حنان كسواني - استخدام زيوت السيارات المستعملة في إشعال أفران مخابز تقليدية يهدد بكارثة صحية وبيئية

2009/03/4
التاريخ : 04/03/2009

عمان-نبعت فكرة التحقيق الذي نشر تحت عنوان ” استخدام زيوت السيارات المستعملة في إشعال أفران مخابز تقليدية يهدد بكارثة صحية وبيئية ” من ملاحظات أبداها اختصاصيو علم السموم حول البقع السوداء العالقة في الخبز المنتج بشكل رئيسي في الأفران التقليدية.

أثارت ملاحظة الاختصاصيين جملة من الأسئلة حول أسباب البقع السوداء والأضرار المحتملة لوجودها على رغيف الخبز، التساؤل الذي أثار جملة من الفرضيات اتجهت في غالبها إلى أن الأفران التقليدية تعتمد على زيوت السيارات العادمة في إشعال الأفران التقليدية.

وبناء على استشارات من أطباء وخبراء سموم وكيمياء وباحثون في مجال البيئة ثم صياغة فرضية التحقيق لتكون ” استخدام زيت السيارات العادم في إشعال الأفران يلوث الخبز ويهدد الصحة”.

بعد صياغة الفرضية بدأ العمل لمحاولة إثبات صحة الفرضية أو نفيها، واعتمد العمل إستراتيجية تقوم على إثبات أو نفى الفرضية من خلال زيارات ميدانية للمخابز للاطلاع على واقع العمل فيها وأخذت عينات من المخابز ( زيت ، وخبز وسناج من أرضيات المخبز) وإخضاعها لفحوصات مخبرية بهدف الوصول إلى نتائج علمية.

شملت الجولات الميدانية كلا من العاصمة عمان ومحافظة جرش ومنطقة الأغوار.

إضافة للجولات الميدانية لجمع العينات المخبرية. تم مناقشة الفرضية مع نقابة أصحاب المخابز والجهات الرقابية على عمل المخابز كالمؤسسة العامة للغذاء والدواء ومفتشي وزارة الصحة ووزارة البيئة ومحطات غيار زيت السيارات على اعتبارها مصدر للزيت العادم وذلك بغية الإلمام بكل الجوانب التي شملتها الفرضية.

وعقب صدور نتائج العينات القيام بعرضها على خبراء في الكيمياء وعلم السموم والبيئة بهدف تحليل النتائج وقياس مدى تطابقها مع الفرضية.

النتائج المخبرية عكست التطابق- إلى حد كبير- مع الفرضية حيث أثبتت خطورة استخدام زيت السيارات العادمة في إشعال الأفران، وكشفت عن مخاطر آنية ومستقبلية تتهدد رغيف الخبز، الذي ما زال آمنا صحيا لغاية الآن بما ينعكس على صحة من يتناوله في حال مواصلة استخدام الأفران لتلك المادة في الإشعال ، فضلا عن أن مادة الديزل المستخدمة ينبعث أيضا عنها تراكيز عالية من المعادن السامة في حال عدم الاهتمام بنظافة أرضية الفرن فان الخبز سيتأثر بها.

التحديات:

· العمل في التحقيق واجهته جملة من العقبات من أهمها خوف أصحاب المخابز من الحديث ما اضطرنا إلى تكرار المحاولة معهم لعدة مرات بهدف خلق حالة من الطمأنينة والثقة لديهم.

· كما شكلت رتابة الإجراءات عند إرسال العينات إلى المختبر للتحليل عائقا أدى إلى تأخر إصدار التحقيق إذ بقيت العينات رهينة الجمعية العلمية الملكية لمدة شهرين بسبب الإجراءات الروتينية واشتراط عدم استخدام نتائج الفحوصات في إعداد المواد الصحفية.

تم التعاون مع الأستاذة مها التوتنجي بعلاقاتها الشخصية لخفض كلف التحاليل المخبرية من جهة إذ كانت التكلفة مرتفعة جدا “تتجاوز من5 آلاف دينار، وهو رقم لم يتم رصده ضمن ميزانية التحقيق .

كما قامت التوتنجي باتصالات هاتفية مستمرة مع الجمعية للإسراع بنتائج العينات وتسليمها لنا. وعندما ضاعت العينات تم التقاط عينات أخرى وأرسلت مرة أخرى لتحليل 11 عنصرا من المعادن الثقيلة( الكاديميوم والزرنيخ والرصاص والنحاس… الخ) بينما دراسات الدول الأخرى ونشرت في مجلات محكمة مثل إيران ومصر أجرت التحليل على أربعة عناصر فقط( وهذا يسجل للتحقيق).

