مختار الإبراهيم
عمّان– 2 آذار / مارس 2018– بينما كنا متجهين إلى وسط البلد برفقة زملاء من مختلف الدول العربية لشراء ما تيسر من الزعتر، صابون الغار والزبيب كما جرت العادة في كل ورشة تدريب نحضرها في عمان، استوقفتني جملة لزميلي أحمد عبّر بها عن مدى استغرابه من اللطف والدماثة التي وجدها في أخلاق زميلنا حسام!!
الموضوع يبدو غريباً – نوعاً ما- في حال الحديث عن انطباعات شخصية لزميل اتجاه زميله الآخر من بلد عربي شقيق. فالحال الطبيعية تفترض توافقاً ين الأشخاص أو عكس ذلك، ذلك أن الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. على أن الاستغراب يتلاشى عندما تعرف أن أحمد قادم من مصر بينما حسام جاء من الجزائر.
أحمد وبكامل العفوية يقول: “الحقيقة حسام إنسان جميل جداً ويدخل القلب يعني.. وأنا مكانش ليا تعامل مع حد جزائري خالص قبل كده. وكانت ذاكرتي عن الشعب الجزائري متوقفة عند ماتش مصر والجزائر في السودان، بس حقيقي غيرت فكرتي عن الجزائر بعد ما عرفت حسام”. توزيع الزملاء في غرف الفندق حمل أحمد وحسام على العيش سوية لعدة أيام، واليوم علاقة حسام وأحمد تجاوزت حد الزمالة العابرة لتدخل باب الصداقة العميقة رابطا بينهما. ويختم أحمد: “إحنا أصبحنا أصدقاء بكل ما تحمله الكلمة من قيم ومعانٍ سامية”.
ولمن لم يتذكر، فالخلاف الرياضي الذي وقع خلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم في جنوب افريقيا 2010، كان سبباً لسجال كروي بين المصريين والجزائريين، أدّى حينها إلى تظاهر مئات المصريين أمام السفارة الجزائرية في القاهرة، للمطالبة بطرد السفير الجزائري، وإغلاق مقر سفارة بلد عربي شقيق. السبب الظاهر كانت الرياضة لكن ما خفي كان أعظم بكل تأكيد؛ داعس وغبراء جديدة لاحت بالأفق آنذاك لولا أن موجات الربيع العربي أتت لتشغل الأنظمة السياسية بخطر أكبر من إذكاء الخلافات بين الشعوب لتشتيت انتباههم عن الفساد الداخلي.
ورشات العمل التي تخرج عن الطابع المحلي بمشاركة صحفيين من بلدان مختلفة تترك أثراً ايجابياً خفياً لا يظهر بشكل مباشر كمنتج ملموس من تلك الورشات. فهي تبني علاقات طيبة بين الزملاء في مختلف البلدان، وتعمل أيضاً على ردم الهوّات والنعرات التي تتغذى عليها وتغذيها الكثير من الأنظمة المهترئة في عالمنا العربي. لا شك بأن اكتساب المهارات الإعلامية المهنية المعزّزة بأدوات التقصي تدفع الصحفيين العرب للخروج من عباءة إعلام الحكومات المجيّر والمختطف لتنفيذ أجنداتها الخاصة، حتى لو وصل الأمر بهم لتخريب علاقات تاريخية بين الأشقاء العرب.
من طريف المشهد اللطيف أنه تزامن أيضا مع نقاشاتنا حول ترتيب بلداننا على سلم الشفافية والفساد، إذ أن البلدين الشقيقين (مصر والجزائر) يتعادلان في الفساد، وفقاً لتصنيف منظمة الشفافية الدولية. تلك رياضة من نوع آخر يغيب عنها الجمهور العام وتحضر فقط في أحاديث الصحفيين، لكنّها تبقى ممنوعة من النشر؛ فأبطالها ليسوا لاعبي كرة قدم!
Leave a Reply