ما لفتني لموضوع العمالة السائبة هو وجود هذه الفئة بشكل واضح بيننا، والجميع يعرف أنها عمالة غير قانونية ومع ذلك لا يوجد أي توجه جاد من أصحاب القرار من أجل مكافحة هذه الظاهرة. كما أن المجتمع الذي يشتكي بعضه من وجود هذه العمالة الأجنبية، الفقيرة والعازبة، بمجاميع كبيرة في الأحياء السكنية، هو نفسه من يستفيد من خدمات هذه الفئة، المتوافرة دائما وبأرخص الأثمان.
لموضوع العمالة السائبة أكثر من وجه، فهو موضوع حقوقي وهو ما قررت أن أتناوله في هذا التحقيق بسبب الأوضاع البائسة التي يبدو عليها هؤلاء وهم يتجولون بشكل يومي، ليتسولوا الأعمال من كل من يصادفهم وهذه الأعمال غالبا ما تكون بسيطة وغير مضمونة، مثل غسل السيارات أو القيام بأعمال السباكة. ولما عرفته، بعد البحث الأولي، من جملة المخالفات التي تصل إلى حد الجريمة، التي ترتكب بحق هؤلاء من احتجاز الجواز وتحصيل مبالغ مالية منهم (الأتاوات) وصولا إلى تركهم في الشارع وعدم تشغيلهم لدى كفيلكم الأصلي الذي جلبهم أصلا من بلادهم للعمل لديه.
وبالإضافة إلى الجانب الحقوقي، هناك أيضا الجانب الاقتصادي اذ يؤثر تواجد العمالة السائبة في سوق العمل على توفّر فرص العمل للمواطنين في بلد تبلغ نسبة البطالة فيه 4% حسب المسئولين ونحو 16% حسب الجهات العمالية.
هذا التحقيق كشف أن نسبة الإنتحار زادت تبعاً لضيق الأوضاع المعيشية لهؤلاء وانسداد طريق الخلاص أمامها، لكن المجتمع يتخوف من أن تتسع دائرة الجريمة من ارتكابها من قبل هؤلاء العمال بحق أنفسهم في صورة الانتحار. إلى ارتكابها بحق المجتمع.
كما كشف عن حقائق وأوضاع مؤلمة يعيشها نحو 80 ألف شخص مصنفون تحت فئة العمالة السائبة، وذلك أثناء البحث والتقصي وزيارة أماكن اقامة العمالة موضوع التحقيق وأماكن عملهم، كما كشفت التعليقات الإلكترونية عن رفض مجتمعي للمخالفات القانونية والإنسانية التي يدفع ثمنها هؤلاء العمال. والمؤمل أن يكون ذلك منبهاً ودافعاّ لأصحاب القرار ليسرّعوا في عملية تصحيح الأوضاع وانقاذ هذه الفئة من العمال مما يتعرضون له بتعديل القانون بنصوص واضحة وصارمة تجاه المتاجرين بالبشر.
لم تواجه التحقيق مصاعب غير قابلة للحل أو مؤثرة بشكل كبير على نتائجه. معظم الصعوبات التي واجهت اعداد هذا التحقيق هي الحصول على بعض المعلومات من وزارة الداخلية وهي معلومات متسلسلة عن المنتحرين من العمالة الآسيوية وتفاصيل أخرى عن جنسياتهم وظروف انتحارهم، وتم التغلب على ذلك بالتوجه إلى جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالحقوق العمالية والتي تسجل هذه الحالات بالإضافة إلى الصحف التي تنشر هذه الحوادث عند حدوثها.
هذه العمالة تتخوف أيضا من الحديث للصحافة أو لأي شخص غير معروف بالنسبة لها، ذلك لمعرفتها بأن أوضاعها غير قانونية وتخوفها من التعرض للسجن والغرامة والترحيل في حالة اكتشاف أمرها، وتم التغلب على ذلك بالاتفاق مع أشخاص من جنسيات هؤلاء العمال للمساعدة في تعبئة جزء من الاستبيان، حتى يشعروا بالاطمئنان ويتحدثوا بصراحه عن أوضاعهم المالية والقانونية.
Leave a Reply