عماد عمر- الأنفار

2016/10/23
التاريخ : 23/10/2016

فقدان الأرواح يعني أن أي مشكلة وصلت ذروتها، ويعطي سببا كافيا لدق نواقيس الخطر، والعمل بجد لكشف الجناة، ووضع نهاية لتلك المشكلة. وهذا ما حدث في تحقيق ياسمين سامي وشعبان بلال عن الأوضاع المزرية للعمال الزراعيين في مصر، وخاصة النساء منهم. فقد جاء خبر مقتل عاملة زراعية في محافظة بورسعيد بيد نجل مقاول الأنفار في تلك المزرعة ليعطي دافعا قويا لانتاج التحقيق.
لكن المشكلة الأولى كانت في أن هذه الفئة من العمال الزراعيين الذين يعملون بأجر يومي (اليومية) تتعرض لظروف عمل بائسة منذ عقود ولا تعرف طريقا للشكوى ولا نصيرا ينصفها. وحتى القانون المصري نفسه استثنى هذه الفئة من مظلة حمايته فيما ارجعه خبراء إلى أن المشرعين اعتبروا قبل عقود أن هؤلاء الأنفار يعملون عادة من خلال شبكة عائلية ضيقة لا ترى سببا للجوء إلى القنوات القانونية لتسوية خلافاتها. لكن أوضاع العمال اختلفت الآن مع ظهور مزارع كبيرة في مناطق نائية حيث أصبح العامل أجيرا لدى غرباء لا تربطه بهم صلات قرابة تجعلهم يحجمون عن انتهاك حقوقه.
ويبدو أن اليأس من الاصلاح دفع هؤلاء الأنفار إلى لزوم الصمت والبحث عن حلول فردية لمشاكلهم. وهنا كانت الصعوبة الكبرى التي واجهها معدا التحقيق في حفز هؤلاء الأنفار، وخاصة من النساء، للحديث عن واقعهم المرير. ومع تردد الأنفار في الحديث كان اللجوء إلى استبيان يستر هوية المشاركين حلا لهذه المسألة.
وعزز المحرران النتائج بخوض التجربة بنفسيهما بالعمل في المزارع ومعاينة الانتهاكات التي يتعرض لها الأنفار.
وكشف التحقيق أنه في غياب الإطار القانوني لحماية هؤلاء الأنفار، كان طبيعيا أن “يتفرق دمهم بين القبائل”. فقد تحدث المحرران مع كل جهة يبدو أن لها صلة بالقضية لكن لم يتضح أن أيا من تلك الجهات يتخذ خطوات جدية لحل المشكلة. وبرر مسؤولون هذا الوضع بأن تلك الجهات لا تتلقى أصلا شكاوى وخاصة من النساء اللواتي كشف التحقيق أنهن لا يعرفن لمن ينبغي أن يتوجهن بالشكوى.
وفي كتابة التحقيق كان مهما تسليط الضوء على نقطة غياب الحماية القانونية باعتبارها نقطة البداية التي يمكن أن تضع كل جهة أمام مسؤولياتها لتغيير هذا الوضع.