ولدت الفكرة من ورود أخبار في الصحف والمواقع المحلية حول انتشار أمراض التهاب الكبد الوبائي A والأمراض الجلدية والتيفوئيد وكانت أغلب الأخبار تحمل تصريحات رسمية لمسؤولين وأطباء مفادها أن سبب هذه الأمراض، قلة النظافة والمياه والطعام الملوث.
في الحقيقة أثر الموضوع استغرابي وخاصة أن الأخبار تتكرر يومياً والأحداث في مناطق وأحياء مختلفة من ريف دمشق، لكن لم يركز المعنيين ولا حتى الصحافيين على موضوع المياه وأنها المسبب الرئيسي لهذه الأمراض. قرأت عن الموضوع أكثر ووجدت أن هناك رابطاً مباشراً وعلمياً بين الكبد الوبائي وتلوث المياه وهنا ولدت فرضية التحقيق.
حاولت أولاً التواصل مع عدد من المراكز الصحية في المناطق التي انتشرت فيها الأمراض كمناطق “حلبون وصحنايا”، لكن توتر الأوضاع حال دون استمرار هذه المراكز في العمل ما جعلني أغيّر وجهتي وأقصد وزارة الصحة المعني الرئيسي بالموضوع، خاصة وأن لديها سجلاً بالمصابين وما هي أسباب المرض والإجراءات المتخذة حيال ذلك. قدمت للوزارة كتاباً رسمياً للحصول على الوثائق مع أسئلة لمديرة الأمراض السارية تشرح لنا فيها سبب انتشار هذه الأمراض والإجراءات التي اتخذتها الوزارة للحيلولة دون وقوع المزيد من الإصابات مع ضرورة أن تذكر لنا أرقاماً حول المصابين وأماكن تواجدهم وتوزعهم. في الحقيقة كان الجواب ضحلاً ولا أرقام تذكر، ما دفعني للبحث عن مصادر بديلة للحصول على الأرقام وبنتيجة البحث وقعت بين يدي مطبوعة اسمها “النشرة الوبائية” تصدر عن وزارة الصحة وفيها كل ما أريد وكان هذا إنجاز كبير بالنسبة لفرضيتي وتطور القصة.
قصدت عدد من المستشفيات والمراكز الصحية لمعاينة الوقائع والتحدث مع مصابين كما زرت أطباء وأخصائيين ومحللين متخصصين بقطاع المياه والأمراض الوراثية، وتواصلت أيضاً مع عدد من المسؤولين الحكوميين في وزارة الصحة – وزارة الإسكان، مديرية مياه الشرب بدمشق وريفها ومدراء مراكز صحية حكومية.
كما أخذت عينات مياه للشرب وقمت بتحليلها للتعرف على مدى صلاحيتها وإمكانية استخدامها للشرب وهل ستحوي التحاليل على بكتيريا وشوائب وبالتالي تدعيم فرضية التحقيق الأساسية، وفعلاً تم ذلك وظهر لدي بكتيريا في عينتين من التحليلات.
ايضاً، اطلعت على تقارير أطباء، ووصفات طبية لمصابين بمرض التهاب الكبد الفيروسي A وحصى الكلى وقرأت نشرات دوائية حول مواصفات الأدوية التي يتناولها المرضى والاستطبابات وما هي المواد التي توجد في هذه الأدوية وتساعد المرضى على العلاج؟ ولماذا يوصف هذا الدواء وما هي فائدته؟ ولمن يوصف من المصابين؟ كل ذلك لمعرفة أسباب انتشار هذه الأمراض ومسبباتها.
اكبر الصعوبات التي واجهتني تجلّت في الحصول على المعلومات من مصادر رسمية وكان المسؤول دائما يلتف على السؤال ويحاول التهرب من الاجابة على السؤال المحدد وخاصة موضوع أرقام المصابين وأماكنهم، وما سبب الأمراض؟ وهل للمياه دور في انتشار تلك الأمراض؟
كان هناك صعوبة أخرى، وهي التنقل بين المدن والبلدات خاصة وأن الأمراض التي كانت تسببها المياه ونقص التعقيم تنتشر في مناطق إما ساخنة أو بمحاذاتها في ريف دمشق.
استعنت بالنشرة الوبائية الصادرة عن وزارة الصحة لتوثيق عدد الضحايا وأماكن انتشارهم وتوزعهم وما هي أكثر المناطق تضرراً ونتائج تحاليل مخبرية أجراها معد التحقيق وتقارير رسمية غير منشورة حول تلوث مياه الشرب في ريف دمشق صادر عن محافظة ريف دمشق – شعبة التقصي الوبائي ونشرة المواصفات القياسية السورية الخاصة بالمياه ومدى صلاحيتها للشرب ومطابقتها للمواصفات العالمية.
كما حصلت على صور توثّق تدمير مراكز معالجة المياه في عدرا وحرستا، وتدمير مخابر مياه مؤسسة الشرب بدمشق وريفها، وتدمير أجزاء كبيرة من محتويات هذه المخابر وخاصة معدات قياس صلاحية المياه وأجهزة فحص الكلور والعكارة وصور خرائط لتوزع مخابر المياه في سورية والآبار الجوفية والسدود والأنهار وامتداد شبكات المياه في دمشق وريفها من مصادر المياه الأصلية وتقارير أطباء خاصة حول المياه الكلسية والملوثة (المجرثمة) وتأثيرها على الصحة، وما هي الأمراض التي تسببها.
Leave a Reply