انطلقت فكرة الموضوع منذ تفجير فضيحة ” سويس ليكس ” خلال شهر فيفري 2015 ، واستفزني حجم الأموال المهربة وتفشي التهرب الضريبي من قبل شخصيات تونسية جعلت من تونس مصنفة 59 من بين 201 دولة مدرجة ضمن قائمة التي ينحدر منها حرفاء هذا البنك . واستمرت عملية التوثيق الأولية التي حاولت حينها القيام بها بمفردي نحو شهر للبحث في مختلف المقالات والوثائق المتاحة إلى حين مكنتني شبكة أريج من الوثائق وتم عرض فكرة العمل معهم في هذا الموضوع .
في البداية كان الموضوع متزامنا مع اعداد رسالة الماجستير وامتحانات اخر السنة مما جعل عملية البحث والتدقيق تتعطل في المرحلة الأولى من العمل الى حين أنهيت مناقشة الرسالة وركزت العمل في الموضوع.. بداية شرعت في تفحص قائمة أسماء التونسيين الواردة ضمن القائمة وتحديد بعض الاسماء الذين يمكن ان ينحصر البحث حولها .
اقترحت لاحقا على شبكة أريج نحو ثماني أسماء، مكننوني من كشوفات حساباتهم وحسابات الاشخاص المرتبطين بهم. وقمت في البداية باستخراج شهادات الميلاد الخاصة بهم لمعرفة هؤلاء الاشخاص ، والاطلاع على حساباتهم عبر الفايس بوك او تويتر للتعرف عن علاقاتهم ، وتعمقت شيئا فشيئا في قراءة النصوص القانونية للبحث عن أصناف التجاوزات التي يقترفها المتهرب ضريبيا وحاولت فهم بعض الاجراءات التي يتم اتباعها في الغرض من قبل بعض المحامين الذين تربطني بهم علاقات خاصة. وخلال تفحص الحسابات ظللت ابحث شيئا فشئا عن الشخصيات التي قد تكون الاكثر اهمية عوضا عن استقراء المعلومات التي أوردتها هاته الحسابات كما كان مقترحا في الاول تبين أن حجم هذه الحسابات المهربة وتونس تغرق في ضائقة مالية واقتصادية كبير مما استفزني لمعرفة مصادر هذه الاموال وطرق تهريب هذه الثروات الى الخارج.
ومع تقدم البحث والاتصال بمنظمات المجتمع المدني المعنية بهذا الملف والاطلاع على الوثائق توصلت إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة، قررت تركيز البحث على بلحسن الطرابلسي لما يمثله من تداخل بين المال والسياسة واستغلال نفوذ من اجل التلاعب بمصالح الدولة، ولمسؤوليته عن اكثر الصفقات شبهة ولعلاقته بتهم في غسيل الاموال حيث توصلت إلى أن المعني بالأمر كان في كل معاملاتها يدخل شريكا في رأس مال مؤسسة عمومية مع شركات ” أووف شور” بما يخول له الاستيلاء على هذه المكتسبات الوطنية وتحويل الأموال المترتبة عن عمليات بيعها لاحقا بشكل سهل إلى الخارج وفي اغلب االأحيان في خرق واضح للقانون دون ان تحرك الدولة ساكنا قبل الثورة وبعدها ظلت ملفات المطالبة باسترجاع الاموال التونسية المجمدة في البنوك السويسرية تراوح مكانها.
وما كان مستفزا أن محامو الطرابلسي سارعوا في منتصف السنة الجارية بتقديم قضية لدى المحكمة الادراية لابطال احكام المصادرة المقررة في حق ممتلكات بلحسن الطرابلسي في تونس. وأمام هذه الاتهامات بالاستيلاء على الاملاك العمومية وشبهة غسيل الاموال والتهرب الضريبي وتهريب الاموال وغيرها ، لم يقبل محامي بلحسن الطرابلسي الرد على كل هذه الاتهامات في اطار تمكينه من حقه في الرد واثر محاميه الخاص الرد بعد نشر التحقيق ان وجد بدا لذلك ، غير انه وبعد نحو 20 يوما من نشره لم يطلب ذلك ولم يتصل بمحررة التحقيق.
أما بالنسبة إلى الصعوبات، فكانت متعلقة بالأساس بعاملين أساسيين : أولا التحقيق أنجزته دون مؤطر وهو مجهود فردي بامتياز عدا على مستوى الوثائق التي مكنتني منها أريج ، أما العامل الثاني فيتعلق بعدم التفرغ لانجاز التحقيق خاصة أن العمل الفعلي انطلق مع شهر رمضان والعطلة الصيفية بالإضافة إلى أني لم أكن متفرغة تماما لإعداد التحقيق وكان انجازه على حساب حياتي الخاصة حيث كثير ما كنت الجأ الى الكتابة أو تحليل المعطيات المتوفرة لدي أواخر الليل بعد انهاء كل مشاغلي العائلية . كما أني اقتطعت جزء ا من عطلتي السنوية وخصصته إلى انجاز جزء من هذا العمل .
وعلى مستوى النشر لم يكن لدي أي مشكل على اعتبار أني كنت على اتفاق مع إدارة التحرير وفي تنسيق مسبق معها. ردود الافعال وعلى اثر نشره لاقى هذا التحقيق، في نسخيتيه العربية والفرنسية ، صدى ايجابيا خاصة من قبل مختلف وسائل الاعلام حيث تم تداوله وإعادة نشره بأكثر من 15 وسيلة إعلام بين صحف يومية ومواقع الكتورنية ونظمت بعض الاذاعات الخاصة حوارات حول موضوع الاموال المهربة كان منطلقها هذا التحقيق. ودعت قوى المجتمع المدني الى ضرورة التريث في تمرير مشروع المصالحة المالية الذي اقترحه رئيس الجمهورية على مجلس نواب الشعب ورأوا فيه تفريطا في حقوق الدولة وتعديا على قانون العدالة الانتقالية وعلى مهام هيئة الحقيقة والكرامة الملكفة بالموضوع خاصة أن التهرب والتهريب وكما اثبته التحقيق فاق حجمه الخيال .
كما أنه من المنتظر ان يكون ملف الأموال المهربة والارصدة المجمدة في سويسرا، على رأس جدول أعمال رئيس الجمهورية خلال زيارة الدولة التي يؤديها الى سويسرا اواخر الشهر نوفمبر 2015.