قادني لهذا التحقيق قصة سيدة مرشدة سياحية مسيحية في محافظة المنيا قتلت زوجها بعد أن فشلت في الإنفصال عنه، وحصلت في أول محاكمة لها على حكم بالإعدام، تتابعت الأسئلة في رأسي بعد قراءة هذا الخبر: لماذا لم تنفصل عنه؟ ما الذي كان يمنعها؟ لماذا لم توافق الكنيسة على إنهاء زواج فاشل؟ هل تتحمل الكنيسة والدولة مسئولية هذه السيدة؟، ماذا عن الفتن الطائفية التي حدثت بسبب رغبة سيدة في الإنفصال وبعد أن فشلت اعلنت اسلامها، لماذا لم تحل هذه القضية رغم الحوادث المتتابعة؟ وغيرها.
كان لدي كتاب بعنوان “طلاق الأقباط” اشتريته منذ سنوات لكني لم اقرأه وانتظرت ان يأتي الوقت المناسب، وبعد أن قرأت السطور القليلة عن قصة هذه السيدة قررت أن اقرأ الكتاب وابحث عن المزيد من المعلومات عن “الأحوال الشخصية للأقباط في مصر”، ومنذ ذلك الحين وانا متورطة في قضية ربما كان العمر كله سيمر دون أن ادري عنها شيئا ااذا كنت فكرت بمنطق أنا صحفية مسلمة وعلي أن ابحث فيما يتعلق بي ولا انبش في ملفات لا تطالني أو تطال من انتمي اليهم، لكن الحقيقة التي وصلت اليها قبل أن اكتب حرفا في هذا التحقيق هي أن قضية الأحوال الشخصية للأقباط في مصر قضية وطنية تمس المسلمين والمسيحيين على حد سواء، والألم الذي يشعر به المسيحي بسبب مشكلة أحوال شخصية اليوم، سيشعر به المسلم غدا.
واجهت على مدار عام تقريبا عدد كبير من العقبات التي كانت تعوق العمل على هذا الملف أو استكماله، بداية من إني مسلمة تواجه دوما مشكلة في التحدث إلى “مصادر” أول ما يتبادر إلى ذهنهم بمجرد رؤيتي إني لن أفهم ما يقولونه لأني لست مسيحية والقضية لا تخصني من قريب أو بعيد، ولأن “انتقاد الكنيسة” بالنسبة لكثيرين ليس فقط الخبراء والمتخصصين بل أكثر بالنسبة للأشخاص العاديين هو خط أحمر وخطوة غاية في الصعوبة حتى لو كان الشخص صاحب مشكلة منذ أعوام اضرت بحياته واستقراره، والصعوبة الأكبر تكمن في كيفية إقناعهم إنه ليس مطلوبا منهم انتقاد الكنيسة لكن التحدث عن المشكلة دون خوف من العواقب.
أولى التحديات كانت بمجرد أن بدأت العمل على التحقيق بعد فترة تحضير طويلة من البحث عن المعلومات والمصادر، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طرح مسوة قانون للأحوال الشخصية للمسحيين للحوار بين الكنائس في مصر، فكان يجب هنا الإنتظار ومراقبة وتسجيل ما يحدث ومتابعة ما تسفر عنه تلك الخطوة نتيجة مناقشات الكنائس والخطوات التي ستقوم بها الدولة بصفتها راعية لهذا الحوار من خلال وزارة العدالة الإنتقالية، وبدأت رحلة بحث عن المسودة وحقيقتها وعن مدى نجاحها في إنهاء المشكلة التي تصاعدت منذ 2008 بعد تغيير البابا شنودة الراحل للائحة 38 المعمول بها وحصر اسباب الطلاق في الزنا الفعلي والحكمي وتغيير الدين أو الملة.
