فكرة التحقيق حول “أحواض مياه المساجد في صنعاء” لم تكن وليدة اللحظة، اذ كانت في الذهن منذ أن طرحها علي أحد الاصدقاء مطلع 2009، وقمت بإعداد تقرير صحفي مختصر حول القضية تم نشره في صحيفة “السياسية” الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”، بداية العام 2010، ولكن مناقشة القضية من كافة الجوانب لم تكتمل بسبب عدم توفر الامكانيات.
ولذلك كانت مبادرة “أريج” في هذا الجانب هي الأولى لجهة اثارة اهتمام الجهات المختصة والمصلين انفسهم لكون هذه القضية واحدة من القضايا المسكوت عنها لأسباب دينية كما يبدو، اذ أن الخشية من إغضاب بعض المتشددين، جعلت من فكرة النقاش حول هذا الأمر، مجالا محفوفا بالمخاطر، ليغدو هذا التحقيق الاستقصائي أول مقاربة للقضية في الصحافة اليمنية، والذي يناقش خطرا كامنا في اوساط اليمنيين، يجهله العامة من الناس وكذا المعنيين في الجهات الرسمية.
في البداية تواصلتُ عبر البريد الالكتروني مع الاستاذة رنا الصباغ –المدير التنفيذي لشبكة أريج- وارسلت لها فكرة التحقيق بعنوان “أمراض جماعية من مياه المساجد”، وعلى الفور ردت قائلة: “فكرة أصيلة وسهلة ومصادرها متاحة “، استمر التواصل حتى تم التوقيع على الاتفاقية في 26 يناير 2013
أول عمل قمت به اثناء مرحلة التنفيذ الميداني وجمع المعلومات، النزول إلى المساجد في الثاني والثالث من فبراير 2013 برفقة نائب رئيس قسم المياه والأغذية في المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة، لأخذ عينات من مياه أحواض “مغاسل الأرجل” وجمعنا في اليوم الأول 8 عينات من 8 مساجد مختلفة بصنعاء (حجم العينة 750 ملي)، وفي اليوم التالي نزلتُ إلى مسجدين أخرين وأخذتُ عينتان من مياه احواض المغاطس (أحواض الغسل والوضوء الجماعي)، وسلمتها للمختبر..
من الصعوبات التي واجهتني كانت قراءة نتائج التحاليل المخبرية، وعدم وجود مواصفات لمياه الوضوء في اليمن، أو دراسة علمية سبق وأن تناولت هذه القضية
تواصلت مع استاذ طب المجتمع الدكتور (يحيى رجاء)، أكاديمي يمني، يدرس حاليا في كلية العلوم الطبية بجامعة الباحة في المملكة العربية السعودية، تواصلت معه عبر الإيميل والهاتف، اطلعته على نتائج التحاليل المخبرية، وسألته عن خطورة هذه المياه وما يمكن ان تسببه على مستخدميها، فأجاب قائلا: “جميع الأحواض وبنسبة 100 بالمائة التي اخذت منها العينات ملوثة تلوثا برازيا، مما يحمل مخاطر صحية كثيرة و…الخ، وأضاف أن ستة من أصل عشرة أحواض كانت غنية بالخمائر المسببة للأمراض الجلدية.
ومن أهم الصعوبات التي واجهتني أيضا اثناء مهمتي الاستقصائية الشاقة، غياب الوعي الصحي لدى اليمنيين، حيث تعقدت مهمة اثبات الاثر على الضحايا، فالمريض اليمني إما أنه يتجاهل مرضه أو يذهب لصيدلية أو يستشير صديق أو مجرب، ولا يذهب للعيادة المتخصصة الا اذا استشعر خطورة أكبر على صحته، وبالتالي كثير من المرضى ممن قابلتهم وتواصلت معهم، تحديدا اؤلئك المصابون بالثلاثة الأمراض المحددة سلفا، غالبيتهم أوضحوا أنهم لايستطيعون اثبات ما اذا كانوا قد اصيبوا بفعل هذا الوضوء الجماعي أو في اماكن اخرى كثيرة، بينما آخرون رفضوا الحديث بحجة أن الموضوع يسيء للمساجد!.
لهذه الأسباب وغيرها ادركت بالفعل أن انجاز هذا التحقيق الاستقصائي ليس بالأمر السهل، في اوضاع كاليمن، لكنني ومنذ البداية وضعت نفسي بين خيارين (أكون أو لا أكون؟).. وبالتالي توصلتُ إلى هذه النتيجة في التحقيق بعد تنفيذ أكثر من 80 زيارة إلى مختلف المصادر.
لقد تعلمت التوسع في لقاءات المصادر المتنوعة داخل الحقل الواحد، وتوثيق كل ماله علاقة بالتحقيق، فضلا عن التأني في التحرير، واكتساب مهارات جديدة.
الشكر لكل من ساعدني من الزملاء في شركة (أريج) للدورات الاعلامية وغيرها، وأخص تحديدا الاستاذة الرائعة (رنا الصباغ) المدير التنفيذي للشركة، والدينامو المحرك لإنتاج جيل كامل من الصحفيين الاستقصائيين.
Leave a Reply