وطأة الغبار المعلق

2017/11/16
التاريخ : 16/11/2017

لسنوات طويلة، كانت قرية “المعامير” الواقعة جنوب العاصمة المنامة تعاني من التلوث من نواح عدة نظراً لتوسطها مواقع صناعية كبرى. فمن جهة الجنوب هناك مصفاة وممصنع التكرير الذي بني منذ عام 1935 والى الشرق من القرية هناك منطقة المعامير الصناعية.

ومنذ بداية التسعينات من القرن الماضي، بدأت معاناة سكان القرية تتزايد والاصوات ترتفع لايجاد حل لمشكلة التلوث في هواء القرية والبحر المحيط بها. احد اوجه مشكلة التلوث في القرية هو وجود مصنع للخرسانة  الجاهزة بالقرب من مجموعة من البيوت ومدرسة ابتدائية عند مدخل القري الشمالي جهة الشارع العام.

لقد تمت صياغة فرضية للتحقيق على النحو التالي: “مصنع اسمنت بجوار مدرسة ومنازل قرية المعامير في مخالفة قرار رقم 5 لسنة 2005 بشأن الشروط البيئية اللازم توافرها في مواقع الانشطة الخدمية ما يتسبب اصابة السكان بأمراض”.

لقد كان العمل على هذا التحقيق امراً صعبا للمحرر الزميل محمد الجدحفصي لاكثر من سبب أولها الظروف الأمنية التي كانت محيطة بالقرية التي هي في قلب التوتر الأمني الذي ساد البلد منذ عام 2011. يضاف الى هذا (وربما بتأثيره) تردد الأهالي وخوفهم من الحديث للصحافة رغم وجود لجنة من الناشطين البيئيين من ابناء القرية الذين ينشطون منذ سنوات على هذا الملف.

لكن التحقيق كشف وللمرة الأولى منذ ان طرحت هذه القضية قبل عقود ان قرب المصنع من المنازل يعود الى الزحف العمراني نحوه وليس العكس. وتكمن اهمية هذا الكشف في ان الجدل حول التلوث في المعامير كان عمومياً ولم يكشف الاسباب الحقيقية لمشكلة مجاورة مصنع الاسمنت للمنازل. ابعد من هذا، تمكن معد التحقيق من تحديد نسبة المنازل القريبة من المصنع من اجمالي منازل القرية والتي اتضح انها تمثل نسبة 20% من اجمالي منازل القرية. وعلى الرغم من ان التحقيق قد كشف ايضا ان التعقيدات المرتتبة على هذا الوضع، تعود الى عدم توفر موازنات كافية لنقل المصانع او نقل الأهالي مثلما طالبت اللجنة البرلمانية، إلا أنه خلص الى ان استمرار المشكلة يزيد من تفاقم تأثيراتها على صحة السكان.

قد لا يكون التحقيق اول موضوع ينشر في الصحافة البحرينية عن مشكلة التلوث في هذه القرية، لكنه التحقيق الاول الذي كشف حقائق كانت خافية وغير متداولة وقام فيه المحرر بتوثيق الحقائق بشكل لا يدحض خصوصا تطاير غبار الإسمنت في اجواء القرية. ورغم سعيه لاستطلاع رأي جميع الاطراف، إلا ان الشركة المعنية التي لم تتجاوب مع اتصالاته قامت بتقديم شكوى لدى الشرطة على المحرر وفي النيابة العامة لمقاضاته امام المحاكم. وفي رد فعل آخر، قام المجلس الاعلى للبيئة في البحرين بتوبيخ شركات ومصانع الخرسانة والشركات الصناعية في المنطقة مطالبا اياها باتباع المزيد من الاجراءات الاحترازية للحد من تلويث البيئة.