المتاجرة بأوهام الفحولة-غسان الشهابي

2016/01/27
التاريخ : 27/01/2016

قصدني الزميل محمد الجدحفصي قبل عامين وفي يده فكرة تحقيق عن صراع الديكة في البحرين، كان ينوي تطويره ليكون تحقيقاً استقصائياً، ولأسباب فنية نشرته صحيفته من دون إطلاعه. ولكنه لم يتوقف عن طرح الأفكار بين الفينة والأخرى حتى وقع على موضوع له أكثر من شق، وهو: بيع منشطات جنسية غير مرخصة، في محلات بيع بالمفرق في المنامة، لكل من يطلب الحصول عليه.
الزميل الجدحفصي لم يكن ضمن الصحافيين البحرينيين الذين تلقوا تدريباً في “أريج”، لذلك فإن الرحلة معه لإعداد التحقيق كانت أصعب بعض الشيء لأنه كان يتلقى التدريب خطوة خطوة، وعن طريق التجربة والخطأ أحيانا، ومن خلال الكثير من المراسلات التي دارت بيننا في هذا الشأن. هذا الأمر يُحسب للزميل الجدحفصي الذي تجاوز إشكالية التدريب إلى ممارسة العمل مباشرة.
العمل في التحقيقات الصحافية ليس بالأمر السهل في الصحافة البحرينية اليوم، لأن جميع الصحف المحلية اليومية الخمس، أغلقت باب التحقيقات، وآخرها صحيفة “أخبار الخليج”، وحوّلت صحافيي التحقيقات إلى الأخبار اليومية، وكذلك صحيفة “الوسط” حيث ينتمي الجدحفصي، فهو مطالب – كبقية الزملاء – بالمتابعات الإخبارية السريعة واليومية، لذا فإن فصل الزميل بين الأسلوب الخبري والتقريري من جهة، وأسلوب التحقيق من جهة أخرى كان صعباً بعض الشيء في البداية. ومن ناحية أخرى، فإن الفصل ما بين سرعة الإيقاع في العمل اليومي والمتابعات، وبين النار الهادئة التي يجب أن تحضّر عليها التحقيقات الاستقصائية.
لقد كان البحث عن المعلومات الصحيحة، والأشخاص ذوي العلاقة مباشرة بالموضوع، والمصادر الأفضل في كل جوانب التحقيق، وعدم الاكتفاء بما جرى تناقله بل الوصول إلى لبّ المسألة، كان كل ذلك من الهواجس التي رافقت التحقيق سواء كان ذلك في عمّان أم البحرين. وكان من بين التعقيدات أن باعة العقاقير غير المرخصة جميعهم من الجنسيات الآسيوية، وهذا ما يصعّب بناء الثقة بينهم وبين معدّ التحقيق حتى يتمكن من التغلغل لمعرفة المزيد والمزيد. كما أنه من الصعب أن يعمل بائعاً في محل تجاري مثلاً ليكون مراقباً عن كثب، ومع ذلك أجرى معد التحقيق الحوارات غير المباشرة مع الباعة، وقام بمراسلة باعة بحرينيين وعرب عبر تطبيق WhatsApp، وأرسل رسائل إلكترونية وأخرى خطية بالبريد الجوي إلى العناوين التي ادّعت أنها موطن هذه العقاقير للحصول على معلومات أكثر دقة عن الموضوع.
هذه التجربة فريدة للزميل الجدحفصي، ولي على السواء، إذ أنها علمتنا معاً الكثير من الدروس، واحد منها كيفية إقناع شبكة “أريج” بجدية الموضوع وأهميته، وأنه لا يشبه موضوعاً سابقاً كانت الشبكة قد عالجته وتبين بعد طول تعب أن الحديث يدور حول أعشاب ومكملات غذائية، وهذا الأمر استغرق وقتاُ ومراوحة حتى اللحظات الأخيرة التي اكتمل فيها التحقيق. كانت تجربة المثابرة من التجارب التي أعتقد أن الزميل الجدحفصي قد خرج بها، وهي الملاحظات الدقيقة من الزميلة رنا الصباغ، والإجابة على الأسئلة المتوالدة من قبل الزميل النشط والدؤوب حمد عثمان، والذي كان يعمل معنا يداً بيد من خلال استنطاق كل معلومة، والتأكد منها، ومحاولة عدم الاكتفاء بالخط الأول من المعلومات والاستنتاجات، إذ تعوّد الكثير من الصحافيين في البحرين بأن يسلموا المادة كما هي لأن هناك من سيقوم بتصحيح الأخطاء، وسد الثغرات، وهذا الأمر لا يعلّم المرء كثيراً.
لعل واحدة من النتائج هذا التحقيق هي الحماسة التي خرج بها الزميل الجدحفصي بعد نشر التحقيق وردود الفعل التي شجعته على البحث عن أفكار استقصائية أخرى.