مكاتب خدمات: باب خلفي لتجارة الجنس واستغلال عاملات المنازل

2018/07/17
التاريخ : 17/07/2018

بعد ولادتي الثانية لابنتي نوريّة، كنت احتاج لمربية أطفال تساعدني كي أستطيع العودة إلى ممارسة عملي، لجأت إلى إعلانات بصحف إعلانية لمكاتب تسمي نفسها “مكاتب خدمات منزلية” توفر جليسات أطفال، وعاملات نظافة وإلى آخره من العاملات في ذلك المجال.

سارعت بالاتصال وطلبت منهم جليسة أطفال وأوضحت لهم شروطي، أرسلوا لي فتاة تدعى سندس، ودفعت شهر عمولة للمكتب، حررت مندوبة المكتب بيني وبينهم عقد يوضح راتب العاملة ويخلي مسؤولية المكتب عما قد يحدث في المستقبل، واندهشت ان العقد لم يتضمن أي شروط تحمي حقوق العاملة، بعد أيام قليلة من عمل سندس معي، تبادلنا الحديث حول أوضاع عملهن .

قبل 14 سنة، وجدت “سندس” نفسها مضطرة للنزول لسوق العمل لإعالة أسرتها بعدما توفى والدها. لم تجد الفتاة التي لم تتعد وقتها 16 عامًا، وسيلة للعيش سوى العمل كخادمة، ورغم صعوبة العمل إلا أنها تشبثت به كطريق وحيد للعيش، حتى بعدما حملت أعباء ابنتها الوحيدة، منذ انفصالها عن زوجها وهي حامل بالشهر الثالث. العمل الشاق الذي خرط ملامح وجه الشابة النحيل، لم يعد ما يؤرقها، لكن ما يقلقها أكثر هو رحلة البحث عن رب عمل جديد عبر مكاتب الخدمات.

ومن هنا بدأت رحلة العمل التي استمرت ما يقارب 10 أشهر، في البداية قمت برصد الإعلانات الخاصة بتلك المكاتب في الصحف الإعلانية وحددت مكاتب لزيارتها، اكتشفت اثناء فترة الرصد عن طريق التجربة، انه يُمكن لأي شخص ان يُعلن عن نفسه كمكتب خدمات منزلية دون أي سند قانوني تطلبه الصحيفة، فقط بصورة البطاقة ومن ثم تختار صيغة الإعلان.

إحدى العاملات التي وثقت شهادتها وتعمل خادمة منزلية منذ 13 عامًا، أرسلها مكتب بحي المهندسين للعمل لدى أسرة، لكنها فوجئت بمنزل به خمس رجال حاولوا اغتصابها تقول: “صرخت، وخرجت بمساعدة أحدهم، وعندما ذهبت لتقديم بلاغ بقسم إمبابة، وتوجهنا للمكتب كان رده بأنه لا يعرفني، وعندما ذهبنا للشقة التي أرسلوني إليها، قال البواب إنها مغلقة منذ سنوات وتم حفظ المحضر”.

حتى الآن لم توقع مصر على اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين رقم 189 لعام 2011 وتنص على ضرورة تمتع العمال المنزليين بالحقوق الأساسية نفسها كأى عامل آخر، بما في ذلك ساعات عمل معقولة، راحة أسبوعية مدتها 24 ساعة متتالية على الأقل، ووضوح أحكام وشروط التوظيف. وعمال المنازل مستثنون من قانون العمل طبقًا للمادة 4 من القانون رقم 12 لسنة 2003 على أساس أن محال عملهم خارجة عن مجال السلطات الرقابية بسبب حرمة المسكن الخاص وتخضع أحكام تشغيلهم للقانون المدني وكذلك العقود بينهم وبين أرباب العمل، إذا ما كانت هناك عقود. ولا يوجد إطار قانوني واضح للشركات أو المكاتب التي تتولى تشغيلهن. وإذا أرادت إحداهن التقدم بشكوى يكون البت فيها وفقا للقانون المدني الذى يحكم التعاقدات المدنية بشرط وجود ما يثبت التعاقد.

أثناء رحلة التحقيق واجهتني صعوبة أخرى وهي معرفة كيفية استخراج تراخيص تلك المكاتب ، وعندما تنصلت كافة المؤسسات الحكومية التي تواصلت معاها من اصدار تراخيصها لتلك المكاتب، قمت بمحاولة تأسيس مكتب خدمات منزلية عبر محام، توجهنا إلى خمس جهات، هم وزارة القوى العاملة، والتضامن، والداخلية، والاستثمار، والسجل التجاري.

كشفت التجربة أن مكاتب الخدمات تحصل على التراخيص من وزارة الاستثمار كنشاط تجاري عادي يمكن مزاولته بعد استخراج بطاقة ضريبية وسجل تجاري، وهو ما أكده أيضا مسؤول في مكتب تأسيس الشركات في هيئة الاستثمار، ووفقًا لمكتب خدمة المواطنين بمديرية الأمن فإن التعليمات الأمنية تلزم مكاتب الخدمات بإخطار قسم الشرطة التابعة له ببطاقات الهوية للعاملات. أما في حال تشغيلهن في الخارج فيجب الحصول على موافقة من مباحث الأموال العامة.

كل ما توصلنا له في هذا التحقيق يؤكد أن أي عمل لا يوجد عليه رقابة، هو باب خلفي لأمر غير مشروع، وأن مهنة أغلب العمالة فيها من النساء ولا يوجد لديها حماية قانونية ولا يوجد تصاريح للمكاتب التي توظفها، فهي بطبيعة الحال تؤدي للاتجار بها.