كنت أغطى أحد الفعاليات فى اليوم العالمى للمرأة – مارس الماضي- حينما سمعت لأول مرة مصطلح ” الإغتصاب الزوجى ” ، كانت المتحدثة أحد الحقوقيات المناهضة للعنف ضد المرأة ، قالت أن هناك العديد من الثغرات القانونية التى تسمح بإستمرار العنف ضد المرأة ، ثم علقت قائلة ” مكتبى يستقبل سنويا العديد من السيدات اللاتى يأتون لرفع قضايا خلع يتنازلن فيه عن كل حقوقهن من أجل التخلص من كارثة تسمى الاغتصاب الزوجى و الذى لا يحق لها قانونا الشكوى ضده ” .
لمدة شهر تقريبا ظللت أبحث عن الموضوع ، لأكتشف أن القضية ليست بالجديدة كما كنت اتوقع حينما تلقتها أذنى لأول مرة ، فعلى الانترنت محتوى ضخم – أغلبه أجنبى – يتحدث عن تجريم إجبار الزوجة على العلاقة الزوجية ، بينما فى الدول العربية كان هناك الكثير من الكتابات ، منها ما كان يتحدث عن الموضوع بشكل صريح ومنها ما كان يلمح له على استحياء ، لكن كان الأمر الواضح بالنسبة لي فى ذلك الوقت ، أن كل الموضوعات كانت تترك ثغرة ما تسمح للقراء بالهجوم عليها بتعليقاتهم المعبرة عن ثقافة ضحلة و عنف متراكم .
جلست وقتها مع أستاذ عماد عمر ، أستعرضنا كافة الحقائق و الدراسات و الإحصائيات التى توصلت اليها خلال البحث السابق ، فضلا عن كافة القوانين سواء الخاصة بالعلاقة الزوجية أو العقوبات الخاصة بالعنف الجنسي فى مصر ، ونماذج مختلفة من قوانين الدول التى باتت تجرم الاغتصاب الزوجى و تعاقب الزوج عليه ، كان عدم وجود قانون هو أولى اطراف الفرضية التى قررنا أن نسير خلفها فى التحقيق ، فهو ليس فقط لا يعترف به بل أيضا يشرعنه فوفقا لعقد الزواج ” يحق استمتاع الزوج بزوجته ” بدون أى آليات تدين الطرف الذى قد يستخدم هذا الحق فى انتهاك حقوق الطرف الآخر .
اعتمدت منهجية التحقيق على توثيق شهادات لسيدات تعرضن للإغتصاب الزوجى أى “الإجبار على العلاقة الزوجية من قبل أزواجهن ” وعدم قدرتهن على إدانة أزواجهن قانونيا ، وبالطبع كنت اهدف اكثر الى الشهادات التى وقعت لهم إصابات مادية بشكل أساسى لكى أؤوكد على الفرضية ، وبسبب حساسية الموضوع ، و توقع عدم سهولة الوصول الى ناجيات او اقناعهن بالتحدث عما مررن به ، كان استخدام الاستبيان الالكترونى احد الآليات المساعدة ايضا المقررة ضمن منهجية التحقيق للوصول الى اكبر عدد ممكن من الناجيات التى لا تريد المواجهة الصحفية .
فى البداية ، ظللت لمدة مدار شهر تقريبا أدق أبواب كافة المؤسسات التى تتعامل مع قضية العنف ضد المرأة ، وثقت شهادات عشرات الباحثين الاجتماعيين و النفسيين و الأطباء و المحاميين الذين عملوا على استقبال المعنفات و اللاتى من ضمنهن يأتى المعنفات من قبل ازواجهن ، كانت كل الشهادات تصب فى إتجاه واحد ، وهو أن كافة الإنتهاكات التى ترددت على مسامعى منهم إنتهت لذوات الحظ الحسن بالإنفصال ، بينما ما زالت أخريات يواجهن الأمر تحت سطوة وصمة الطلاق داخل مجتمعاتهم المغلقة او ظروف مادية سيئة .
كنت اواجه أزمة كبيرة فى الوصول الى سيدات يوافقن على تسجيل شهادتهن معى ، فعلى الرغم من العنف الشديد التى تعرضت له عدد من الحالات التى تواصلت معها ، إلا انهم فى داخلهن ما زلن لم يتخطين وصمة المجتمع للموضوع .
بعد مدة طويلة بدأت اصل الى ناجيات ، كنت أقدم لهن كافة الضمانات التى تؤكد عدم الإشارة الى اى تفاصيل توضح هويتهن ، لا انسى ابدا السيدة الأربعينية التى ما زالت تتعرض للإغتصاب من زوجها حتى الآن و التى بعد أن قابلتها رفضت أن أقوم بالتسجيل معها ، بل لم تستطع أن تحكى ما تعرضت له فى جلستنا ، اكتفيت معها فى هذه الجلسة بتوطيد خطوط الثقة بيننا ، وفى اليوم التالى كنا نتحدث على الهاتف ، فى مكالمة مسجلة ، لتحكى التفاصيل التى خجلت عن سردها أمامى لأنها كما وضحتلى ” ليس لديها ثقة فى نفسها ” ، ما زالت يرن فى أذنى حتى الآن بكاءها فى نهاية المكالمة وهى تقول ” انا اول مرة بعد 17 سنة أقدر احكى التفاصيل دى ، حاسة انى بقيت قادرة آخد نفسى ” .
