(أبراج الرعب) ......انتشار عشوائي لأبراج الاتصالات في تونس

2016/11/9
التاريخ : 09/11/2016

 تطورت بتونس خلال السنوات الاخيرة خدمات شركات الاتصالات المتعلقة بالهاتف الخلوي، خاصة مع دخول الشركات الخاصة  (بين 2002 و2009) لهذا المجال لتصبح المنافسة محمومة وشرسة على سوق الهاتف من الجيل الثالث مما  أدى الى انتشار ابراج الهاتف الخلوي فوق الاسطح والعمارات بصفة عشوائية في كل مكان لتفوق 14 ألف برج في كامل أنحاء البلاد اغلبيتها في تونس الكبرى بحوالي 600 برج في ولاية اريانة (الضاحية الشمالية للعاصمة).

وبين ازدياد الوعي بخطورة الوضع على صحة المواطنين، وتواصل اللغو بهذا الشان والتذمر بين السكان وانفسامهم الى شقين (شق رافض لنصب مثل هذه الابراج وشق غير مكترث للمخاطر الناجمة عنها) ، تولدت الاسئلة المتداخلة

حول مدى حقيقة هذه الابراج ، و كيفية تركيزها، وماهو القطاع المنظم لعملها، وهل هناك قانون يضبط عملها؟  و كان السِؤال الملح الذي يتبادر الى الذهن حول مدى تاثير مثل هذه الابراج على صحة المواطنين وكيفية اثبات ذلك ؟

لذلك كان من المهم جدا تناول مسألة ”الانتصاب الفوضوي لابراج شركات  الهاتف الجوال وانتشراها العشوائي” بالمدن التونسية سيما  وهي تطالعك  كمشهد يومي في ذهابك وايابك بين الاحياء السكنية وفي الطرقات .

وبالنسبة لمعدة التحقيق، تعلقت الصعوبة الاكبر بكيفية أثبات الانتشار العشوائي لابراج الهاتف الخلوي لشركات الاتصالات بالوثائق الرسمية  وابراز مدى تساهل او تورط  السلطات المعنية بهذا الملف في منح الرخص لهذه الشركات والمتمثلة بالاساس في وكالة الترددات التابعة لوزارة الاتصال والاقتصاد الرقمي.

اما التحدي الثاني فكان في كيفية التعرف على مواطنين متضررين من تركيز مثل هذه الاعمدة  جسديا وصحيا واثبات هذا الضرر عبر شهادات طبية  وتجربة واقعية معاشة.

  والحقيقة تملكني الاحباط  خلال الشهرين الاولين من انجاز هذا التحقيق لعدم تمكني اولا من حصر عدد  مناسب لسكان متضررين ممن يملكون وثائق قانونية أو قدموا شكايات ضد تمركز هذه الابراج قبالة منازلهم،  وثانيا  استحالة حصر عدد الابراج  المخالفة  القريبة من أماكن حساسة  وثق ما جاء في المنشور الصادر في 2008 بتونس والذي ينظم تركيز ابراج هذه الشركات (والذي يمنع تواجدها امام مدارس وحضانات ومستشفيات )  وذلك لان الامر يتطلب فريقا صحفيا كاملا وليس صحفيا لوحده للبحث والتعمق في اثبات هذه المسالة المعقدة.

ولكن بالعزيمة ، والاصرار على النجاح،  وبعد بحث مضني واتصالات بعدة مسوءولين وكذلك صحفيون واصدقاء ومعنيون بهذا الموضوع ومتضررون وكذلك وجود اطراف فاعلة لكنها رفضت  الكشف عن هوياتها  لخوفها من انعكاسات كشف هذه الموضوع على حياتهم العملية ، تم اثبات فرضية التحقيق بعد أشهر من البحث وهي  ”مسالة الانتشار العشوائي لابراج الهاتف الخلوي بتونس” وعدم احترام شركات الاتصالات لأدنى شروط السلامة فضلا عن غياب الرقابة والمساءلة القانونية ، مما جعل عدد الأبراج بتونس يتطور ويصل الى نسبة قياسية.

 وعلى الرغم من تباين الدراسات العلمية المتعلقة بتاثير مثل هذه الابراج على صحة المواطنين، فان معدة التحقيق توصلت الى حقائق توثق انعكاسات هذه الابراج على فئة من المستجوبين الذين أقروا بمعاناتهم النفسية والجسدية عبر شهادات طبية .

ولذلك فان تجربة التحقيق الاستقصائي مع شبكة اريج كانت ممتعة وجريئة، وتتطلب الصبر لاثبات الفرضية، ولعل التوجيه  من قبل المشرفين على الشبكة كانوا في الموعد مع معدة التحقيق لدفعها على البذل والعطاء والنجاح في الوصول الى نتائج  مرضية. وتبقى مواصلة هذا النوع من التحقيقات رهينة بثقة الصحفي  بقدراته  وبامكانياته وبعزمه على المزيد من العطاء والتضحية بوقته وخاصة عدم يأسه  للوصول الى حقائق ملموسة.