصرية، بينما تقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الأخطاء الطبية فى مصر بـ 6 % من العمليات الجراجية التى تجرى سنويا.
ولكن لماذا صدر هذا الحكم ؟! الذى يعتبر رادعاَ مقارنةً بما يحدث فى قضايا الأخطاء الطبية الأخرى المنظورة أمام القضاء المصرى، نستكمل البحث لمعرفة السبب الذى ظهر بعد الإطلاع على حيثيات الحكم الصادر بسجن الطبيب والممرضتين، لنكتشف كما جاء فى الورقة الثانية من حيثيات الحكم، أن القاضى اعتبر الجناة “الطبيب والممرضتين” تقاعس عن مساعدة الضحية أو طلب المساعدة لها بعد معرفتهم بوقوع الخطأ الطبى الذى تسبب فيه، وليس من أجل الخطا الطبى فقط، خاصة أن تقارير طيبة أكدت أنه كان يمكن إنقاذ حياة الضحية إذا تم إسعافها.
هكذا تم التغلب على العقبة الأولى أثناء تنفيذ التحقيق من خلال مزيد من البحث والتقصى بهدف الوصول إلى الحقيقة كاملة، لنتأكد من صحة الفرضية التى نعمل عليها.
عقبة أخرى ظهرت عند مواجهة المسؤولين بما رصدنا أثناء إجراء التحقيق، حيث تباهى المتحدث الرسمى الدكتور حسام عبد الغفار بأن نسبة الأخطاء الطبية فى مصر أقل بنسبة كبيرة مقارنة بالدول الغربية، مدللا على صحة مايقول بما ذكر فى تقرير منظمة الصحة العالمية، وأن نسبة الأخطاء الطبية فى مصر لاتتجاوز النسبة المسموح بها وفقا لتقديرات الوزارة.
هكذا جاء رد وزارة الصحة، بينما وفقا للإحصائيات الرسمية لاتتجاوز عدد شكاوى الأخطاء الطبية المعلن عنها من الجهات الرسمية التى تستقبل شكاوى الضحايا “النيابة العامة ونقابة الأطباء ووزارة الصحة” الـ 3 الأف شكوى سنوياَ، وفى المقابل تقدر الجمعيات الحقوقية الشكاوى بـ 6 الأف شكوى سنويا، أذن الوضع وفقا للمؤسسات الرسمية لايعبر عن أزمة حقيقة على عكس مايحدث على أرض الواقع ويظهر فى شكاوى واستغاثات الضحايا المتكررة وأخبار الأخطاء الطبية التى تكاد لاتخلو منها وسائل الإعلام بصورة شبه يومية.
ومن أجل توضيح هذا التباين بين الإحصائيات الرسمية التى توضح محدودة الضحايا والمعاناة المتكررة التى يتعرض لها الضحايا يومياً داخل أروقة الجهات المنوطة بالصحة، حصلنا عن نسخة من تقرير منظمة الصحة العالمية الذى استند إليه المتحدث الرسمى بإسم وزارة الصحة، لنكتشف أن اعتماد المنظمة فى اختيار عينة البحث كان على أساس الشكاوى والبلاغات التى تقدم بها الضحايا فقط وليس رصد موثق لجميع الأخطاء الطبية التى تحدث فى مصر وهو ما أشار أليه التقرير بوضوح.
مقابلة مع د. علاء غنام المتخصص فى التشريعات الصحية والخبير في إصلاح القطاع الصحي، كشفت الغطاء عن عدم وجود قاعدة بيانات صحية فى مصر، حيث كشفت ورقة بحثية قام بإعداها عن العشوائية التى يدار بها القطاع الصحى فى مصر ولذلك لاتوجد إحصائيات حقيقة ودقيقة، بينما الدول الأوربية تمتلك قاعدة بيانات صحية دقيقة ونظام تشريعي يحدث باستمرار، هو ما لم تستطع وزارة الصحة نفيه أو تكذيبه.