إعدام الشجر- ربى عنبتاوي

2016/08/29
التاريخ : 29/08/2016

بدأت رحلتي مع مؤسسة أريج للتحقيقات الاستقصائية في شباط 2016 بعد قبولي للانضمام في ورشة تعليم أسس صحافة الاستقصاء في العاصمة الأردنية عمان، والتي كانت بمثابة انطلاقة حقيقية لي في عالم الاستقصاء بما يحمله هذا النوع من العمل الصحفي من عمق في التحقق من المعلومات والبحث عن المعطيات اللازمة لتأكيد فرضية معينة ابني عليها تحقيقي.
كانت فرضيتي عن ” تلك العلاقة الطردية الغير مكتشفة فلسطينياً بين زيادة الإقبال على مدافئ الحطب في موسم الشتاء الفلسطيني، وتزايد الاعتداء على الغطاء الأخضر الضئيل نسبياً في ظل رقابة ضعيفة وقوانين غير رادعة.
-اخترت الفكرة بناءً على استنتاج وحدس صحفي ذاتي بأن هناك “سبب ونتيجة” لزيادة إقبال الناس على مدافئ الحطب والاعتداء على الغطاء الأخضر في ظل التوصل إلى معلومة أن استيراد الحطب محدود جداً فلسطينياً.. إذن يأتي السؤال: من أين يأتي الحطب الذي يغطي استهلاك الأسر للمدافئ المتزايد في السنوات الأخيرة، الأمر الذي دعاني للبحث ومن ثم التحليل والتوصل للنتيجة.
المنهجية
1. جمع المعلومات
في البداية : قمت بعملية جمع كل المعلومات اللازمة من خلال المقابلات الصحفية والعودة إلى المراجع العلمية المحكمة والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والزيارات الميدانية للمواقع المرتبطة بالتحقيق كالحراج الحكومية والمحاطب ومحال بيع المناشير والأدوات الزراعية ومحال بيع المدافئ، وأيضا جمع المعلومات عن الغطاء الأخضر في فلسطين، عن الاعتداءات على الغطاء إسرائيليا وفلسطينياً، عن أنواع التدفئة في فلسطين وأكثرها انتشاراً وتفاوت أسعارها، عن أسعار المحروقات في السنوات الأخيرة، عن المحاطب وهل هي مرخصة أو تعمل وفق نظام معين، عن الحطب هل هو محلي أم مستورد؟ عن عملية قطع الشجر بمناشير أوتوماتيكية وهل تزايد استيرادها وبيعها في السنوات الأخيرة، عن أنواع الشجر المستهدف وهل هو معمّر ومحمي؟ عن دور الطوافين (حراس الأحراش الحكومية) وهل يقومون بدورهم كما يجب أم أن هناك تقصير، عن الأحراش وكم تبلغ وأين توزع ؟ عن قضايا الاعتداء على الحق العام في المحاكم وهل كانت العقوبة رادعة أم لا، ما هو القانون الفلسطيني المتعلق بالغطاء الأخضر وهل هو رادع للمخالفين؟ ، هل الاعتداء يشمل أيضا الأراضي الخاصة وهل يتم العودة إلى وزارة الزراعة عند قطع الشجر وفق القانون الفلسطيني الذي يحظر قطع أي شجرة دون العودة لجهة رسمية!….
2. التيقن من الفرضية
بعد الإلمام بكل زوايا القضية صغيرة كانت أم كبيرة، تم التيقن بأن هناك مشكلة حقيقية تتعلق بصون وحماية الغطاء الأخضر وتحديداً الحكومي من اعتداءات الحطابين، الذين وجدوا في زيادة إقبال الناس على مدافئ الحطب في السنوات الثلاث الأخيرة ومع ضعف الرقابة فرصة للهجوم على هذا الغطاء الضئيل نسبياً والذي لا يتعدى 4% من مساحة الأراضي الفلسطينية على حدود ال67.
3. التوثيق البصري والسمعي والورقي (المستندات)
أثناء عملية جمع المعلومات تم توثيق كل معلومة أتوصل إليها من خلال وثائق رسمية (بلاغات الشرطة والضابطة الجمركية ، قضايا محاكم ونيابة، كتب رسمية وتعهدات عدلية من وزارة الزراعة، إحصاءات غير معلنة، شهادات حطابين وأصحاب محاطب) ولكن لم يكن الأمر بكافٍ بل كان يجب تتبع منهجية إضافية تتسم بالديناميكية والتوثيق البصري والسمعي من خلال توثيق اتصالات مع حطابين لم يترددوا للحظة عن قطع أي شجرة بغرض التربح، استخدام الكاميرا السرية لتصوير عملية قطع شجر صنوبر في حرش حكومي، وأيضاً لتوثيق عملية استدراج حطاب لقطع شجر محمي تم إبطال العملية في النهاية لعدم الوقوع بجرم قانوني، زيارة أحراش حكومية قبل وبعد ورصد عملية القطع والتي بدأت واضحة، وأيضاً رصد وجود طوافين لم يتواجدوا في المواقع لأداء مهامهم الطبيعية.
4. صياغة التحقيق
بعد تمتين التحقيق بكافة الجوانب التي لا تدع لقارئه أي مجال للشك، تم صياغته وفق تسلسل الهرم المعتدل عبر تتبع خطوات معدة التحقيق من بداية المشكلة لدراسة أسبابها (المتوسط الأهمية) للمهم (النتيجة) فالأهم التحذير والتوصية، وقد تم تقسيم المعلومات الإضافية والتي تدعم التحقيق في أطر جانبية، وتم إضافة روابط فيديو لكسر النمط الواحد (المقروء) إلى بصري أيضا.

