“أخطاء الأطباء” ملف مفتوح بصورة شبه دائمة. فالمسلسل لا يتوقف، وعدد الضحايا يتزايد، وفي كل مرة تستنكر الأطراف المتضررة تلك الأخطاء وتدين وتشجب، لكن لا يحدث تحرك جدي لقياس الأبعاد الحقيقية للمشكلة ووضع حد لها. وكانت تلك النقطة هدفا اساسيا للتحقيق.. أن يسبر أغوار المشكلة ويحدد أسبابها متعددة الجوانب بما يجعل طريق العلاج واضح المعالم.
في البداية، كان لابد من تحديد عدة خيوط أو مسارات تبين معالم المشكلة ونقاط الضعف والثغرات التي تسمح لها بالتواجد بل وبالتوسع المطرد.
أول تلك الخيوط كان المسار القانوني. فلو حدث مثلا خلاف بشأن أسباب وفاة مريض، فليس من السهل الاحتكام إلى قوانين حاسمة واضحة المعالم تحدد المسؤولية وتحاسب المخطيء. وعلى سبيل المثال، إذا أحيلت شكوى معينة للطب الشرعي لكتابة تقريره عن الحالة، فليس هناك ما يلزم الهيئة بتقديم تقريرها في وقت معين مما يجعل قرارات تحديد المسؤولية هائمة. ومن هنا أعطى التحقيق أهمية للمسار القانوني.
وفي المسار الثاني، كشف معدا التحقيق ضعف الامكانيات ونقص الموارد في مصلحة الطب الشرعي كعائق أيضا. وكشفا أنه لا يوجد سوى 15 طبيباً يعملون في المشرحة في القاهرة الكبرى، من ضمن 115 طبيباً شرعياً ميدانياً بالمصلحة يتولون جمع العينات. وكان لابد من استخدام المقارنات لابراز الواقع المؤلم. فهذا العدد المحدود من الاطباء يبدو بلا حيلة أمام ما يصل إلى 190 ألف قضية سنوياً على مستوى البلاد.
والمفارقة أنه في حالة صدور تقارير في نهاية الأمر، فمن الوارد جدا أن تكون متناقضة.
وتتبع المسار الثالث، مسارات الشكاوى إذا قرر متضرر اللجوء للشكوى. واتضح أن نسبة تشريح الجثث للتأكد من أسباب الوفاة لا تزيد في القاهرة على 6.8 في المئة من بين حوالي 2500 بلاغ وشكوى من الأخطاء. وكثير من الشكاوى كشف التحقيق أن مصيرها لا يزال سلة المهملات.
وإذا حدث واتخذت السلطات اجراء ضد منشآت طبية مخالفة مثل اغلاقها، لا يعني ذلك بالضرورة أن تبقى مغلقة دون تحايل على القانون.
ومن خلال تتبع هذه المسارات، اتضحت ملامح الدائرة المفرغة التي يدور فيها المتضررون من أخطاء الأطباء خاصة في غياب التنسيق بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة.