عندما سيطر تنظيم “داعش” على أجزاء واسعة من العراق في 10 حزيران/يونيو 2014 بدأت العمليات العسكرية ضده في المحافظات الغربية والشمالية من البلاد، وهبت معها موجة إرسال الصحافيين إلى مناطق النزاع، وهذه قد تكون التجربة الأولى للصحافة العراقية في تغطية المعارك بهذه الطريقة. ففي الحرب العراقية الايرانية الشهيرة (1980 – 1988)، كانت المعارك في الجبهات ولم تكن داخل المُدن، ولا حرب الكويت 1990 كانت مثلما هي المعارك الآن، ولا حتى حرب 2003 عندما إجتاحت القوات الأميركية العراق، لذا لم تك للصحافة العراقية تجربة مفهومة في تغطية المعارك.
دفعت العشرات من وسائل الاعلام العرقية خاصة تلك التابعة لأحزاب سياسية وجماعات مسلحة بمراسليها ومصوريها إلى جبهات القتال. حينها لم تك الكوادر الإعلامية ترتدي الخوذة والدرع الواقيتين من الرصاص، ولا حتى يعرفوا شيء عن تغطية المعارك أو حصلوا على تدريبٍ سابق في السلامة المهنية وتغطية مناطق النزاع، لذا كان هناك ضحايا كثر من الصحفيين بسبب تلك المعارك.
لاحظتُ وزملاء أن المراسلين “الحربيين” يظهرون في التلفاز في مناطق النزاع ولم يرتدوا لا الدرع ولا الخوذة، كما انهم يتقدمون في الخطوط الأمامية. ولأنني صحافي عراقي وزميل لهم، أعرف ان الصحافي الذي يذهب الى جبهات القتال من دون عقد عمل أو ضمان إجتماعي، فتساءلت، هل هذا إهمال مؤسساتي أم مجازفة شخصية من قبل البعض؟.
أسباب اختيار الفكرة:
1- تسليط الضوء على إنتهاكات ترتكب بحق الصحافيين بقصد ودون قصد.
2- كشف ما عملت عليه بعض المؤسسات من دفع الصحفيين للموت دون مبالاة.
3- إظهار حقيقة مزاعم المؤسسات المعنية بالصحافيين حول تدريب الصحافيين العراقيين على تغطية النزاعات.
4- معرفة الواجب الذي يقع على عاتق المؤسسات الإعلامية تجاه موظفيها، وما هو دول المنظمات المدافعة عنهم.
5- كشف أعداد الصحافيين العراقيين الذين تلقوا تدريبات على تغطية الحروب.
6- كشف جودة الخوذ والدروع التي إرتداها بعض الصحفيين والتي تبينت إنها مزيفة ولا تحمي من الرصاص.
منهجية التحقيق بدأت بطرح فرضية تعرض الصحافيين العراقيين إلى مخاطر كبيرة أثناء تغطيتهم المعارك في مناطق النزاع، ثم بدأت عملية البحث الأولي على الإنترنت والمقابلات عن بُعد مع الصحافيين الذين كانوا يغطون المعارك، بعدها رسمت خارطة عمل حددت، الفعل والفاعل والمفعول به، حيث تمت عملية تحديد الجهات المسؤولة عن توفير الدعم للصحافيين، وما هي الآليات التي إعتمدتها المؤسسات الإعلامية في إرسال صحافييها لتغطية المعارك، ثم تحديد النقابات والمنظمات المعنية، بعدها عملية إحصاء لضحايا الصحافيين ومقابلة ذوي بعضهم.
ثم جاءت مرحلة إجراء المقابلات، قبلها وزعت إستبيانين صحافيين على الوسائل التي ترسلها صحافييها لمناطق النزاع، وكذلك للصحافيين ذاتهم لمقاطعة المعلومات بينهم، بعد ذلك إجراء عملية فحص للدرع الذي يرتديه الصحافي في القنوات المحلية ومطابقته مع درعٍ يرتدي صحافي عراقي يعمل في مؤسسة دولية.
جاءت بعد ذلك المرحلة الأخيرة من تحرير وتدقيق التحقيق وإرساله إلى المشرف عليه، الذي تواصلت معه بشكل مستمر طيلة فترة بدء العمل بالتحقيق.
ما هي الصعوبات التي واجهتها خلال العمل على انجاز التحقيق:
في بلدٍ مثل العراق يشهد معارك ونزاعات وحملات تسقيط وتشويه وصعوبة أو إستحالة الوصول للمعلومة، فبكل تأكيد هناك مصاعب كبيرة وكثيرة، حيث واجهتني مصاعب “التهديد” التي أبلغت بها الزميلين رنا الصباغ وحمد العثمان عندما بدأت عملية توزيع إستبيان على وسائل الإعلام، حينها قالت جهات إعلامية وأمنية وجهات غير رسمية أن هذا الإستبيان فيه أسئلة “مخابراتية”، رغم ان الاستبيان تضمن السؤال عن الدورات التي حصلها عليها الصحافي في مجال السلامة المهنية، وكم راتبه وأين يعمل.
هناك صعوبات أخرى تمثلت في مقابلة الصحافيين الذين يغطون النزاعات، فأكثر الوقت أهدر لأنهم كانوا في مناطق النزاع ولم أتمكن من اللقاء بهم بشكل مستمر، كما ان تغطية الهاتف النقال شبه معدومة في بعض المناطق هناك، لذا كان هناك تأخيراً كبيراً بهذا الشأن.
لم اتمكن من مقابلة عدد من مسؤولي الفضائيات ولا الحصول على معلومات منهم عبر الاستبيان، لأنهم أيقنوا ان اجابوا بالحقيقة فإنهم سيُتهمون، وأن قالوا غير الحقيقة فإنها ستظهر في التحقيق الإستقصائي، لذا ضاع شهرين من عمر التحقيق بسبب هذه المقابلات التي لم تتم.
كما ان هناك صعوبة وخطورة كبيرة واجهتها وهي إنتماء تلك القنوات التي كشف التحقيق تقصيرها لجماعات مسلحة، وهذا ما دفع بعضهم للقول لي “انتم تريدون تسقيطنا الآن عبر مؤسساتنا وتقولون اننا لم نهتم بالصحافيين”. هنا كانت الخطورة الأكبر عندما واجهت وبإعجوبة تلك القناعات المعززة بالسلاح والمال والنفوذ والجمهور، وأنا وحدي.