فكرة التحقيق أعادتني مباشرة إلى الفيلم الأميركي طار فوق عش الوقواق One Flew Over the Cuckoo’s Nest الذي أنتج في 1975، ويحكي معاناة نزلاء مستشفى الأمراض العقلية. إلا أن قصتنا هنا مختلفة بعض الشيء، إذ أن هناك نقص في الكوادر الطبية ما يدفع المستشفى الوحيد في البحرين إلى أن يستبدل العلاج النفسي والجلسات المتكررة التي تعيد المريض إلى الاندماج بالمجتمع، بتناول الأدوية فقط. وبحسب التصريحات فإن العقاقير قد تطورت تأثيراتها، ولكن المسكوت عنه من النقص لا يزال واضحاً.
وفي المقابل، فإن من لا تعجبه خدمات مستشفى الطب النفسي، عليه اللجوء إلى الطب الخاص، الذي يقدم خدمات أفضل بحسب أهالي المرضى، ولكنه يسبب أمراضاً أخرى لفئات منهم تطال جيوبهم.
قضى الزميل إسلام الزيني شهوراً اعتباراً من أول 2016 في تقصي حالات متعددة، ودخول المستشفى تحت أعذار مختلفة، ومحاولة استخلاص تصريحات من العاملين، والمرضى، والأهالي، والمسؤولين، ولكن – كما يحدث دائماً – فإن شحّ المعلومات، والخشية من التعرض للمحاسبة، يعرقلان السير في التحقيقات بشكل سريع، وبما يوفر كل ما يحتاجه الصحافي الاستقصائي لإثبات فرضيته، ومع ذلك تمكن الزميل الزيني من الوصول إلى الخطوط الممكنة. إذ أن بعضاً من المعلومات التي يحتاجها لم تكن مرصودة لدى المستشفى، ما يعني أنه لن يتمكن من الحصول إلا على بعض الانطباعات وما يعلق في ذاكرة العاملين المتعاونين وهم قلة.
الأمراض النفسية في الواقع المعاش تأخذ نصيباً مهماً من صحة الناس النفسية نتيجة الضغوطات والقلق والمخاوف المتعددة على الصعيد الشخصي أو العام، والسرعة وتواتر الأخبار المزعجة في الغالب والتنافس الشديد وغيرها من الأسباب، وهذا ما يجعل القطاع الأكبر من المجتمعات بحاجة إلى التحصّن ضد الإصابة بهذه الأمراض وتبعاتها، فكيف بالمصابين حقيقة فهم بحاجة إلى علاجات ناجعة تخرجهم من دوامة الاكتئاب والوسواس والذهان وغيرها ليعودوا أصحّاء نفسياً إلى المجتمع، ويكفي هنا الإشارة – بحسب ما توصل إليه التحقيق – إلى أن البحرين وسكانها لا يزيدون عن 1.5 مليون نسمة بلغ عدد مراجعي مستشفى الطب النفسي في 2014 ما مجموعه 64 ألف زيارة، بينما تراوحت الزيارات في الكويت وسكانها 3.3 مليون نسمة في العام نفسه بين 40 و 50 ألف زيارة.
عمل إسلام على محاور وزارة الصحة، ومستشفى الطب النفسي، والطب الخاص، والمرضى، وأهالي المرضى، والمختصين والتواصل مع ذوي العلاقة من المنظمات الدولية ليحاصر المشكلة، ما أنتج لديه أكثر من قصة في هذا المضمار، غير أن كان عليه التوقف عند الفرضية التي انطلق منها ليكون محدداً.
هذا هو التحقيق الثاني الذي يقدمه الصحافي لأريج، ومن المرجَّح أن تتلوه الكثير من التحقيقات نظراً للدأب الذي يتميز به.