حنان زبيس - منح الري بالتنقيط تخرج عن مقصدها بينما يتعمق الفقر والهدر

2014/03/16
التاريخ : 16/03/2014

عندما قابلت الصحفي محمد الجلالي، أول مرة ليطرح عليّ فرضية التحقيق، وجدت أن هناك خللاً، فهو طرح المشكل على أساس أن هناك تلاعباً بمنح الري قطرة قطرة (برنامج حكومي) من طرف تجار المواد الزراعية وموظفي الحكومة؛ لكن بعد حديثي معه تبين أن الفلاحين الذين قدمهم لي في البداية كضحية، هم جزء من عملية التحايل لانهم ينخرطون فيها عبر تقديم الرشاوى.

قررنا تعديل الفرضية، بإضافة عنصر تورط المزارعين. وعلى هذا الأساس تم وضع خطة عمل للحصول على الأدلة التي تثبت الفساد، حيث اتفقنا أن ينتحل الصحافي صفة مزارع من سيدي بوزيد، المنطقة التي يقطن فيها حالياً، ويتحدث إلى بائعي المواد الزراعية وموظفي مندوبية وزارة الفلاحة في محاولة لاغرائهم بمساعدته على الحصول على المنحة.

أما بالنسبة للمزارعين أنفسهم، فقد تم الاتفاق أن يتحدث إليهم كاتب التحقيق بصفته إبن الجهة وأبوه مزارع، حتى يفهم منهم لماذا يلجأون إلى طرق ملتوية للحصول على المنحة. ثم يقوم بعد ذلك بتدعيم الشهادات التي حصل عليها بأرقام وإحصائيات رسمية لتحديد مدى الخسائر التي تتكبدها الدولة، بسبب هذا الفساد.  

وبحكم المسافة البعيد، لآن الصحافي يقيم في سيدي بوزيد (الوسط الغربي لتونس) واقيم أنا في العاصمة، فقد كان الإعتماد غالباً على البريد الإلكتروني والإتصال الهاتفي، أما اللقاءات المباشرة فكانت تتم عندما يأتي الصحافي إلى العاصمة.

رغم ذلك، فالإتصال كان مستمراً لمتابعة تقدم سير العمل ومحاولة إيجاد حلول للصعوبات التي اعترضته للحصول على المعلومات او الاتصال ببعض المصادر. وكان يحيطني علماً بما توصل إليه وأعطيه أنا ملاحظاتي بما يسهل عليه  التقدم في تحقيقه بشكل ممنهج وصحيح.

بعد المسافة، كان عائقاً أمام عملية الإشراف والإلتقاء المباشر بالصحافي للتعرف على المواد التي قام بتجميعها وتقدم سير العمل. بالإضافة إلى ذلك فإن تعديل الفرضية أحدث ارباكاً لديه في البداية بما أنه تعاطف مع الفلاحين، بحكم انتمائه إلى منطقة فلاحية وإلى عائلة تمارس الزراعة.

كان لا بدّ من إقناع معد التحقيق بأن العمل الصحافي يتطلب منه الحياد ومعالجة المشكلة من جميع جوانبها حتى وإن كان ذلك يتعارض مع قناعاته الشخصية لأن الهدف هو تنوير الرأي العام، حول وجود فساد يتورط فيه عديد الأطراف. 

في المقابل كان معد التحقيق مقتنعاً بأهمية القضية التي يحقق فيها ورغبته الكبيرة في كشف الفساد الموجود الذي يضر بالدولة وبالمزارع نفسه، رغم أنه شريك في العملية. إضافة إلى تميزه بالقدرة على اقناع المزارعين، تجار المواد الزراعية وموظفي الحكومة بالحديث إليه والبوح له بممارساتهم لتجاوز القانون.

كما وتميز معد التحقيق، بحسن إختيار موضوع تحقيقه حيث إنها قضية تحصل في بيئة ينتمي إليها الصحافي ويعرفها جيدًا مما سهل عمله. وأخيراً مثابرته رغم الصعوبات للوصول إلى أدلة تكشف التلاعب في منح الري.