ستة أشهر من العمل على تحقيق استقصائي في أخطر بقعة في العالم للعيش، وأخطر مكان في العالم لعمل الصحفيين، فالكل يعرف أنّ سورية أدرجت تحت هذا التصنيف منذ عامين على الأقل وفقاً للجنة حماية الصحفيين الدولية.
في هذه الظروف عمل مختار الإبراهيم وأحمد حاج حمدو على هذا التحقيق الذي يتناول تجار الحرب الذين يستولون على عقارات السوريين المهجرين دون علمهم عبر التزوير. لقد كانت الخطورة ماثلة منذ اختيار الفرضية، فالذي يدخل في قضية تجار الحرب في بلد يشهد ما يمكن تسميته بالحرب الأهلية، لايمكن أن يكون بعيداً عن اللاعبين الأساسيين من الأطراف المتصارعة، فالمسألة لايمكن أن تقتصر بحال على التجار، بل هي شبكات يشارك فيها تجار نافذون وموظفون فاسدون ومحامون وقضاة، إنّها من الحالات الأخطر على الصحفيين.
تمسك الزميلان بهذه الفرضية، نظراً لما توفر لديهما من معطيات في البحث الأولي، تؤكد مسار التحقيق نحو إدانة هذه الأطراف التي تشتغل ثغرات القانون، تلك الثغرات التي كشفتها الأزمة السورية في أسوأ صورها. فالملايين ممن نزحوا داخل البلاد وخارجها، أصبحوا عرضة لفبركة الوثائق على أيدي محترفين ينشطون في مثل هذه الظروف، ولاتنقصهم الحيلة في استقطاب شاهد الزور أو التلاعب في الوثائق وتزويرها بشكل لايكاد يصدق، فهم يحيون الموتى ويميتون الأحياء إن أرادوا، وذلك لتحقيق هدف واحد فقط هو الكسب غير المشروع واستغلال ظروف الحرب.
وهكذا، فإن تحقيق الاغتراب مرتين، إنجاز حصل بجهد زميلين: مختار الذي أتيحت له فرصة المشاركة في دورة أساسيات الصحافة الاستقصائية مع شبكة أريج، وأحمد الذي لم يتمكن من الحضور، لكنه كان سريع البديهة والتعلم، فاستقى من زميله أساسيات علم الصحافة الاستقصائية، وانكب على التعلم بطريقة الأونلاين وهو في قلب دمشق المحاطة بالحرب وقذائف الهاون، فقرأ دليل أريج للصحافة الاستقصائية، وقرأ تحقيقات زملاءه المنشورة على موقع أريج الإلكتروني، فكان جاهزاً كزميله لخوض هذه التجربة.
عمل الزميلان في ظروف صعبة يتوجس فيها كل الاطراف من الإعلام، ومع المهنية العالية التي أبرزاها استطاعا اقناع قضاة ومحامين ومسؤولين في وزارة العدل السورية بالتحدث والاعتراف بالاخطاء والثغرات، في مكان قلما يعترف فيه المسؤولون بمثل هذه الأخطاء.
كما حفر الزميلان عميقاً للحصول على الوثائق، في بلد يفتقر إلى التوثيق، ومع ذلك استطاعا اقناع المسؤولين والضحايا، بل وحتى بعض المزورين بتزويدهم بالوثائق، وحفظا ميثاق الشرف الإعلامي بعدم نشر إلا ماتم الاتفاق على نشره منها، كما قاما بإجراء أول إحصاء شمل عاماً كاملا لقائمة أسماء من فقدوا سندات الملكية لمنازلهم بين ضياع أو سرقة.
ولم يكتف الزميلان بهذا، بل تابعا عمليات تسجيل الوكالات لدى الكاتب بالعدل والتي تتيح للمزورين انتحال الصفة أو تزوير هوية الغير، بهدف الاستيلاء على منازل بعض السوريين النازحين أو المسافرين دون علمهم، واكتشف الزميلان الثغرات القانونية بالكامل، ولإثبات ذلك قاما بتجربة Undercover، واستطاعا من خلالها السير بعملية تزوير وكالة قانونية باسم أحد الأصدقاء المسافرين إلى ألمانيا- بالاتفاق معه على ذلك- ووصل الزميلان إلى نهايات إجراءات الوكالة، لكنهما لم يستكملا ذلك، رغم قدرتهما على اتمام عملية فبركة الوكالة لشخص غائب، لكن الهدف كان فقط إثبات إمكانية حدوث التلاعب والتزوير فقط.
كان التحقيق بفكرته وإنجازه تحدياً كبيراً، إذ أنّه كشف حتى قائمة بأسماء من طالتهم أحكام قضائية بتهم تزوير الأوراق الرسمية، لكن حماسة الزميلين لحماية ممتلكات النازحين والمسافرين الذين تعرضوا للطعن مرتين، مرة من الحرب المباشرة ومرة من تجار الحرب كان هدفاً أسمى.