مشاكل وصعوبات
تميز هذا التحقيق بأن مصادر المعلومات هامة ونسبياً متوفرة والوصول إليها سهل ، فلم تكن هناك عراقيل حقيقية في انجازه، فالفرضية التي استندت إليها الصحفية كانت حول دراسة العلاقة السببية بين انتشار المدافئ والاعتداء على الغطاء الأخضر وتم إثباتها، لكن واجهت معدة التحقيق ونظراً لأن القضية لم تطرح سابقاً على مستوى تحقيق استقصائي في الإعلام ولم تثر اهتمام أي من الجهات الرسمية للبحث فيها قبل إعداد الصحفية للتحقيق، لذلك تطلب الأمر أحيانا مزيداً من الوقت للخروج ببعض البيانات الإحصائية والقانونية المتعلقة بالتحقيق.
إشراف الفريق الأول:
ساعدني إشراف الفريق الأول كثيراً في تغطية كافة جوانب التحقيق، حيث ساهمت توجيهات المشرفين في عمان، الأساتذة: “رنا، حمد، حمود” في تمتين التحقيق وتعبئة الفراغات فيه والإحاطة بكافة الجوانب القريبة والبعيدة للتحقيق حتى يتم الخروج بعمل صحفي كامل ومتكامل ومبني على منهجية سليمة تتدرج للحقيقة كاملة بما لا يدعُ مجالاً للشك.
الدروس المستفادة:
-الإحصاءات والأرقام مهمة جداً في أي تحقيق لتدعيمه.
-التوثيق البصري مهم جداً لإضفاء لمسة حيوية على أي تحقيق.
-المنهجية الشاملة المتكاملة تقود إلى تحقيق متين.
-الإحاطة بكافة الجوانب المتعلقة بالفرضية سبب نجاح أي تحقيق.
– الاختصار والتكثيف بما يتماشى مع إيقاع القارئ المستعجل أمر مهم في أي تحقيق.
– التوثيق بالمستندات الرسمية التي تدعم الفرضية هو الأساس الذي يستند عليه أي تحقيق.
-الاطلاع والإحاطة الكاملة بالموضوع من قبل الصحفي هو سلاحه لإحراج الجهات الرسمية التي تسعى في الغالب لتجميل الواقع بعيداً عن الحقيقة.
-نفس الصحافي الطويل ومثابرته لإتمام تحقيقه سر نجاح الصحافي الاستقصائي.