أحمد الشامي - خلف أبواب الصمت

2015/01/6
التاريخ : 06/01/2015

بداية الفكرة
في نهاية عام 2013 كنت قد انتهيت من العمل على تحقيق استقصائي عابر للحدود مشترك يجمعني مع ‏صحفية من الأردن وأخرى من لبنان، تحت إشراف المركز الدولي للصحفيين، حول التحرش والاغتصاب ‏في الدول الثلاث مصر والأردن ولبنان
كانت المفاجأة بالنسبة لي هي ان أعداد ضحايا جرائم التحرش والاغتصاب داخل الأسرة كبيرة ولكن ‏الضحايا لا يرغبن في الحديث
لذلك قررت ان أقتحم ذلك الكهف وأبدأ تحقيق استقصائي عن تلك الجرائم، محاولا الوصول للضحايا ‏وسماع شكواهم وتأثير تلك الجرائم نفسيا وجسديا عليهن، لمعرفة هل هذه الجرائم تمثل حوادث فردية أم ‏ظاهرة كبيرة مسكوت عنها لأنها تحدث فقط خلف أبواب الصمت.‏

المنهجية المتبعة في العمل
إذا كانت الحالة النفسية لمن تعرضت للتحرش من الغرباء ووجدت أفراد أسرتها بجانبها،‎ ‎تظل سيئة لفترة ‏طويلة، فكيف ستكون الحالة النفسية لمن تتعرض للتحرش أو الاغتصاب داخل المنزل من أحد افراد ‏أسرتها؟

هذا التساؤل أثار بدوره تساؤلات أخرى وهي:‏
إذا كان المجتمع يفرض طوقا فولاذيا على ضحايا التحرش والاغتصاب من الغرباء ويجبرهن على ‏الصمت وملقيا اللوم عليهن، فكيف يتعامل المجتمع مع ضحايا جرائم الاغتصاب والتحرش داخل الاسرة؟
هل حوادث التحرش والاغتصاب داخل الاسرة مجرد حوادث فردية أم ظاهرة منتشرة ولكن ممنوع ‏التحدث عنها؟
كيف ستكون نتائج تلك الجرائم على الروابط الاسرية وعلى المجتمع ذاته فيما بعد؟
في بعض جرائم الاغتصاب يتم تزويج الضحية للجاني ويتم نسب الجنين للجاني إذا حدث حمل نتيجة ‏الاغتصاب، فكيف سيكون التعامل اذا كان الاغتصاب من احد افراد الاسرة وبالتالي يحرم الزواج بينهما؟

كيف سيكون شكل المجتمع إذا استمرت تلك الجرائم في حق أمهات المستقبل؟

هل هناك ضحايا يستطعن كسر تلك القيود المفروضة ويوافقن على التحدث عن تلك الجرائم التي تحدث ‏خلف جدران المنزل؟

لذلك قررت أن أبدأ تحقيقا استقصائيا حول جرائم الاعتداءات الجنسية داخل الاسرة من تحرش واغتصاب، ‏في محاولة للبحث عن إجابات للأسئلة السابقة
كانت البداية هي بالعثور على ضحايا تعرضن للاغتصاب او التحرش من قبل أحد افراد الاسرة، ويقبلن ‏الحديث عما جرى لهم “سواء أمام الكاميرا أو تسجيل صوتي او مكتوب”، لكي تروي الضحايا أنفسهن، ‏حقيقة ما يحدث في تلك الجرائم وتأثيراتها النفسية ‏
كان من أهم النقاط التي وضعتها كمنهاج لهذا التحقيق هو أن يكون تحقيقا استقصائيا شاملا، نبحث عن ‏الضحايا، نسمع منهن حقيقة ما يحدث وتأثير تلك الجرائم، نساعد الضحايا اللاتي وصلنا لهم بالمراكز ‏المتخصصة في التأهيل والمساعدة، نعرف التفسيرات العلمية من الخبراء والمتخصصين لأسباب صمت ‏الضحايا وطرق الحل لتلك المشكلة، نحاول رصد وتوثيق الأرقام والإحصائيات التي توضح حجم تلك ‏الجرائم، ليكون التحقيق في صورته النهائية “المكتوب والمصور” بمثابة أول تحقيق يقتحم ذلك الجدار ‏الفولاذي الذي يحيط بالجرائم الجنسية داخل الأسرة

الصعوبات التي واجهتها خلال العمل على انجاز التحقيق ‏

التحدي الأول
الوصول للضحايا واقناعهن بالحديث علانية أمام الكاميرا، كان التحدي
بدأت في التواصل مع الجمعيات والمؤسسات المهتمة بمكافحة العنف ضد المرأة، للوصول للضحايا، ‏ولكن فوجئت بصعوبة هذا الحل، حيث رفضت بعض الجمعيات السماح لنا بالحديث مع الضحايا أو ‏معرفة اية بيانات عنهن، وبعض الجمعيات التي وافقت على ترتيب لقاء مع الضحايا للحديث، رفضن ‏الضحايا اجراء المقابلة خوفا من رد فعل المجتمع، الذي يرمى باللوم دائما على الضحايا من دون الجناة

الاستبيان هو الحل ‏
‏”طالما أن هذه الجرائم تحدث داخل جدران المنزل، فلنبحث إذن عن طريقة تمكننا من دخول المنازل ‏وتتيح للضحايا التحدث معنا بدون إحراج أو خوف ” بهذه العبارة التي شكلت أسلوبا في التفكير بشكل ‏مبتكر، كان الحل هو انشاء استبيان على الإنترنت

