ما أن أطلعتني الزميلة هناء بوحجي على فكرة التحقيق، وشرحت لي أهميتها، حتى توافقنا على أنها قضية مكملة للتحقيقين اللذين سبق وأن أنجزتهما الزميلة في مسالة العمالة المنزلية (2011) والعمالة السائبة (2012)، وفي كلتا الحالتين، هناك من يستلل من الفجوات الموجودة في القوانين، والإرباك الحادث في المتابعة والتطبيق، ومن هنا تنشأ المخالفات التي تطال حقوق والإنسان، والأسوأ من هذا أنه مع مرور الزمن تصبح هذه المخالفات من الأمور المعتادة التي لا تلفت نظر الكثير من الناس.
كالكثير من التحقيقات الاعتيادية أو الاستقصائية، فإن الصحافي يقف دائماً عند عدد من المشكلات، بعضها تحتاج إلى إلحاح لكي تتحرك، وبعضها لا يفيد فيها أي نوع من الدأب، ومثال على النوع الثاني: ندرة المعلومات والمعلومات المحدّثة. ففي سبيل الحصول على بعض الأرقام، كانت جهات محلية ذات علاقة بالموضوع الذي نتناوله تقول أن لا قضيّة صنّفت كاتّجار بالبشر مرّت عليهم، بحسب ما يتذكرون، ولكن لا شيء في الأوراق والسجلات يثبت هذا الكلام بشكل قطعي، إذ أن الأرشفة لا تتم بالشكل التفصيلي الصحيح، وتجري إحالة الصحافي إلى أكوام من الملفات ليدرسها إن استطاع، وهذا أيضاً غير متاح.
استغرق إنجاز التحقيق وقتاً طويلاً على الرغم مما يبدو عليه من توافر الجهات المعنية، وعدم وجود معوقات حقيقية تقف أمام تنفيذه، ولكن وذلك لما تم ذكره في الأساس من عدم توافر المعلومات الأرشيفية، والتعاون المتفاوت بين جهات وأخرى، إذ أصرت أغلب الجهات الرسمية على عدم ظهورها في التحقيق، والاكتفاء بـ “مصدر”، إضافة إلى استخدام بعض المصادر عنصر الزمن حتى يصل الصحافي إلى مرحلة اليأس من المتابعة، ولكننا – مع لمتابعة الحثيثة من مكتب أريج في عمّان – استطعنا الوصول إلى معلومات أكدت الفرضية القائلة بأن قانون منع الاتجار بالبشر الذي تم سنّه في العام 2008، لم يستطع حماية عمال المنازل (العاملات خصوصاً) من أن تنتهك حقوقهن بحجز جواز السفر، وحجز الراتب، والساعات الطويلة من العمل، والكثير من الأمور التي إن لم تكن اتجّاراً صريحاً، فإن الشبهات تحوم حولها. ولكن المعضلة تكمن في وجود مناطق معطوبة في السكة الموصلة إلى نهاية المطاف، إذ لا تتحول الخلافات من قضايا عمالية بين العاملة ورب العمل (رب الأسرة) إلى قضايا اتجّار بالبشر لتعوّد الكثير من الموظفين على أن هذه “قضايا خلافية بسيطة”، أو لأنه بعيدون عن تشرّب القانون الذي صدر قبل ثماني سنوات ولم يجد حالة واحدة تنطبق عليه على الرغم من عشرات الحالات سنويا التي قد تشكل اتجارا بالأشخاص، ولكنها تضل طريقها في الوصول إلى النهاية القانونية الصحيحة. فينجو المتسبب من العقاب في الغالب، إما بدفع المتأخرات من الرواتب والحقوق المادية وحسب، وإما بنفاد صبر وطاقة العاملة على البقاء أكثر في البلاد انتظاراً لتحصيل حقوقها ونيل المتسبب في أذيتها العقاب القانوني، فتنتهي المسألة عند رضاها بالتوصل إلى أقل التسويات وأسرعها لتعود إلى بلادها، ويعاود المتسبب الكرّة ذاتها.