بعد تجربة متواضعة في إحدى الإذاعات المحلية في الأردن، قرّرت مجدولين حسن خوض تجربة جديدة في الصحافة المكتوبة. عملت حسن في صحيفة أسبوعية محلية وبدأت بإعداد تقارير وتحقيقات صحافية سرعان ما احتلت الصفحات الأولى في الجريدة. وخلال تلك الفترة، سمعت حسن عن شبكة أريج وتدريباتها التي تهتم بتطوير الصحافيين وتنمية مهاراتهم في صحافة الاستقصاء.
في أول اجتماع لها في أريج، اقترحت رنا الصبّاغ أن تبدأ بقصّة تنتمي لها. بعدها بعدّة أشهر أجرت حسن تحقيقا استقصائيا “تناول ضعف التنفيذ القضائي في المحاكم الشرعية الأردنية وكيف يؤدّى ذلك لمعاناة آلاف النساء المطلقات“. فاز هذا التحقيق بجائزة أريج كأفضل تحقيق استقصائي لعام ٢٠٠٩.
كما أنتجت حسن العديد من التحقيقات الصحفية في مجالات حقوق الإنسان، التنمية، وحق الحصول على المعلومات بدعم وتدريب وإشراف شبكة أريج. حصدت خلالها على عدّة جوائز عربية. كما عملت سابقا منسقا إقليميا وباحثا رئيسا في عدد من المنظمات العالمية غير الحكومية. الان تعمل حسن محررة القسم العربي في الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية.
كيف ساعدتك خبرتك ومهاراتك المكتسبة من أريج في الوصول إلى الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية؟
أتاح لي العمل مع شبكة أريج ميزتين قيّمتين: الأولى التشبيك وفرصة حضور مؤتمرات عالمية، والثانية التواصل مع صحافيين استقصائيين من كل دول العالم. وهو ما مكنني من الوصول الى عملي الحالي كمحرر عربي للشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية. وفي عام ٢٠١٠، خضت انا وزميلي عماد الرواشدة حربا اسميناها معركة “تسليم المصادر” مع الحكومة في الأردن. كان ذلك عقب تحقيق استقصائي وثّق انتهاكات جنسبة، جسدية ومعنوية تعرّض لها أيتام في دور الرعاية وبعد خروجهم منها، إذ رفضنا الكشف عن مصادر التحقيق. ثم رفعت قضية ضدنا بتهمة تقديم أموال لضحايا القصّة بقصد تزوير افادتهم.
من خلال أريج، دعينا – الرواشدة وأنا- للمشاركة كمتحدثيْن في المؤتمر العالمي الثاني للصحافة الاستقصائية في جنيف لعرض تجربتنا حول معركة “الإفصاح عن المصادر”. في ذلك المؤتمر، دهشت حيال جمع الصحافيين الغفير وحرفية القصص والمواضيع المطروقة ورغبت وقتها في العمل مع فريق الشبكة. كان ذلك حلما بعيدا بالنسبة لي، فخبرتي لم تتجاوز العامين في الاستقصاء وبضع سنوات في الصحافة ككل.
في الحقيقة لم تكن تلك الفرصة الوحيدة التي أوصلتني إلى ما عليه الآن؛ فبعد أن أنتجت تحقيقا بعنوان إختبار قانون حق الحصول على المعلومات في الأردن، اشتركت مع جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس في جلسة متخصّصة خلال ملتقى أريج السنوي حول حرّية تدفق المعلومات. ودعيت على خلفية التحقيق ذاته لتقديم ورقة عمل حول استخدام قانون الحصول على المعلومات الأردني في جامعة روتجرز بالولايات المتحدة. كما حضرت ورشات عمل في الدنمارك، ألمانيا وتونس. كل تلك الفرص كانت ملهمة وأسهمت في تحفيزي على تطوير مهاراتي الصحفية وحصولي على فرص مهنية متعددة، آخرها عملي الحالي لدى الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية.
وبالنسبة للتشبيك مع مجتمع الصحافيين الاستقصائيين من الأريجيين، أسهم ذلك في فوزي بفرص عمل مع منظمات دولية، بعد سفري للولايات المتحدة عام ٢٠١٤. إذ عملت مع أريجيين على إنتاج قصص عربية ذات بعد عالمي تهم الجمهور الغربي. تعلّمت حينها طرق بناء الجسور بين الصحافيين العرب والمؤسسات الصحافية العالمية، وكانت تلك المهارة هي جوهر ما تبحث عنه إدارة الشبكة العالمية في محرريها الإقليميين.