· رفض بعض المختصين في مجال البيئة والصحة من الإدلاء بأي تصريحات حول هذا الموضوع لمعرفتهم الحقيقية بردود فعل حكومية ونقابية وشعبية عقب نشر الموضوع.

· مماطلة بعض الخبراء في تحديد مواعيد للمقابلات لقراءة التحاليل المخبرية وصعوبة تبسيط المصطلحات العلمية للمواطنين.

· افتقار الأردن لمثل هذه الدراسات العلمية المحكمة للاستفادة منها وإثراء مادة التحقيق.

· عقب نشر الموضوع ، تخلى عدد من المسؤولين في مؤسسة الغذاء والدواء ووزارة البيئة عن تأييدهم لفكرة التحقيق بعد أن أُلقي اللوم عليهم واتهامهم بالمشاركة في “تدمير الأمن الصحي ” من جهة ومن جهة أخرى تقصيرهم في عمليات الرقابة، وعدم اطلاعهم على مضمون التحقيق قبل النشر للحيلولة من نشره بهذه الصورة.

ردود الفعل:

· تحركت نقابة أصحاب المخابز بالتعاون مع مديريات صحة التابعة إلى وزارة الصحة في المحافظات وفي عمّان مع المؤسسة العامة للغذاء والدواء بإجراء مسح شامل للمخابز للبحث عن المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.رغم الهجوم الشرس الذي شُن على التحقيق واتهامات بعدم مصداقيتنا رغم أن الدلائل والبراهين كانت أمامهم. إلا أننا استطعنا مواجهتهم بالوثائق والمعلومات الموثقة لدينا للرد على اتهاماتهم.

· تعهدت وزارة البيئة الأردنية بإجراء دراسة على تأثير الهواء المنبعث من المخابز التقليدية على صحة الإنسان.

· بناء على تفاعل المواطنين مع التحقيق ورصدها تبين ان التحقيق كان له تأثير على وعي المواطنين من حيث :1 – قبولهم لانتزاع البقع السوداء الملتصقة 2- عدم وضع الخبز على الجرائد أو لفها بها كما يحدث في بعض المناطق الشعبية وذلك حتى لا تتأثر أجسامهم بالرصاص.3- خلق نوع من المسؤولية الاجتماعية لدى العمال والمواطنين بالتبليغ عن المخالفين.

· تناولت الفضائيات التحقيق ووكالات أنباء عربية .مما لفت نظر الدول العربية المجاورة والتي تعاني من مشاكل بيئية مشابهه للأردن أن تتحرك باتجاه المخابز التقليدية وزيادة الرقابة عليها.

وعند الحديث عن التحقيق لا بد من الإشارة إلى الجهة الداعمة لانجازه شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية) وجريدة الغد اليومية التي أفردت مساحة جيدة له ومزود بالوثائق والصور، فالعمل مع الشبكة وان ظهر متعبا في البداية إلا انه كان ممتعا وصارما وعلميا بهدف الوصول إلى الحقيقة بكل موضوعية وحيادية.

كما أبدى المشرف على التحقيق الأستاذ محمود الزواوي مرونة كبيرة في التعامل ورغبة في الوصول إلى إنتاج تحقيق يراعي الشروط الاستقصائية بكل علمية وموضوعية.

التوجهات المستقبلية:

· إجراء متابعة للتحقيق عقب نشره بعد 3 أو شهور لمعرفة مدى التزام بعض أصحاب المخابز التقليدية بالتعليمات والأنظمة المتعلقة بـ”عدم استخدام الزيوت العادمة في الأفران”.

· اجراء تحقيق استقصائي أخر لسحب عينات دم وفحوص مخبرية لعمال في المخابز التقليدية لمعرفة تراكيز السموم في أجسامهم . ومقارنتها بالنسب العالمية المعتمدة في دراسات علمية منشورة.

هذا الدعم من قبل الشبكة والمشرف يشكل دافعا لتكرار التجربة وحافزا لخوض تجارب جديدة من قبل زملاء آخرين لم يسبق لهم العمل مع “أريج” ، وذلك للوصول إلى صحافة استقصائية عربية تقوم على أسس منهجية وتساهم في كشف “خبايا” مجتمعات ما زالت تخفي الكثير.


تليقاتكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *