موتى بلا قبور - عبدالوالي المذابي

2016/01/4
التاريخ : 04/01/2016

في العام 2000 انجزت تحقيقا مكتوبا حول قضية تراكم الجثث في المستشفيات الحكومية بناء على خبر وصلني بوقوع مشادة بين وزير الصحة ووزير الداخلية، سببها إقدام سيارة شرطة على ترك جثة مقتول أمام مبنى وزارة الصحة بعد أن رفضت كل المستشفيات الحكومية بالعاصمة صنعاء استقبال الجثة، بحجة عدم وجود سعة في الثلاجات ..واكتشفت من خلال التحقيق ان سعة الثلاجات محدودة، وان هناك جثث تتراكم في المستشفيات لاكثر من سنتين بسبب عدم وجود قانون ينظم المسألة فضلا عن وجود صلاحية لدفن الجثث لأي جهة كانت، عدا القضاء وهو ما تسبب في إهمال الجثث مجهولة الهوية كما أن هناك قضايا جنائية تتداخل مع مفاهيم قبلية، وتؤدي إلى إبقاء الجثة حتى القبض على القاتل وإعدامه ومن ثم دفنهما معا.

وفي العام 2014، كنت أراجع ارشيفي الصحفي فتوقفت عند هذا التحقيق وقررت البحث فيه مجددا وكنت أتوقع أن القضية قد وجدت حلا لكن المفاجأة ان الوضع أصبح كارثيا ..
وحينها عزمت على تغيير الوسيلة الاعلامية، وانتاج تحقيق تلفزيوني حول هذا الموضوع وكانت شبكة اريج هي الاكثر حماسا لانجازه، واستطعت اثبات الاهمال الجسيم للجثث بوثائق رسمية تؤكد تجاوز بعض الجثث لتسع سنوات كما ان بعض الجثث لم تعرض على الطبيب الشرعي رغم مرور ثلاث سنوات والسبب أنه لا يوجد في اليمن بأكملها سوى 4 اطباء شرعيين فقط، كما انتزعت اعترافات من رئيس نيابة بتعرض اعضاء النيابة لتهديدات من نافذين في حال اصدروا تصريحا بدفن بعض الجثث قبل ضبط الجناة
اكتشفت ايضا انه لايوجد سوى مقبرة واحدة للمسيحيين في عدن جنوب اليمن، وترفض استقبال الجثث من المحافظات الاخرى بسبب عدم وجود مكان..
الازمات السياسية والاقتصادية في اليمن زادت من تعقيد المشكلة انقطاع الكهرباء وازمات المشتقات النفطية المتكررة ادت الى تعفن بعض الجثث وحصلت على وثائق رسمية تؤكد ذلك كما قمنا بتصوير ذلك
التحقيق المكتوب كان ادى الى تحريك المياه الراكدة واصدار قرار من مجلس الوزراء يمنح النيابة صلاحية اصدار تراخيص الدفن للجثث بعد 15 يوما من الاعلان عنها في الصحف الرسمية لثلاثة ايام وبعد انتهاء كافة اجراءات الفحص ولكن هذا يعني ان اسرع جثة ستدفن بعد ثلاثة اشهر في احسن الحالات حيث تتأخر هذه الجثث بسبب بطء الاجراءات وعدم وجود جهة معنية بمتابعة الاجراءات الادارية ودفن الجثث بعد استكمالها كون هذه المسألة ليست من اختصاص المستشفيات والنيابات
التقيت بسيدة يمنية متطوعة تتعاون مع النيابات والمستشفيات والطب الشرعي منذ اكثر من 23 عاما استطاعت خلالها دفن اكثر من 5000 جثة وتمكنت من تأمين مقبرة للمسحيين في صنعاء ومقبرة لمجهولي الهوية لكنها تعمل بمفردها وتواجه مشكلة تتعلق باصرار النيابة على تقديم كشوفات جماعية بالجثث وهو ما يتسبب في تأخر اصدار تصاريح الدفن حتى اكتمال العدد المطلوب كما ان بعض الجثث يتم استثناءها من الدفن حتى بعد استكمال الاجراءات وحصولها على التصريح والاعلان عنها في الصحف..والاستثناءات تأتي من النيابات والقضاء بحسب اعتراف مسئولين في النيابة
اكتشفت أيضا ان هناك جثث تتأخر في ثلاجات المستشفيات الخاصة بسبب حجزها من قبل إدارة المستشفى حتى يتم تسديد فواتير العلاج فضلا عن الايجار اليومي للثلاجة بواقع 25 دولار يوميا عن الجثة كما تقوم المستشفيات بحجز سيارات لذوي المتوفيين على ذمة تلك المبالغ وقد قمت بتصوير وتوثيق هذه السيارات وقد اوصدت مخارجها بالسلاسل والاقفال..
القضية بحاجة لاهتمام واسع من الجهات وممارسة ضغوط لاصدار قانون يعالج هذه المشكلة ويحدد المسئولية ويوجد جهة تعنى بالمتابعة ودفن الجثث.