كلما ذهبنا إلى قرية زراعية، نجد آلاف العمالة الزراعية المحملة على عربات كبيرة وذاهبة إلى الأراض الزراعية للقيام بعملها وهم مجرد (انفار) لا يلتفت إليهم أحد، أطفال ونساء وشباب يتكدسون جوار بعضهم البعض في العربة رغم مخالفة ذلك للعرف والعادة في القرى المصرية، بالإضافة إلى ارتداء عدد كبير منهن النقاب على وجهوهن على الرغم من عدم التزامهن بالزي الكامل المخصص له.
بدأنا في سؤال بعض أهالي القرى الذين أكدوا أن بعض الفتيات والنساء يخجلن من عملهن في الأرض، مما أثار علامات تعجب كثيرة أمام تلك النقطة، فتتبعنا سر ذلك الخجل رغم أهمية العمل الذي يقومون به وأنه لا غبار علي أنها مهنة مشرفة، فالقيام بتعمير وزراعة أراضي وطن هو فخر للجميع، لكن اتضح لنا فيما بعد ذلك السر الخفي بين سجايا الزروع، والحكايات التي تشهد عليها الأشجار ولم تكن ترو بعد، أو يعلمها الجميع لكن الكل متكتم ومتخوف من الإفصاح خوفًا من إلحاق الفضيحة والعار ببناتهن.
لم يجبنا أحد عن سبب الخجل الحقيقي، فبعض الأهالي أكدوا أنه بسبب أنها مهنة شقة، أو أن النقاب “موضة ودلع بنات”، بدأنا في البحث في الدراسات المتعلقة بالعمالة الزراعية والأنفار، فوجدنا دراسة تابعة لمركز (الأرض) وهو مركز للدراسات الحقوقية، بدأنا في القراءة فوجدنا جزءًا يتحدث عن التحرش والاغتصاب بالفتيات والاطفال العاملات بالأراض الزراعية، ومن هنا بدأت رحلتنا في اثبات وتوثيق أفعال الذئاب الطلقة وسط الأخضر، المختبئين دائمًا، يروعون الفتيات بالضرب والتحرش والاهانة والمعاملة غير الآدمية.
كان كل هدفنا خلال التحقيق هو تغيير ذلك الواقع للعمالة أو ايجاد قانون يحمي أمثالهم بمظلة قانونية آمنة خاصة بعد أن وجدنا قانون العمل المصري يستثني عمالة الأطفال في الزراعة والسبب هو العرف والعادة في البيئات الزراعية. أثناء بحثنا توصلنا إلى (اعتماد) العاملة الزراعية الشابة التي قتلت في محافظة بورسعيد، بعدما ذبحها ابن صاحب المزرعة التي تعمل بها حين حاول الاعتداء عليها وتجريدها من ملابسها، كانت كلماته قاتله بالنسبة إلينا، خاصة حين قال “قتلوها وكأنهم ذبحوا فرخة.. انا مش بنام من يوم الحادث والقتلة عايشين حياتهم.. اخد حقي بايدي ولا اعمل ايه .. انا مستني القانون يجيبلي حقي” وحينها انهمرت دموعه بحرقة لم يسبق لنا أن سمعنا أو شاهدنا في مرارتها شيء.
طاهر ابن صاحب المزرعة التي عملت بها اعتماد، أكد المحامي الخاص بزوج القتيلة، أنه معترف بالقتل مرتين وقام يتمثيل الجريمة أيضًا أكثر من مرة مع ذلك لم يتم الحكم منذ أكثر من عام ونصف حتى الآن والقضية مؤجلة إلى ديسمبر القادم. اعتماد ليست الوحيدة، هناك 2 مليون عاملة زراعية ومليون طفل يعملون في الزراعة، يحتاجون إلى تفتيش وضبط المخالفين، وأن تضرب الدولة بيد من حديد على من ينتهك أعراض وحقوق تلك العمالة، بالإضافة إلى تقصير المجالس الحقوقية التي اتضح أنها تتحرك فقط عند وجود شكاوى، وأنها تحتاج إلى عاملين وتمويل بشكل أكبر حتى تستطيع القيام بدورها على وجه صحيح.
هدفنا هو حماية هؤلاء من الاستغلال خاصة من الأطفال والنساء الذين يحرمون من أدنى الحقوق في العمل بكرامة، وتحسين ظروفهم الاقتصادية الصعبة التي تدفعهم للعمل، أيضًا نشر التعليم والثقافة حتى يستطيعوا الحديث والتعامل مع من يستغلهم أو يهدر حقوقهم.