لم أجد سوى المسح الصحى السكانى الذى يتحدث بشكل صريح مع السيدات فى العينة عن العنف الجنسي من قبل الزوج ضد الزوجة ، كان امرا غريبا بالنسبة لى ، فهناك عشرات المؤسسات و العاملين المختصين بمناهضة العنف ضد المرأة فى مصر ، وكل عام تجد العديد من الارقام التى ترصد نسب العنف بشكل عام ، كانت اجابة الباحثين و المؤسسات التى وثقت شهادتهم واحدة تقريبا ، الاغتصاب الزوجى اكثر قضية شائكة تستطيع الجهات الحقوقية العمل فيها بشكل صريح ، وعدم اعتراف الدولة بالأمر يزيد الطين بلة ، بل سيجعلهم فى مواجهات بلا قيمة بدون القانون ، لدرجة أن المؤسسات التى تستقبل بلاغات العنف ضد المرأة نفسها ، لا تدون العنف الجنسي فى استماراتها بشكل صريح حتى لا تخيف الشاكية أو يجعل اهلها يمنوعها من استكمال شكواها ، فالأهل قد يساندوا ابنتهم مثلا اذا شكت لهم من ضرب زوجها له ، لكن ما تتعرض له من عنف جنسي قد لا يعترفوا به أصلا كعنف .
حتى المجلس القومى للمرأة و المعنى بقضايا العنف ضد المرأة ، اكتشفت ايضا انه لا يملك اى احصائية او دراسة خاصة بالعنف الجنسي ضد الزوجة تحديدا ، أو حتى يعمل على التوعية برفض هذه الجريمة على حدة.
كانت أصعب الفترات بالنسبة لى حينما توصلت الى أحد الناجيات ، كانت عشرينية ، وقد خرجت لتوها من المستشفى لإصابتها بنزيف استمر عدة ايام عقب اجبارها على العلاقة الزوجية ، توصلت الى عن طريق صديقتها التى قرأت الاستبيان الذى نشرته على الانترنت ، و اقنعتها أن تتواصل معى على أمل أن أقدر على مساعدتها .
فى شهادتها اخبرتنى أن زوجها كان يبرر لها قيامه بتوثيقها فى السرير اثناء العلاقة حتى لا ترفض لأنه يخشى أن تلعنها الملائكة ، كانت تسألنى المساعدة ، فى ظل أهل متحفظين لن يقتنعوا بشكواها التى ستمثل أمامهم وصمة و عيب ، كنت أعلم أنه لا يوجد حل أمامها وفقا للقانون المصرى سوى الانفصال ، فهى لا تملك أى أوراق من المستشفى التى لم توثق اصابتها نظرا لانها متزوجة ، حاولت أن أوصلها بأحد الجمعيات التى تتعامل مع مثل حالتها ، لكن كانت حالتها فعلا معقدة ، ولا قانون يدين الزوج فيها ، لكنها اختفت ، علمت بعد محاولات كثيرة من صديقتها انها حاولت الانتحار و أنها اصيبت بإنهيار عصبي ، و أن زوجها أخذها وسافر أحد الدول العربية ، ووافق أهلها ظنا منهم أن تغيير الجو هو ما تحتاج اليه .
وزارة التضامن الاجتماعى كانت من جانبها هى الجهة الوحيدة التى تحركت بعد نشر التحقيق مباشرة حيث أعلنت أنها أصدرت تعليماتها المباشرة الى كل بيوت الاستضافة للمعنفات بأن يستقبلن حالات العنف الجنسي الزوجى و الا يقصينها من من حالات العنف الزوجى .
بينما ما زال البرلمان المصرى منشغل بالعديد من القضايا التى لا يدخل العنف ضد المرأة ضمنها ، اعضاء البرلمان اخبرونى انهم ينتظرون قانون المجلس القومى ضد المرأة ، والمجلس حتى الان لم يقدم المشروع النهائى للقانون.
اكبر المكاسب بالنسبة لى بعد نشر التحقيق هو ما لاقاه من صدى واسع فى حجم النقاشات التى افردت للحديث عن القضية و تجريمها ، بل تواصل معى عدد من رجال الدين الذين تبنوا أن يثيروا قضايا فقه الاسرة مستقبلا فى مجالسهم لدحض الثقافة الدينية المغلوطة لدى بعض الازواج الذين لا يعلموا حقوق الزواج الصحيحة .