بعدها كان علي ان أواجه صعوبة التحدث مع أشخاص أصحاب مشكلات مستمرة منذ سنوات، خاصة النساء منهم، فمن بين 10 سيدات حاولت التحدث إليهن بعد صعوبات جمة في الحصول على وسائل تواصل بهن، وافقت سيدة واحدة فقط على التحدث باقتضاب، ولم استطع بعدها ان اقنع اي من السيدات الآخريات بأن يتحدثن ولو لمرة واحدة، في حين إن الرجال كان التعامل معهم اسهل وكانوا اكثر قدرة ورغبة في التعبير عن شكواهم لكن أنا من واجهت معاناة نفسية بعد كل مرة اتحدث فيها مع واحد منهن بعد أن يخبرني أن علي ان اوصل صوته للرئيس السيسي، وكيف يحدث هذا، هل يمكن أن يقرأ الرئيس السيسي تحقيقي، وكيف يمكن له أن يحل مشكلة قائمة منذ سنوات ومتشابكة ومعقدة مثل قضية الأحوال الشخصية للأقباط، لكن ربما السؤال يجب أن يكون وهل يريد الرئيس السيسي أن يحل المشكلة اصلا؟
لم يقتصر الأمر عند هذا بل العقبة الكبرى كان في الأرقام والاحصائيات، اؤمن انه ليس مطلوبا أن يكون عدد المتضررين كبيرا لكي نتحدث عن مشكلة لكن في هذا الملف بالذات الصحفي يواجه مأزق في انه ليس موجودا احصائيات لكي ينشرها، فالكنيسة تتحدث عن أرقاما أقل بكثير من تقديرات روابط وجماعات المتضررين، ووزارة العدل التي تشكل احصائياتها الفصل في هذا الملف لا ترغب في أن تصرح بأي ارقام عن هذا الملف وتعتبره سرا لا يمكن الإفصاح عنه لاي سبب من الأسباب، وتقديرات منظمات المجتمع المدني قديمة وتعتمد على مجهود ذاتي في الجمع فلا تستطيع أن تعتمد عليها الا كمؤشر فقط لكن لا يمكن الاستناد اليها في الاقرار بحجم المشكلة، فكان الحل الوحيد هو إدراج كل الاحصائيات التي وردت على لسان اطراف لهم صلة وثيقة بالملف على الرغم من تضاربها وتناقضها والحيرة التي تتركها في نفس من يقرأها عن حجم ملف يتفاقم منذ عام 1971 حتى الآن بدون حل.
واجهت في العمل على هذا التحقيق الأحداث المتلاحقة التي يجب البحث فيها واضافتها للتحقيق، فتأخر أكثر من مرة لأن هناك احداث فرضت نفسها على الملف وكان يجب ربطها بالقضية، ابرزها ارسال روابط المتضررين تلغارافات مناشدة للرئيس السيسي، وما حدث في الكاتدرائية بالعباسبة من محاولة متضررون التحدث الى البابا تواضروس اثناء عظته لعرض مشكلتهم، فكان يجب أن اتحدث اليهم وابحث وراء قضيتهم والأسباب التي دقعتهم لاتخاذ هذا القرار، وتداعيات ذلك على مشكلتهم.
عملت كثيرا على مسودة قانون الأحوال الشخصية لمعرفة مواطن القصور والايجابيات وكيف يمكن أن يحل أو يعقد المشكلة لكن الكثير من المعلومات لم نستطع نشرها لان المسودة كانت تتغير باستمرار والعمل عليها وفق مصادر تحدثت اليها لم يتوقف، لكن المحير إنه على الرغم من المسودة لم تقر من الدولة سواء بواسطة رئيس الجمهورية أو مجلس الشعب إلا ان الكنيسة الأرثوذكسية اتخدت قرارا بتطبيقها داخليا منذ شهر ديسمبر الماضي، وبدأت فعليا في تطبيقها منذ يوليو 2015، فكانت كل الجهود التي بذلتها حول تلك السمودة مبرر بالنسبة لي من تلك الزاوية انها على الرغم من كونها مسودة بالنسبة للدولة إلا انها قانونا بالنسبة للكنيسة ووجود أوجه قصور وسلبيات سيجعل تأثيرها قائما.
العمل على هذا الملف الصعب كان مرهقا للغاية بالنسبة لصحفية لم تعمل من قبل في “الملف القبطي” ولم يكن لديها اي مصدر واحد قبل العمل عليه، لكن كونه صعبا مثل بالنسبة لي تحديا لمسيرتي المهنية التي مازالت في البداية، وجعلتني اعمل على تحقيق كما لو كنت انجز شهادة لنيل الماجستير أو الدكتوراة، فأصبح لدي الأن عشرات المصادر في الملف يعرفوني جيدا، ويتحدثون الي، ومعلومات لم أكن اعرفها لولا اني عملت على هذا التحقيق، وإنجازا حقيقا بالنسبة لي أن يظهر تحقيقا كان العمل عليه يشهد عقبة كل يوم.
تظل هناك نقطة إن ما التحقيق الأصلي الذي نُشر كان معه ملفا آخر أكبر من التحقيق نفسه يتضمن معلومات إضافيا وخلفيات وتعريفات لمصطلحات ربما يجدها القارىء صعبة، فكان في الحقيقة لدي تحقيقان الأول نشره مدى مصر في 30 يوليو 2015، والثاني أنشأت من أجله مدونة خاصة تضمن كل المعلومات التي اضطررنا أن نحذفها من صلب التحقيق الأصلي لتكن في ملفا خاصا. يمكن الأطلاع عليها من خلال تلك المدونة
https://copotsegypt.wordpress.com