رابط الاستبيان: ‏https://www.surveymonkey.com/s/CN7N2JR

قمت بإنشاء استبيان على الإنترنت، يتيح للضحايا أن يجبن على أسئلة تتعلق بما تعرضن له من تحرش أو ‏اغتصاب داخل الأسرة، مع ترك الحرية لهن في ذكر الاسم الحقيقي أو اختيار اسم مستعار، وترك وسيلة ‏اتصال بهن، وأخيرا تحديد مدى موافقتهم على اجراء مقابلة صحفية
على مدار عدة أشهر، حقق الاستبيان انتشارا معقولا على الانترنت، وبدأت الضحايا في كسر حاجز ‏الصمت
تواصلت مع عدد من الضحايا اللاتي وافقن على اجراء مقابلة صحفية، سواء في مقابلات شخصية أو ‏محادثات هاتفية، للحديث لي عن تفاصيل الجرائم اللاتي تعرضن لها، والتي كان الجاني فيها هو الأب أو ‏الأخ أو العم أو الخال ‏
اختلفت القصص وتشابهت النتائج والتأثيرات على الضحايا

التحدي الثاني
تمثل في عملية بناء الثقة مع الضحايا حتى يستطعن التحدث أمام الكاميرا عن تلك الجرائم، وتقديم ‏المساعدة النفسية والقانونية لهن عن طريق توصيلهن بالمراكز والمؤسسات المتخصصة ‏
نجحنا في كسب ثقة الضحايا بعد جلسات كثيرة معهن، ونجحنا في تقديم المساعدات النفسية والقانونية عن ‏طريق المراكز والمؤسسات المتخصصة في حقوق المرأة والتي ساعدتنا خلال رحلة التحقيق

التحدي الثالث
الوصول إلى أحد الجناة ومواجهته بما ارتكبه في حق واحدة من أقرب الناس إليه، لمعرفة الدوافع ‏والأسباب والنتائج من الجناة أنفسهم
نجحنا في الوصول إلى أحد المتهمين باغتصاب أبنته، بعدما تقدمت بعمل محضر رسمي في قسم الشرطة ‏وتم القبض عليه، فتواصلنا مع وزارة الداخلية وتم السماح بالتصوير مع المتهم، لكننا تعمدنا إخفاء وجهه ‏لأنه لم يكن صدر ضده حكم نهائي بعد. ‏

التحدي الرابع
الوصول إلى أرقام واحصائيات تدل على حجم تلك الجرائم، خاصة وانها تحدث في الخفاء داخل جدران ‏المنزل، وغالبا ما تُجبر الضحايا على الصمت
استخدمنا نتيجة الاستبيان على الانترنت، لرصد اعداد الحالات التي سجلت عليه، وتوزيعها على ‏المحافظات، لمعرفة نسب تلك الجرائم
كما تواصلنا مع المركز القومي لحقوق المرأة، واستخدمنا نتيجة الاستبيان الذي قام به المركز القومي ‏لحقوق المرأة عن جرائم العنف ضد المرأة ومنها العنف الجنسي، فوجدنا به نسب لحالات التحرش ‏والاغتصاب داخل الاسرة، وهذا الاستبيان كان على عينة مكونة من 500 امرأة من كل محافظة من ‏محافظات مصر، مما اعطى قوة لتوثيق حجم تلك الجرائم

التحدي الأخير
كان في نشر وإذاعة التحقيق، حيث واجهتنا معارضة كبيرة من رد فعل عدد من أفراد المجتمع تجاه ‏الكشف عن تلك الجرائم، بحجة أن الكشف عن تلك الجرائم يضر بشكل المجتمع، وهي حجة مردود عليها ‏ان علاج تلك الجرائم يكون بالكشف وتقديم الحلول للضحايا والقصاص من الجناة
ونجحنا في نشر التحقيق بشقيه المكتوب والمصور، ونال استحسان القطاع الأكبر في المجتمع، من حيث ‏التناول والأسلوب وطريقة العرض وحماية الضحايا، وتقديم الحلول

ردود الافعال على التحقيق
بعد نشر التحقيق بشقيه المكتوب والمصور، قامت العديد من المؤسسات الإعلامية بعرض التحقيق ‏والتحدث عن المشكلة في العديد من البرامج الحوارية، وهذه النقطة هي أهم النقاط في علاج المشكلة ومن ‏اهم النتائج المرجوة من التحقيق ان يُحدث حالة من النقاش المجتمعي لتشجيع الضحايا على التحدث ‏وتشجيع المسؤولين على وضع الحلول
كما تلقيت العديد من الرسائل من ضحايا جدد، تحدثن عن الجرائم التي اُرتكبت بحقهن، ويرغبن في ‏الحصول على مساعدة من المراكز المختصة بقضايا المرأة، بالإضافة لرسائل شكر من ضحايا بعدما ‏عرفوا من التحقيق كيف يكون التصرف الأمثل وأين يذهبن لتلقي المساعدة النفسية والقانونية
كما اهتم المركز القومي لحقوق المرأة بالتحقيق وأعلن عن قيامه بصياغة خطة استراتيجية للقضاء على ‏العنف ضد المرأة، تم فيها تقديم معالجة لكل أوجه القصور في التشريعات ودور الايواء واستقبال شكاوى ‏المرأة


تليقاتكم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *