تعليم "مغشوش": أبحاث للبيع تهز ميزان العدالة في جامعة الكويت

2017/08/20
التاريخ : 20/08/2017

عندما طرحت فكرة “تعليم للبيع ” منذ أكثر من ستة أشهر للتحقيق فيها استقصائيا في الكويت، واخترت جامعة الكويت نموذجاً، لم يكن السبب فقط أن شراء الطلبة للأبحاث الجامعية أصبح مقبولاً وشائعاً ليس في الكويت فقط بل في كثير من  الدول العربية، ولكن كان السبب الأقوى أنني أرى أن كتابة الأبحاث والتقارير للطلاب في المرحلة الجامعية هي السبب لقضية الشهادات الوهمية والمزورة لأساتذة جامعيين في الكويت، وهي الفضيحة التي تؤرق الحياة الأكاديمية في الكويت في السنوات الأخيرة.

قبل عام تقريباً كتبت تقريراً عن أساتذة جامعيين تجرى تحقيقات حولهم وأنهم حصلوا على شهاداتهم العلمية بطريق غير صحيحة وكان بعنوان”الكويت: الحرب ضد الشهادات الجامعية المزورة مستمرة”. وأعتقد أن الفساد في هذه القضية بدأ باكراً وقبل الوصول لدرجة الدكتوراة بل بدأ مع شراء جهود غيرهم من الأبحاث والتقارير العلمية أثناء المرحلة الجامعية.
أول ما صادفني عند بدء التحقيق هو الاستهانة بالأمر وعلى كافة المستويات، سواء المكاتب التي تقوم بعمل الأبحاث أو الجامعة التي تعلم جيداً أنه على بعد دقائق من بوابتها يشتري طلابها الأبحاث، أو بعض أساتذة الجامعة الذين رأوا أنه أمراً سلبياً لكنهم لا يتخذون أي أجراء عقابي رادع لطلابهم، وأيضا الجانب الرقابي من وزارة التجارة، حتى الطلاب أنفسهم أعترفوا لي سواء خلال الأستبيان أو أمام الكاميرا بالصوت والصورة ولم يشعروا أنه أمر مخجل. أثارني ذلك جداً ولأي درجة أصبح الفعل يقيم على أثاره المباشرة بغض النظر عن كون الفعل صواب أم خطأ، فالغالبية ممن أستهانوا بالأمر، يرون أن الأمر لا يعد جريمة بل هو بحث لطالب يريد أن ينجح! وهؤلاء أنفسهم يرون أن الحصول على شهادة الدكتوراة بالإحتيال جريمة كبرى!.
كنت أرى بوضوح أن الطالب الذي يشتري البحث ويحصل على درجة لا يستحقها هو نفسه الذي يشتري درجة الدكتوراة ليصبح أستاذ جامعياً أو طبيباً أو مهندساً.
محمد الشاب الذي تطوع معي ليقوم بدور شقيق الطالبة وهو بالمناسبة ممثل مبتدأ، أشترط علي شرطاً واحداً الا يظهر وجه أحد من الموظفين حتى لا يتأذى أحد، وهذا التعاطف منه قادني لسؤال كوني مصرية والموظفين الذين يقومون بببيع الأبحاث من نفس جنسيتي، هل ما يقومون به يستحق أن أصورهم وقد تغلق مكاتبهم أو يطردوا من وظائفهم، أو يتحملون النقد والتعليقات كجنسية تتلقي كثير من الاتهامات في الكويت حالياً ، وأنها سبب في أنتشار كثير من الأفات مثل الدروس الخصوصية والرشاوي وتجارة الأقامات؟، ولم أستغرق كثيراً من الوقت في الأجابة بأن الفعل خطأ حتى لو كان الغالبية يرونه أمراً هيناً، فبيع التعليم وغشه لا يختلف عن بيع المواد الغذائية أو غشها، أو من يبيع أقراص الحبوب المخدرة للشباب .
من أصعب المهام في التحقيق هو التصوير بالصوت والصورة، لعملية الاتفاق وشراء التحقيق،وبدون كاميرات سرية مثل ما يفعل زملائي عادة في التحقيقات الاستقصائية، وهي المرة الأولى لي ولمحمد الشاب المتطوع، وقررت أن أقوم بعملي كالمعتاد كمراسلة فيديو في القبس الإلكتروني أقوم بعمل الاستطلاعات، ووقفت على بعد خطوات من مكتب الطباعة والتصوير، وقام زميلي المصور وليد حلمي بالتظاهر أن يصورني ، بينما في الواقع كان يصور محمد الذي وضعنا له ميكرفون داخلي وهو من النوع الذي يستخدم في اللقاءات التلفزيونية وكنت أكدت عليه أن يرتدي قميص أسود حتى لا يظهر الميكرفون. ونجحنا في تسجيل الاتفاق ودفع الفلوس واستلام الفاتورة وكان الموظف بدأ بالارتياب من كاميرا ومراسلة القبس خارج مكتبه فبدأ يتواري عن الأنظار لكن أستمر صوته واضح.
كان علي أن أثبت أن هناك مكاتب أخرى تقوم بعمل الأبحاث، ففوجئت أن الأبحاث بدأت بالانتشار بين طلاب المدارس، أي أن تعليم الغش للطلبة والحصول على درجة لا يستحقونها ووضع أسمائهم على مجهود لم يبذلوه بدأ في مرحلة أبكر مما توقعنا.
قضايا التعليم في دولنا العربية لا تحظى بالأضواء الا أذا صارت قضية رأي عام وكان أثرها مباشر ووشيك، لكن القضايا المتعلقة بالشفافية والأمانة العلمية  تحتل ذيل قائمة الأهتمام عند المسؤولين ووسائل الأعلام والمتلقين. ولكني أؤمن أن حل جميع مشاكلنا وقضايانا يبدأ من التعليم وترسيخ قواعد أخلاقية وقانونية تبدأ من مراحل دراسية  مبكرة تعلم الطلبة كيف أن الأمانة العلمية تعود عليه هو أولا بالفائدة وتضمن الا يدرسه أستاذ مزور أو طبيب بشهادة وهمية أو يبني بيته مهندس إحتال في الحصول على شهادته.