ما أهداف الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية فيما يخص الوطن العربي؟ ومشاريعهم المستقبلية؟
يوجد لدينا مشروعان رئيسيان: الأول، إضافة محتوى جديد باللغة العربية إلى مواردنا الإلكترونية، يكون بمثابة مكتبة صحفية عربية للاستقصاء. ستحتوي هذه المكتبة على أحدث النصائح، الأبحاث، القصص وفيديوهات للتدريب مخصّصة للجمهور العربي. ينبع هذا الهدف من شعورنا بحاجة الصحافيين العرب إلى هذا النوع من المحتوى المتوفر فقط باللغة الإنجليزية. أصدرنا في هذا السياق أول دليل تدريبي لصحفيي الخليج لتقصّي قضايا العمالة، وقريبا سنوفّر أول مكتبة فيديو مترجمة الى العربية تحوي نصائح من أفضل خبراء الاستقصاء في العالم.
أما مشروعنا الثاني: يهدف إلى تعزيز شبكات دعم وتدريب الصحفيين الاستقصائيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يشمل ذلك العمل مع مؤسسات إعلام رئيسية وصحفيين مستقلين، منظمات غير حكومية، ومدارس ومعاهد تدريب. وفي المؤتمر العالمي للصحافة الاستقصائية، دعونا بالتعاون مع جمعية الصحفيين الاستقصائيين في النرويج 35 صحفيا عربيا للمشاركة فيه بقصد تدريب المشاركين والتشبيك فيما بينهم. كما عقدنا أخيرا دورة حول تقصّي قضايا الاتجار بالبشر، العمل القسري والهجرة في دول مجلس التعاون الخليجي.
هل هناك مشاريع مشتركة مع أريج؟ وإلى أي مدى يمكن أن يصل هذا التعاون؟
كان لأريج دور مهم في مساعدة الشبكة على تنسيق أولى دوراتها في المنطقة لتدريب صحافيين استقصائيين. وتحرص الشبكة العالمية على إدامة هذه الشراكة فيما يخص التدريب، لما لأريج من خبرة طويلة في تنظيم ورشات تدريب على مدار العام. وتعد أريج مرجعا أساسيا لنا للوصول إلى الصحافيين الاستقصائيين العرب والتشبيك مع منظمات ومؤسسات عالمية ترغب بالتواصل مع صحافيين متواجدين في الشرق الأوسط.
مستقبلا ترغب شبكتنا في توسيع نطاق وصولها للصحافيين العرب عبر مشاريع متنوعة؛ مثل إصدار نشرة دورية تتضمن آخر مجالات الابتكار في صحافة الاستقصاء، إطلاق مشاريع تدريب متخّصصة، إنتاج أدلّة تدريبية ذات محتوى وتجربة عربية تحاكي احتياجات الصحفيين في المنطقة. نتوقع إسهاما كبيرا من أريج في تلك المشاريع وغيرها من الخطط المستقبلية للشبكة العالمية.
نصائح للصحفيين العرب؟
لا تتردد في خوض صحافة الاستقصاء وتجربتها، لخوض غمار هذا النوع من الصحافة يجب عليك اكتساب مهارات لا يمكن تعلمها في الأشكال الصحفية الأخرى، من طرق بحث متقدمة، تدقيق الحقائق، توثيق محكم للمصادر وأساليب سرد متقدمة. كما أن عدد الصحفيين الاستقصائيين قليل في المنطقة العربية، وفرصة التميز كبيرة نظرا لقلّة الرواد في الاستقصاء.
كما أن الصحافي الجيد هو محقّق جيد بالضرورة. قبل أن تقرّر العمل كصحفي استقصائي عليك إتقان المهارات الأساسية من سلامة اللغة والقدرة على سرد قصّة صحافية مكتملة العناصر. لن نتمكن من الوصول الى أعلى الشجرة دون تسلّق الغصن والقفز برشاقة بين الفروع.
لا تخش التقليد وأقصد هنا المنهجية، كن على اطلاع دائم على تجارب الآخرين سواء كانت عربية أو عالمية. على سبيل المثال، إن كنت تحقق بقضية فساد عابر للحدود من المفيد التعلم من زملائنا في مشروع الكشف عن الفساد والجريمة المنظمة (OCCRP)، وإن رغبت في حشد استخدام المصادر في عملك الصحفي من الجميل الاطلاع على تجربة موقع بروبوبليكا الأمريكي في توثيق حالات الوفيات بين الأمهات حديثي الولادة في الولايات المتحدة.
وأخيرا، الالتزام ثم الالتزام. شخصيا كل عائد مهني حصل لي كان سببه التزامي بمواعيد التسليم قدر الإمكان، وعدم التقصير في أداء المهام مع الزملاء أو المؤسسات الصحافية التي أعمل لديها. وفي المرّات القليلة التي لم التزم فيها كانت التبعات غير مرضية بطبيعة الحال.