غسان الشهابي- حياة مؤجلة

2015/06/29
التاريخ : 29/06/2015

ليس من السهل الولوج إلى موضوع نظن أننا نعرف كل شيء عنه، لأننا نعتقد أن ليس هناك ما يغري بالمزيد من المعرفة. إلا أن موضوع غياب الشق الجعفري عن قانون الأسرة البحريني، يراوح ما بين الوضوح والغموض، في تفسير ما الذي يؤخّر إقرار هذا الشق بعدما مرّ الشق السني سريعاً وسلساً إلى التنفيذ؟ حمل الزميل إسلام الزيني هذا الموضوع إليّ لأشرف عليه تحت مظلة “أريج”، وبطبيعتي أقوم بالتشكيك في جدوى المضي في الموضوع لأعرف مدى إيمان الصحافي بما هو مقبل عليه. فوجدت أن الزميل الزيني يفاجئني في كل مرة بأن لديه الإصرار نفسه، والحماس نفسه للتنفيذ.

واحد من المحاذير في طرق هذا الموضوع وأشباهه، هو الحساسية الطائفية وإمكانية التعاطي معها في وسائل الإعلام، من دون أن يُحسب أن الصحافي أو الصحيفة بأن لهم موقفاً من طائفة معينة أو لهم أجندة يريدون ترويجها. وهذا ما كان يدفعنا هنا (الصحافي وأنا) إلى توخي كل ما يمكن أن يُيعد هذا المأخذ علينا حتى لا يُقرأ الموضوع من خلال لون معين.

كما أن الزملاء في شبكة “أريج” كانوا من الحرص في تقفي المعلومات سطراً بسطر، بما أرهقنا ولكننا ظهرنا بموضوع متماسك في نهاية المطاف.

من أكثر الأمور التي أربكتنا وشوشت المحرر والمشرف معاً: عدم وجود أرقام موحَّدة وواضحة يتم تداولها بين أطراف القضية، من حيث حالات الطلاق والنفقة وأنواع القضايا، المنتهي منها والمعلق، وهذا الأمر يخلق هوّة سحيقة حتى عند الجانب الرسمي إذا ما أراد أن يضع هذه الجانب تحت المجهر لأنه في النهاية مسؤول عن المواطنين بجنسيهم الذي هم تحت مظلة المحاكم الشرعية الجعفرية.

وهذا ما أخر كثيراً الخروج بالتحقيق في حينه، لأن الأرقام كانت تتناقض بحيث تنسف بعضها بعضاً أحياناً، ولم نكن لنريد لتحقيق استقصائي أن تطوّح به الأرقام إلى هذا الحد. للحقيقة، فكثير من المواضيع التي طرحت سابقاً من البحرين، وهذا الموضوع، والمتوقع مواضيع أخرى ستنقصها هذه الوثائق والأرقام، في وسط لا يحفل بالتوثيق ولا يرى أهمية لتراكم البيانات لتصنع منها معلومة تنتهي إلى التحليل.

يبقى المحامون الذين يعملون في القضايا الشرعية الأكثر سخاء في مدّ التحقيق بالمعلومات والآراء، وتبدو آراء أكثرهم متقاربة من وجوب إقرار هذا الشق حتى لا تبقى قضايا طلاقٍ واضحة جداً لسنوات قد تطول إلى ما يزيد عن عشر، ولكنهم أيضاً لا يملكون الحقائق والوثائق كلها.

يبقى أن هناك متضررات ومتضررين في الجانب الشرعي الجعفري، ولكن معارضي القانون يقولون إصلاح المحاكم الشرعية الجعفرية كفيل برفع الظلم، والمتحمسين للقانون يشيرون إلى أن غياب مرجعية قانونية واضحة للحكم على أساسها، وترك الأمور لتقديرات القضاة الذين يتحرّجون في إيقاع الطلاق، هو مربط الفرس.. ولكن لا يمكن نفي الجانب السياسي من المسألة برمتها إذ أن الجانب الأعرض من الشارع الشيعي المسيّس بطبيعته لا يريد أن يعطي البرلمان البحريني بغرفتيه (النواب والشورى) الحق في تغيير مواد القانون الشرعي، ويسعى إلى ضمانة دستورية.

المتضررون/ الضحايا هم الزوجات المعنفات، والمهجورات، والمطلقات، وأبنائهن الذين في الغالب هم الحلقات الأضعف في هذه الصراعات، هم من ركز عليهم التحقيق في الشق الأكبر منه، لأنهم ضحايا مشادات بين أطراف تستخدمهم أثقالاً لكفتي ميزان الربح والخسارة، بل النصر والهزيمة لسلسلة طويلة من الصراعات التي يريد كل طرف أن يفرض كلمته العليا فيها.

اليوم في أواخر شهر يونيو/حزيران أستطيع القول بأن إنجاز الموضوع استغرق عاماً كاملاً تقريباً من المراوحات، والمحاولات للوصول إلى الأشخاص المناسبين للحديث والتعبير عن وجهات النظر المختلفة. لقد تحمل الزميل إسلام الزيني، في هذا التحقيق الاستقصائي الأول الذي ينفذه، بكل صبر وشجاعة، الطلبات المتكررة من مشرف التحقيق، والمكتب الرئيسي لـ “أريج” لتعزيز بعض المعلومات، ونسبة تصريحات لأصحابها، وتوثيق مواقف، وغيرها من الأمور، حتى أنه اضطر لإجراء تغييرات ومراجعات فاقت العشر مرات، وهذا ما يجعل منه أكثر صلابة في المضي لتنفيذ تحقيقات أخرى، وهذا ما فعله بالضبط ما أن أقرّت “أريج” النسخة النهائية لتحقيقه الأول.