شبكات تسوّل تستغل أطفال صنعاء- محمد الكوماني

2015/12/30
التاريخ : 30/12/2015

الفكرة جاءت من خلال مشاهداتي اليومية للأعداد المتزايدة من الأطفال المتسولين في الجولات والشوارع والأماكن المزدحمة، وتكرر نفس الوجوه يوميا وفي نفس الأماكن، كان من الواضح انها أصبحت ظاهرة منظمة لها قوانينها ومشرفيها، ولم تعد مجرد شريحة من المجتمع محتاجة للمساعدة، بل اصبحت مهنة يجب أن يسلط الضوء عليها، وعلى أسبابها؛ لمحاولة حلها أو الحد منها.
وفعلا بدأت العمل في التحقيق بعد مناقشات مع مشرفي أريج، وكيف يمكن تنفيذ التحقيق وفق منهجية أريج، وقسمنا خطوات تنفيذ التحقيق وفق تلك المنهجية. كانت البداية مع عملية البحث الأولية لتحديد المصادر والمعلومات المتوفرة بحسب فرضية التحقيق التي تحتوي على محاورة متعددة، ركزت على إثبات وجود شبكات تستغل الأطفال في التسول لحسابها في شوارع العاصمة صنعاء. ومدى انتشارها، وغياب الرقابة الحكومية والتنسيق بين أجهزتها المختلفة، غياب التشريعات الخاصة بمكافحة التسول، ووجود ثغرات قانونية في مادة خاصة بالتسول مدرجة ضمن قانون الجرائم والعقوبات.
ومن خلال المناقشة، وجدنا اسئلة كثيرة، كان لا بد من إيجاد اجابات لها، متعلقة بمشروع مكافحة التسول، وآلية عمله، وكيف تمر حالة التسول من لحظة القبض عليها إلى أن يتم الإقراج عنها، توثيق الإهمال المتعمد خلال المراحل التي تمر بها حالات المتسولين، وكشف الثغرات وأطرافها، وما مدى علاقة الأحداث الجارية في اليمن وتأثيرها الإقتصادي على شريحة كبيرة من المجتمع اليمني؛ والتي أدت إلى إزدياد ظاهرة التسول خلال السنوات الأخيرة.
بدأت عملية التحقيق بإثبات وجود شبكات تسول تستغل الأطفال، بعد مراقبة ومتابعة إستمرت لأشهر طويلة، كانت تبدأ من ساعات الصباح الأولى وتنتهي عند المساء، ومن ثم الإنتقال لمرحلة إثبات وجود ثغرات في المادة الخاصة بالتسول وكيف سهلت من عملية الإفراج عن المتسولين، من خلال مشروع مكافحة التسول، وثق التحقيق التساهل الأمني لمحاربة الظاهرة وغياب التنسيق بين أجهزته المسؤولة عن محاربة الظاهرة، وكيف أن المعونات المقدمة من الحكومة للأسر الفقيرة، لا يمكن أن تمنعهم من التسول لتواضعها.
بسبب غياب البيانات الخاصة بالمتسولين والأحداث ومشروع مكافحة التسول، أجريت دراسة ميدانية على 116 طفل متسول من معظم مناطق العاصمة صنعاء؛ للحصول على بيانات يستند إليها التحقيق فيما يخص بيانات عن المراحل الزمنية التي بدأت فيها عملية التسول لشريحة الأطفال المتسولين حاليا في صنعاء، تأثير التسول على الأطفال فيما يخص التعليم، الصحة، بيانات حول عمليات القبض عليهم، وغيرها من البيانات التي ساعدت في إيضاح جزئية مهمة في التحقيق.
أثناء التحقيق، واجهت مواقف صعبة وتحديات كبيرة، فتعرضت للتهديدات أحيان كثيرة، محاولة لكسر أدوات التسجيل والتصوير، من قبل أسياد المهنة المشرفين على تسول الأطفال، وخلال الأيام الأولى من التحقيق، لا يمكن نسيان حادثة حصلت معي، أثناء متابعتي لطفل لا يتجاوز عمره (14 عام)، تفاجأت بإشهاره سكين وطالبا مني المغادرة فوراً!.
وكانت الظروف الأمنية والحرب التي تمر بها اليمن، بمثابة التحدي الأكبر لإنجاز التحقيق، الذي كان لأريج الفضل الكبير في إنجازه، التوجيه والإشراف والمتابعة لأريج؛ ذللت كل المصاعب والتحديات.
فيما يخص ردود الأفعال على التحقيق، بالرغم من الأوضاع التي تعيشها اليمن، إلا أن ما يحتويه التحقيق وجد صدى كبير، فتواصل الكثير من الناشطين في مجال الطفولة والحريات، والصحفيين، وتم إعادة نشر التحقيق في مهظم المواقع اليمنية، أيضا تواصل مسؤولين في الحكومة اليمنية، أكدوا ضرورة إيجاد حلول لكل ماورد في التحقيق.
ولعل أبرز تلك الردود هو التعليق الرسمي على كل ماورد في التحقيق من قبل لمياء الإرياني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة، ووكيل وزارة التعليم الفني سابقاً، التي أكدت أن التحقيق اشبه مايكون بدراسه مصغرة، وإضافة نوعية نستفيد منها جميعا، جهد رائع واضافة هامة في ظل هذه الظروف المعرقلة لكل شيء. وللاسف كل البيانات الواردة في التحقيق من اسباب المشكلة ومبررات تفاقمها واهمال الجهات المعنية والنتائج المترتبة كلها صحيحة، وغياب الأرقام الدقيقة وتباين الموجود منها يعثر الحلول والتدخلات.
وأضافت: أن قصور القوانين الموجودة سبب رئيسي لتفاقم الظاهرة، ويفاقم من وضع الأطفال ويزيد من إنتشار الظاهرة، وحل المشكلة يجب ان تكون بتجفيفها من منابعها، فأساس المشكلة اقتصادي واجتماعي بحت، وهذه اشكالية دولة تحت خط الفقر، فظاهرة تسول الأطفال قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه الجميع، إذا لم نجد لها حلول جذرية.